الفصل ألأول

 في معنى الظهور وكفيته

واسلوب معرفة المهدي (ع) للوقت الملائم


للظهور معنيان مقترنان يصدقان معاً بالنسبة إلى المهدي (ع) ، طبقاً للفهم الإمامي .ويصدق أحدهما طبقاً للفهم الآخر .وله معنى ثالث لا يصدق إلا في زمن متأخر نسبياً .

المعنى ألأول : أن يراد من الظهور : البروز والإنكشاف بعدالإحتجاب والإستتار .

وهذ ما يحصل فعلاً بالنسبة إلى الإمام المهدي (ع) عند تعرف الناس إليه بعد غيبته واستتاره ، وهو خاص بالفهم الإمامي الذي يرى حصول الغيبة .

المعنى الثاني : أن يراد بالظهور : إعلان الثورة (في منطق العصر الحاضر) أو القيام بالسيف (في منطق العصر القديم) .وهو صادق بالنسبة إلى المهدي (ع) على كلا الفهمين الإمامي وغيره .لوضوح كونه عليه السلام الثائر الأكبر ضد الظلم  والطغيان والتخلف على وجه الأرض .

ومن هنا نعرف أن كلا المعنيين صادقين من زاوية (إمامية) ، إذ نجد الإمام المهدي (ع) يظهر بعد الإستتار ثائراً على الظلم والطغيان .

المعنى الثالث : أن يراد الظهور :الإنتصار والسيطرة ، يقال: ظهرعليه إذا انتصر ضده وسيطر عليه . وهذا المعنى يصدق عند استتباب الأمر للمهدي (ع) على العالم كله ، وهو غيرما نريده من كلمة الظهور .إذن فينحصر معنى الظهور في لحظاته الأولى ، بالمعنيين الأولين .

ونحن حين ننظر إلى الظهور مقابلاً للغيبة والإحتجاب ، نحتاج إلى التساؤل عن كيفيته  وطريقة تحققه .كما أننا حين ننظر إلى الظهور بوصفه ثورة عالمية وتنفيذاً لليوم الموعود ، نحتاج إلى التساؤل في اسلوب معرفة الإمام المهدي (ع) للوقت الملائم له .

وطريقة اطلاعه على تمخض التخطيط الإلهي عن نتائجه .


صفحة (195)


فباعتبار هذين التساؤلين ، ينبغي أن نتكلم في جهتين :

الجهة الأولى : في كيفية الظهور بعد الغيبة .

وإذا نظرنا إلى الظهور من هذه الزاوية ، نجد أن له معنيين مقترنين عملي ونظري يصدقان معاً :

المعنى الأول : وهو المعنى العملي ....وهو أن يرى الناس الإمام المهدي (ع) في أول ظهوره ، فيعرفهم بنفسه ويكشف لهم عن صفته الحقيقية ، ويطالبهم بنصره ومؤازرته .وهذا ما سنعرف تفاصيله في  هذا القسم من التاريخ .

المعنى الثاني : وهو المعنى النظري ... ويتلخص بارتفاع الغيبة التي كان عليه السلام قد اتخذها مسلكاً لنفسه ، طبقاً للتخطيط الإلهي ...سواء كان معنى الغيبة هو (اطروحة خفاء الشخص) أو (أطروحة خفاء العنوان) اللذين شرحناهما في التاريخ السابق ، فيكون شخصه مكشوفاً وعنوانه معروفاً ..تقديماً لإنجاز مهامه العالمية ، المتوقعة منه منذ الآن .

فإن صحت (أطروحة خفاء الشخص) الإعجازية ، كان معنى الظهور ارتفاع المعجزة عنه وانكشاف جسمه للناس ، مضافاً على ضرورة تعريفه إياهم بنفسه وإطلاعهم على حقيقته .فإن هذه المعجزة إنما كانت سارية المفعول في إخفائه لأجل حفظه من الأعداء والطوارىء ليتولى القيادة الكبرى في اليوم الموعود .فإذا حل اليوم الموعود ، واجتمعت شرائطه ، لم يكن لبقاء ذلك الإختفاء من موضوع .

وإن صحت (أطروحة خفاء العنوان) التي هي طريق لحفظ الإمام يغني عن الطريق الإعجازي ، إلا في أوقات الخطر، كما سبق أن ذهبنا إليه في التاريخ السابق ... وكل ما في الأمر أنه عليه السلام يعيش (بشخصية ثانوية) متكونة من اسم مستعار وعمل معين واسلوب في الحياة غير ملفت للنظر ولا يمت إلى الإمامة والقيادة بصلة .

ومقتضى هذه الأطروحة أنه ليس هناك اي إعجاز في الإختفاء ليحتاج إلى زواله، بل يكفي في الظهور : أن يبدل المهدي (ع) شخصيته الثانوية بشخصيته الحقيقية ، ويعرف الناس بصراحة بصفته الواقعية ، ويقيم الحجة على ذلك ، بالأسلوب الذي سوف يأتي .

فيثبت باليقين على أن هذا الشخص الذي  كان يسمى بفلان ويعمل كيت ، إنما هو المهدي الموعود .وقد باشر من الآن مهماته الكبرى .


صفحة (196)

 

ويؤيد ذلك من الأخبار ما رأيته في بعض المصادر التي لا تحضرني الآن من أنه عليه السلام حين يظهر ، يقول عدد من الناس : أننا كنا رأينا هذا الشخص قبل هذا . اقول: وهو أيضاً من الأخبار الصريحة في نفي الأطروحة.

وهنا ينبغي أن نتذكر ما عرضناه من أسلوب تعرف (السفياني) على تحركات المهدي (ع) ومطاردته له في عصر غيبته ... فإنه مما لا موضوع له مع صدق الأطروحة الأولى .فتكون كل الأخبار الدالة على ذلك دالة على صدق الأطروحة الثانية .

ومعه فإتماماً للفهم العام السابق ، نفهم : أن هذا الشخص الذي كان السفياني يطارده ،وقد حصل الخسف من أجله ،ولم يؤثر موقف (النفس الزكية) في ترجيح كفة الميزان الإجتماعية إلى جهته ، إن هذا الشخص سوف يذهب إلى المسجد الحرام فيعلن عن شخصيته الحقيقية ،ويطلب من الناس نصرته والفداء في سبيل أهدافه ، ضد السفياني وغير السفياني من الطغاة الظالمين .

 الجهة الثانية : في أسلوب معرفة الإمام المهدي (ع) بالوقت المناسب للظهور ، ذلك الوقت الذي يكون  التخطيط الإلهي قد انتج به نتائجه الكبرى .

والسؤال عن ذلك ينبغي أن يتوجه تارة إلى الفهم غير الإمامي للمهدي وأخرى إلى الفهم الإمامي عنه .

أما طبقاً للفهم غير الإمامي ،وهو أن المهدي رجل يولد في عصره ، فيوفق للثورة العالمية ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً .

فطبقاً لذلك لا نكاد نحس بالحاجة إلى السؤال ، إذ يكون شأن المهدي شأن أي قائد آخر تتوافر له الظروف الموضوعية للثورة ، ويدرك إمكان نجاح حركته ، كما يدرك أي قائد ذلك لنفسه ،وإنما يبقى الفرق بينه وبين سائر القادة ، بأمرين :

الأمر الأول : أنه بينما يفسر سائر القادة الأوضاع الإجتماعية .من زواياهم الشخصية ، وينظرون الظروف والفرص من منظار مصالهم الخاصة .فإن المهدي .ينظر إلى ذلك من زاوية مصالح الإسلام الذي هو (الأطروحة العادلة الكاملة ) الذي يخرج البشر من الظلمات إلى النور والحق والعدل .


صفحة (197)