تمهيد
 

حين ينتج التخطيط الإلهي العام لعصر الغيبة نتيجته ، ويتمخض عن وجود العدد الكافي لغزو العالم بالحق والعدل ، يترتب على ذلك نتيجتان كبيرتان :

النتيجة الأولى : إمكان الحفاظ على حياة الإمام المهدي (عج) بالطريق الطبيعي الإعتيادي ، بالرغم من معروفيته وانكشاف حقيقته للناس ، وذلك لوجود العدد الكافي من الأفراد الذين يمكنهم بإخلاص أن يذودوا الأخطار بعون الله عز وجل عن إمامهم  وقائدهم العظيم .

وبذلك ترتفع الحاجة إلى الغيبة بكلا شكليها : الإعجازي والطبيعي ، اعني(أطروحة خفاء الشخص) الإعجازية و(أطروحة خفاء العنوان ) الطبيعية  ومع ارتفاع الحاجة إلى الغيبة ، لا معنى لإستمرارها .

بل سيكون استمرارها مانعاً عن تحقيق الغرض الإلهي المطلوب في اليوم الموعود ، ومن هنا تكون محرمة على الإمام المهدي (عج) ....باعتبار أنه يجب عليه بحكم الله عز وجل تنفيذ ذلك الغرض الذي ذخر من أجله، وقد أصبح بعد نجاز التخطيط ممكناً .

فكل ما يكون مانعاً عنه أو حائلاً عن تنفيذ مما يعود إلى عمله الشخصي واختياره ، يكون محرماً عليه .

النتيجة الثانية : إمكان الفتح العالمي بالحق والعدل ، بهذا العدد الكافي المهيأ لهذه المهمة .وهو ما لم يتوفر لأحد من الأنبياء والأولياء والعظماء والمصلحين السابقين عليه (ع) .وإنما شارك كل واحد منهم بقسط من الأعداد طبقاً للتخطيط العام .وبقيت النتيجة مؤجلة ومنوطة بالمهدي (عج) عندما يتمخض هذا التخطيط عن  نتائجه .

 

 صفحة (191)
 

وإذ يكون الفتح العالمي  بهذا العدد المتوفر ممكناً ويكون واجباً لا محالة طبقاً للتكليف الإسلامي في كل زمان ومكان ، والمتكون من أمرين :

الأمر الأول : أن الفتح الإسلامي لأي مقدار ممكن من الأرض المسكونة ، واجب ...طبقاً لمفاهيم وأحكام الجهاد المنصوصة في الكتاب والسنة .فإذا كان الفتح لمجموع الكرة الأرضية ممكناً كان واجباً لا محالة .

الأمر الثاني: إن امتثال كل تكليف في الإسلام ، بما فيه وجوب الفتح الإسلامي منوط في الشريعة بإمكان حصوله وتوفر مقدماته ...فمتى كان المكلف قادراً على امتثال التكليف- أياً كان – وجب عليه وكان معاتباً ومعاقباً على تركه وإذا كان الفرد عاجزاً عن الإمتثال ، باعتبار قصوره أو قصور فيه أو في الظروف المحيطة به ، كان التكليف ساقطاً عن الذمة .لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها .وليس  معنى عدم وجود عدم  وجود التكليف في الشريعة ، وإنما معناه إناطته بحال القدرة والإستطاعة .

إذا عرفنا ذلك ، استطعنا أن نشخص بوضوح أن النبي (ص) والأئمة المعصومين الماضين (ع) ، حيث لم يكن لديهم العدد الكافي من الأفراد لغزو العالم بالعدل ، كان التكليف به ساقطاً عنهم .لأن الغزو في تلك الظروف الت يعاشوها لم يكن ممكناً إلا بالمعجزة ، وهو ما لم تقم الدعوة الإلهية على اتخاذه على طول التاريخ

... بل كان يقتصر كل منهم على المقدار الممكن له من الأعمال المؤثرة في إقامة الحق .وقد كان للنبي (ص) عدداً كافياً لفتح منطقة من الأرض ، فكان يجب عليه المبادرة إلى ذلك ، وقد كان (ص) على مستوى المسؤولية فأدى تكليفه على أحسن وجه ،وبذلك انتشر الإسلام .

ثم إن الله عز وجل  خطط خلال عصر الغيبة ،كما عرفنا ، لوجود العدد الكافي من المخلصين لغزو العالم ... وإن التكليف بذلك عند نجاز هذا الشرط ، وسيكون هذا التكليف متوجهاً إلى الإمام المهدي(عج)  وسيكون هو على مستوى المسؤولية وفي أعلى مراتب الحكمة وأفضل أشكال القيادة ...بعد الذي عرفناه من آثار طول الغيبة في ترسيخ وتعميق القيادة لديه .  

وعلى أي حال ، فسيكون الظهور والقيام بالسيف أو التحرك العسكري من قبل الإمام المهدي ، عند نجاز التخطيط، متعيناً لازماً ، بحسب الوعد الإلهي في القرآن الكريم ، والغرض الأسمى من خلق البشرية ، وبحسب التكليف الإسلامي  للإمام المهدي نفسه .

وليس الإمام وحده مكلفاً ، بل مع تحقيق الإمكان ، تكون كل البشرية مكلفة بذلك .كل ما في الأمر ، أن من يكون على مستوى المسؤولية الكاملة لإطاعة هذا الحكم وتنفيذه ، هو الإمام المهدي (ع) وأصحابه ...دون الكفار والمنحرفين الذين يكون العدل منافياً لمصالحهم الشخصية .

ومن هنا أيضاً ، كان من اللازم على كل فرد التجاوب مع ثورة المهدي (ع) بأقصى إمكانه ، فإن استطاع الجهاد العسكري وجب ،وإلا فعليه التجاوب مع مفاهيمه وقوانينه وتطبيقها تطبيقاً دقيقا .


صفحة (192)