|
|||||
|
قال أبو عبد الله (ع) : يأتي على الناس زمان ...إلى أن قال : فإذا أراد الله عز وجل إظهار أمره ، نكت في قلبه نكتة فظهر .... الحديث . والنكت في القلب هو الألهام ، كما تفسره الأخبار الأخرى . أخرج الكليني في الكافي(1) بسنده عن علي السائي عن أبي الحسن الأول موسى عليه السلام .قال : مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه : ماض وغابر وحادث .فأما الماضي فمفسر ، واما الغابر فمزبور .وأما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع ،وهو أفضل علمنا ، ولا نبي بعد نبينا . واخرج أيضاً (2) بسنده عن المفضل بن عمر ، قال: قال قلت لأبي الحسن عليه السلام عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : أن علمنا غابر ومزبور . ونكت في القلوب ونقر في الأسماع . فقال : أما الغابر فما تقدم من علمنا .وأما المزبور فما يأتينا .وأما النكت في القلوب فإلهام .وأما النقر في الأسماع فأمر الملك . ولهاتين الروايتين فهمهما الخاص . الذي يخرج بنا عن الصدد . والذي يهمنا الآن هو الرواية الثانية تفسر النكت بالقلوب بالإلهام(3) .وتسميه الأولى : القذف في القلوب ،وتصرح بأنه أفضل العلم الواصل إليهم عليهم السلام . وهذا المعنى عام لكل الأئمة عليهم السلام ، بما فيهم المهدي (ع) طبقاً للفهم الإمامي له ، الذي ننطلق منه الآن .إذن ، فيكون الإمام المهدي (ع) ملهماً في تحديد وقت ظهوره ، بدون حاجة إلى تحديد سابق يرويه عن آبائه عليهم السلام . وقد سمعنا في التاريخ السابق(4) من ألأخبار ما دل على أن الإمام إذا شاء ان يعلم شيئاً اعلمه الله تعالى ذلك وهو يسند مضمون هذه الأخبار أيضاً . ولا شك أن المهدي (ع) يريد طوال ايام غيبته أن يعلم وقت ظهوره ، فيلمه الله تعالى بالموعد عند حلوله ، عن طريق الإلهام أو نحوه من أساليب العلم التي أشارت إليها تلك الروايات .
ـــــــــــــــــ (1) أنظر المصدر المخطوط ، باب : جهات علوم الأئمة (ع) . (2) المصدر والباب نفسيهما . (3) الإلهام :وصول المعنى إلى الذهن بدون لفظ .والوحي وصوله مع اللفظ وهو خاص بالأنبياء . (4) أنظر تاريخ الغيبة الكبرى ص: 515.
وإذا غضضنا النظر عن هذا المعنى (الإعجازي) للنكت في القلب ....أمكننا أن نحمله على عدة معاني طبيعية اعتيادية نذكر منها اثنان : المعنى الأول : معنى عاطفي .وهو الغضب لله عز وجل ، وللعدل ...عند بلوغ انحراف من المسلمين غايته، ويكون هذا الغضب هو المعنى الحادث في قلبه عليه السلام يحمله على الخروج . إلا أن هذا المعنى بمجرده غير كاف في تبرير الظهور ، فإن غضبه لله عز وجل وللعدل موجود على الدوام ما دام عصر الإنحراف موجوداً . إلا أنه يحتاج إلى العلم بانتصار حركته وثورته عند ظهوره .وهذا ما يحرز بالأطروحة الأولى والثالثة . المعنى الثاني : معنى عقلي ،وهو علم المهدي (ع) باجتماع شرائط الظهور وتكامل علاماته .وهذا المعنى راجع إلى الأطروحة الثالثة التي سنذكرها .وإذا كان المراد من الخبر السابق على هذا المعنى ، كان دليلاً على ما سنقوله في الأطروحة الثالثة ، ولا يكون دالاً على معنى إعجازي . وعلى أي حال، فهذا الخبر الذي دعمنا به الأطروحة الثانية ، لم تثبت وثاقة رواته ، ولم نجد غيره بمضمونه، فلا يكون قابلاً للإثبات التاريخي .ومعه لاتتم هذه الأطروحة . الأطروحة الثالثة : ان المهدي (ع) يشخص وقت الظهور بخبرته الخاصة ... بعد أن كان تلقى أسسه العامة عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وسلم . وينبغي أن نتحدث عن إثبات هذه الأطروحة ، ضمن عدة أمور : الأمر الأول : أن نعدد بشكل موجز شرائط الظهور .وأهم ما يتمخض عنه التخطيط الإلهي العام السابق على الظهور من نتائج ، مما سبق أن عرضناه في التاريخ السابق وهذا التاريخ ...،يمكن تلخيص أهمها فيما يلي: الأول : وجود القيادة المتكاملة التي تقوم بمهام يوم الظهور ونشر العدل في العالم كله . الثاني: وجود القانون العادل ،أو الأطروحة العادلة الكاملة ، التي تتكفل حل كل مشاكل البشرية وتستأصل جميع مظالمها .
الثالث: وجود العدد الكافي من الأفراد لفتح العالم على أساس العدل ، واستمرار حكمه على هذا الأساس . الرابع : بلوغ الأمة الإسلامية ككل، إلى درجة النضج الفكري والثقافي . بحيث تستطيع أن تستوعب وتتفهم القوانين والأساليب الحديثة التي يتخذها المهدي (ع) في دولة الحق والعدل الخامس : تطرف انحراف المنحرفين ، إلى حد يكون على مستوى نبذ الشريعة الإسلامية وعصيان واضحات أحكامها . السادس : يأس العالم أو الرأي العام العالمي ، ككل ، من الحلول المدعاة للمشاكل العالمية عن طريق الإسلام ..كما سبق أن برهنا . إلى غير ذلك من النتائج .وهذه أهمها مما يمت إلى محل الحاجة بصلة .وهذه الشرائط ولواحقها كلها تكون مجتمعة ومتعاصرة ، نتيجة للتخطيط الإلهي العام . قبيل الظهور مباشرة ، ويكون الظهور كاشفاً لنا عن اجتماعها ....كما تكشف بعض الحوادث السابقة عليه عن بعضها . الأمر الثاني: أن هناك أساليب عامة لتفسير وجود العلم لدى الإمام المعصوم (ع) ، شاملة للإمام المهدي (ع) طبقاً للفهم الإمامي الذي نتحدث عنه على طبقه الآن .وقد وردت أخبار المصادر الخاصة .وهي تصلح لتفسيرعلمه بأي من هذه الأمور .كالإلهام والنقر في الأسماع ، وقاعدة : إذا أراد الإمام أن يعلم شيئاً اعلمه الله تعالى ذلك .وقاعدة : أن أعمال العباد تعرض على ألإمام كل جمعة .ويرى فيها رأيه النهائي في كل عام في ليلة القدر . ولا نريد الدخول الآن في إثباتات ذلك ولعل بعض ما سبق في هذا الكتاب والذي قبله ما يصلح لذلك .إلا أننا نريد التجاوز عن كل هذه الأساليب، طمعاً في أن يتخذ البحث الشكل الطببعي المألوف . وقد لا تكون هناك منافيات بين الأسلوبين الإعجازي والطبيعي ، لكي يكون أحدهما نافياً للآخر . الأمر الثالث : أننا إذا تجاوزنا عن تلك الأساليب العامة ، وحافظنا على الفهم الإمامي لفكرة المهدي ، مع فهم الغيبة طبقاً لأطروحة خفاء العنوان ، الذي سبق أن فهمناها وبرهنا عليها .
|
||||
|
|||||