|
|||||
|
ونحن ذهبنا في التاريخ السابق(2) إلى صحة ثبوت الإلهام للمهدي ... لكن ذلك باعتبار الفهم الإمامي .وإما طبقاً للفهم الآخر فيكاد أن يكون اثباته متعذراً . وأما التعرف على إنتاج التخطيط الإلهي لشرائط الظهور ، فيكون هذا موكولاً إلى الله تعالى وحده .ومن هنا سيقدر ميلاد المهدي في الزمان الذي يكون نضجه الكامل شخصياً مساوقاً ومعاصراً مع انتاج التخطيط واجتماع الشرائط .فإذا حان الوقت ، فسيعرف المهدي بفطنته وجود الفرصة المؤاتية والعدد الكافي من الأفراد لغزو العالم متوفراً ، فيصدع بمهمته الكبرى . وأما لو أخذنا بالفهم الإمامي ، فسيكون هذا السؤال وجيهاً ...باعتبار أن أيام الغيبة متساوية النسبة بالنظر السطحي ، تجاه موعد الظهور ، فلا يكون في بعض الأيام الأولى من بعض لإنجاز ذلك .ما لم يحصل هناك علم إضافي أو انتباه خاص حول الموضوع . وهذا العلم ولا شك في أنه سيحصل للإمام الغائب (ع) ، فإن الله عز وجل بحكمته الأزلية وتخطيطه العام سيمكن المهدي (ع) من العلم بموعد ظهوره ، لتوقف نجاحه عليه ، وتوقف تنفيذ الوعد الحق والغرض الأسمى على الظهور ، فيتوقف ذلك الغرض على العلم بحلول الموعد ،فيكون علمه عليه السلام ضرورياً بالبرهان . وإنما ينفتح السؤال عن اسلوب علمه ذلك ،وأنه هل هو بطريق إعجازي أو طبيعي؟ وهو ما أجابت عليه جملة من الأخبار الخاصة .فتحصلت عندنا عدة أطروحات في مقام الجواب على ذلك ...وقد لا تكون متنافية فيما بينها . بل في الإمكان صدقها جميعاً لو صحت بالدليل عليها ، وتم عليها الإثبات التاريخي . الأطروحة الأولى : أن يكون علم المهدي (ع) بموعد ظهوره وثورته ، بنحو الرواية عن آبائه المعصومين عن جده الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله . وتتصور هذه الرواية على أشكال ، تكون كل واحدة في واقعها منها أطروحة مستقلة .
ـــــــــــــــــ (1) ج3 ص327وما بعدها . (2) ص505 وما بعدها .
الشكل الأول : أن يحدد له الزمان في تاريخ معين ، في ساعة من يوم من شهر من عام بعينه ....يكون معلوماً عنده مجهولاً عندنا . الشكل الثاني : أن تحدد له حادثة معينة أو عدة حوادث ، تكون معاصرة للموعد المطلوب في حكمة الله عز وجل وتخطيطه ، كمقتل النفس الزكية أو الخسف أو أي شيء آخر . الشكل الثالث : أن يوصف له جيل معين ، بأسماء أشخاصه وأعمالهم أو أحد منهم أو أكثر ، ويكون الموعد نقطة معينة من عمر ذلك الجيل . إلى غير ذلك من الأشكال ... كلها ممكنة ومحتملة ، إلا أنه لم يدل عليها نص معين في القرآن الكريم ولا السنة الشريفة ، بحسب تتبعنا . غير أن توقع وجود نص على ذلك مما لا معنى له ، لأن النص لا يرد إلا فيما أريد إبلاغه إلى الآخرين ، إلى الناس .وأما ما كان خاصاً بشخص المهدي (ع) فلا معنى لوروده في دليل عام ، أعني واسع الإنتشار . ومعه فتبقى هذه الأطروحة ذات احتمال محترم . وهذا هو أحد الفروق الرئيسية التي تمتاز بها الأطروحة الإمامية عن غيرها . إذ لا يتصور بمن يوجد متأخراً عن صدر الإسلاك ، أن يتحمل مثل هذه الرواية ، دون أن تشتهر وتتناقلها الألسن . الأطروحة الثانية : أن يكون علم الإمام المهدي (ع) بموعد ظهوره إعجازياً ، بمعنى أنه يحين الموعد الذي يراه الله عز وجل صالحاً للظهور وانتصار الثورة العالمية ، فإنه عز وجل يحقق أمام الإمام المهدي (ع) معجزة بشكل وآخر توجب إلفاته إلى ذلك ...كما سنسمع . وذلك بأحد أسلوبين ، أو بالأسلوبين معاً ، وإن لم يكن أحدهما مغنياً عن الآخر . الأسلوب الأول : وهو أوضحهما وأصرحهما بالإعجاز . ما لم يحمل على الرمز ، لو أمكن . فمن ذلك :ما أخرجه الواندي (1) مرسلاً عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ،في حديث عن القائم يقول فيه:
ـــــــــــــــــ (1) انظر الخرايج والجرايح ص198
وهذا ألاسلوب ، كما ترى ، فيه عدة نقاط ضعف : النقطة الأولى :أن رواياته قليلة ، وكلها مرسلة ، لم يذكر لها الراوندي أي سند ، ومعه فلا يمكن الأخذ بها طبقاً لأبسط وأوضح الموازين . النقطة الثانية: أنها منافية لقانون المعجزات ، القائل بأن المعجزة لا تقوم مع إمكان وجود البديل الطبيعي عنها، المنتج لنفس النتيجة .ومن المعلوم بوضوح ، وجود البديل عن أمثال هذه المعاجز المنقولة من هذه الأخبار. فإن معرفة الإمام لمهدي (ع) بموعد الظهور لا ينحصر بها ، ولا يتوقف عليها ، بعد إمكان الأطروحة الأولى والثالثة ، اللتان ترجعان إلى معنى طبيعي غير إعجازي . النقطة الثالثة: أنها مبتنية على المفاهيم القديمة في تصور الحرب ، وأن سلاح الإمام المهدي (ع) في ظهوره سوف يكون هو السيف على التعيين ، وإن قيادته سوف تكون بالراية وهي العلم الكبير.وكل هذا مما ثبت بالوجدان تغيره وتطوره . وقد يخطر في الذهن : أننا سنحمل فيما يلي من البحث معنى السيف على كل سلاح ،ونحمل معنى الراية على القيادة العقائدية ككل ... فلماذا لا نحملها هنا على ذلك أيضاً؟. والجواب على ذلك: أن من الأخبار ما يكون قابلاً للحمل على ذلك ، وبعضها ما يكون كالصريح فيه ، كما سنسمع .وأما مثل هذه الأخبار المرسلة . فلا يمكن أن تحمل على ذلك ... لوضوح أن القيادة المعنوية لا يتصور فيها النطق والكلام ، حتى وإن كان إعجازياً . كما أن حمل السيف على المدفع أو الصواريخ الموجهة مثلاً ، فتكون هي الناطقة بدل السيف ... بعيد جداً ، كما هو واضح . الأسلوب الثاني : أن الإمام المهدي (ع) يعرف .موعد ظهوره عن طريق الإلهام . فمن ذلك : ما أخرجه الصدوق في إكمال الدين (2) عن عمر بن إبان بن تغلب ، قال:
صفحة (200) ـــــــــــــــــ (1) المصدر ص129 وص162 (2) انظر المصدر المخطوط .
|
||||
|
|||||