|
|||||
|
وإذا فهمنا المهدي (ع) بهذا الشكل استطعنا أن نستوعب بكل سهولة ووضوح علمه بكل هذه الأمور ، بشكل طبيعي لا أثر للإعجاز فيه .فإننا لا ينبغي أن ننزل في التصور عن الشخص العبقري والمفكر الألمعي ، فإن الفرد العبقري قد يطلع على عدد من جوانب تلك الخصائص ، وإن تعذرت إحاطته الكاملة بها ، بطبيعة الحال ... فكيف بالإمام المهدي (ع) صاحب الصفات الكبيرة والمميزات الجليلة . وبخاصة إذا كان للإمام (ع) اهتمام خاص بتتبع هذه الخصائص ومواكبة وجودها التدريجي ، حتى تصل إلى درجة الكمال .وهذا الإهتمام موجود بكل أكيد ، باعتبار حرص الإمام المهدي (ع) بمعرفة موعد ظهوره أكثر من أي شخص آخر . ليس هذا فقط اعني أن المهدي (ع) لا يكتفي فقط بمجرد العلم بالحوادث والإطلاع على التفاصيل ، بل هو مكلف – في بعض الحدود التي عرفناها في التاريخ الاسبق(1) - بالمشاركة بالبناء الإجتماعي الخّير ودفع البوائق والكوارث عن الأمة الإسلامية .ومعه فلا يكون فقط عالماً بتحقيق تلك الخصائص كفرد عبقري ، بل هو مشارك في وجودها لأخبارها مواكبة داخلية ، لو صح التعبير ، وهوأفضل أشكال العلم (الطبيعي) ، وأكثرها تفضيلاً ودقة . وهذا هو الذي يفسر لنا علمه (ع) بكل الأمور الستة ، كما هو غير خفي على القارىء الذكي ....مع وجود بعض المميزات في عدد من النقاط ، نشير إليها فيما يلي : أولاً : بالنسبة إلى الأمر الأول ،يعتبر وجود القائد أمراً وجدانياً للمهدي (ع) باعتباره يرى نفسه هو ذلك القائد بطبيعة الحال ، ويعرف ذلك بالضرورة . ثانياً : بالنسبة إلى الأمر الثاني : يتم تلقي أساس الشريعة وقواعدها العامة ، بنحو الرواية عن آبائه عن النبي (ص) ...وإن كان (ع) يطلع على عدد من التطبيقات عن طريق العلم (الطبيعي) الذي أشرنا إليه .
ـــــــــــــــــ (1)انظر ص53
ثالثاً : بالنسبة إلى الأمر الثالث :وهو وجود العدد الكافي من المؤيدين والأنصار ، يكفي في إطلاعه (ع) على تكاملهم عدداً وإخلاصاً ، نفس الطرق السابق ، مع ملاحظة اهتمامه الدائم والدائب عن الفحص عن ذلك ، ويفوق هذا الأمر الثالث غيره نقطة قوة مهمة ، هو ما أشرنا إليه في التاريخ السابق (1) ، من أنه (ع) يجتمع بالناجحين الكاملين بالتمحيص ويعرفهم على حقيقته ، انطلاقاً من عدة أدلة أهمها الفكرة القائلة أن المانع عن التعرف على الإمام إنما هو الذنوب وأنحاء القصور والتقصير، فإذا ارتفع كل ذلك ، كان التشرف بخدمة الإمام ممكناً وسهلاً .إلا أن ذلك خاص بالمخلصين من الدرجة الأولى من درجات الإخلاص الأربع التي ذكرناها هناك(2) . ومعه يكون تعرفه(ع) على هؤلاء الممحصين وعددهم ودرجة إخلاصهم ، تعرفاً مباشراً ، بالمشاهدة والوجدان . نعم ، قد يبقى تعرفه على الناجحين في التمحيص من الدرجات الأدنى من ذلك . متزقفاً على الطريق (الطبيعي) الذي ذكرناه . رابعاً : بالنسبة إلى الأمر الخامس، وهو تطرف انحراف المنحرفين ، يحتوي على شواهد كثيرة ، أعلاها مطاردة الإمام المهدي (ع) بالجيش الذي يخسف به ومقتل النفس الزكية ...وقد تكون هناك شواهد أخرى لدى الإمام المهدي (ع) لم ترد في النقل . هذا ، واما بالنسبة إلى الأمرين الخامس والسادس ، فيبدو أنهما يقتصران على ذلك الطريق الطبيعي، وليس فيهما مزية زائدة ...وهو كاف تماماً في تفسير كيفية علم الإمام المهدي ( ع) بهما . هذا وينبغي ان نلتفت بهذا الصدد ، أن للأمور الأربعة من هذه الستة التي أسلفناها مستويين من الإثبات : المستوى الأول : تشخيص ما ينبغي أن تكون عليه الأمة الإسلامية من مستوى هذه الصفات ، لتكون مؤهلة لتنفيذ اليوم الموعود .
ـــــــــــــــــ (1) تاريخ الغيبة الكبرى ص152. (2) المصدر ص248.
فكم ينبغي أن يكون عدد المخلصين ليكون كافياً لغزو العالم بالعدل ..،كم ينبغي أن يكون العمق الفكري في الأمة لتكون قابلة لفهم القوانين المهدوية الجديدة ...وكم ينبغي أن يتطرف أنحراف المنحرفين وكفر الكافرين ...وكم نسبة من البشر ينبغي أن يكون يائساً من الحلول المعروضة فيعصر التمحيص والإنحراف ، كل ذلك من زاوية التشخيص النظري . المستوى الثاني: التشخيص العملي بأن هذه الأمور التي ينبغي أن تقع والتي استهدف التخطيط العام إيجادها جميعاً ...هل وجدت ليكون الوعد ناجزاً ، أو لم توجد بعد .وما ذكرناه من طريق تعرف الإمام المهدي (ع) بالنتائج كان هذا المستوى هو المنظور فيه . وأما طريقة علمه (ع) بالمستوى الأول ، فمن الواضح تكفل الأسلوب العام الإعجازي لعلم الإمام بتغطيته بوضوح .وأما لو تجاوزنا عنه فينبغي أن يكون علمه به ناتجاً عن خبرتين مزدوجتين .
الخبرة الأولى : ما يحصله (ع) من إطلاع على حوادث الأجيال وقوانين التاريخ ،
في خلال معاصرته الطويلة لبشرية ، كما سبق أن ذكرنا في التاريخ السابق(1)
. وهو علم مفروض الوجود عنده (ع) ، ولا أقل من زاوية قواعده العامة وأساليبه الكلية . ومع اجتماع هاتين الخبرتين ، يستطيع أن يتعرف على المستوى الأول بكل وضوح ، خذ مثلاً : إن كل مثقف إلى الدرجة الكافية ، يستطيع أن يشخص المستوى الذي ينبغي أن يكون عليه الفرد ثقافياً ليفهم كتاب ( روح القوانين ) لمونتيسكيو ، أو أن ينظم قصيدة جميلة بمناسبة زواج ما مثلاً ، كما أنه يستطيع أن يشخص مقدار قوة الإرادة والعزم الذي يكفي إرتداع الفرد عن الرشوة . وعلى أي حال ، فقد صحت الأطروحة الثالثة القائلة بأن في إمكان المهدي (ع) أن يطلع على اجتماع شرائط الظهور بنفسه ، ولا حاجة له – بعد ذلك إلى المعجزة المنبهة له إلى ذلك ، كالأسلوب الأول من الأطروحة الثانية . بل تكون عندئذ مخالفة لقانون المعجزات .
ـــــــــــــــــ (1) ص512وما بعدها .
|
||||
|
|||||