|
|||||
|
وهذا البرهان لايرد في واقعة إرسال النفس الزكية ، لأن مصلحة الظهور واليوم الموعود نفسه ، أصبحت متوقفة على انكشاف الغيبة النسبة إلى هذا الشخص ، وتعرفه على حقيقة المهدي (ع) . بغض النظر عن الأجوبة الآتية . فيكون مقتضى تقديم مصلحة .هو هذا الإنكشاف لا الغيبة . الجواب الثاني: أننا قلنا في التاريخ السابق(1) أيضاً :أن كل ناجح نجاحاً تاماً في التمحيص الإلهي ، بحيث يكون مؤهلاً للمشاركة في مهام عصر الظهور ، يكون في إمكانه رؤية المهدي(ع) خلال عصر غيبته ، إذ لا يحتمل أن يكون مورد خطر بالنسبة إليه .وقد دلت كثير من الروايات وعدد من أخبار المشاهدة ، بأن المجتمعين به (ع) في عصر الغيبة متعددون ، ممن يعرف هويته وصفته . وأنه يجمع إليه أنصاره ممن بلغ في التمحيص غايته ، ونجح فيه النجاح المطلوب .وإن في ذلك من المصالح التي تمت إلى ممارسة هؤلاء للقيادة في اليوم الموعود ، ما لا يخفى . ويبدو من سياق الرواية التي تعرب عن إرسال النفس الزكية ،أن هذا الرجل إنما هو من هؤلاء الخاصة الذين يجمعهم المهدي (ع) ويعرفهم بحقيقته ومن هنا لا يكون في إطلاع النفس الزكية على حقيقة الإمام المهدي (ع) أي إشكال . وينبغي أن نلاحظ هنا : أ ن النفس الزكية حتى لو كان مطلعاً على حقيقة المهدي (ع) حين إرساله ، فإنه ليس من الضروري أن يسميه في خطبته . بل قد يذكر العنوان المعلن للمهدي (ع) ويتجنب ذكر الحقيقة بالرغم من معرفته لها ، تبعاً لأمر إمامه وقائده (ع) . الجواب الثالث : أن ننطلق من الزاوية التي تصورنا بها تعرف السفياني ، على تحركات الإمام المهدي (ع) ، وهي اطلاعه عليه بعنوانه المعلن لا بحقيقته . فمن المحتمل ، أن لا يكون (النفس الزكية) مطلعاً على حقيقة الإمام المهدي (ع) الذي أرسله ...بل يذهب لتبليغ الرسالة وهو لا يعلم أكثر من كونها صادرة عن (فلان) الذي يسميه في خطبته .وهذا كاف في إقامة الحجة على الناس .
ـــــــــــــــــ (1) ص150 وما بعدها .
كما أنه كاف لتفسير مقتله ، إذ لا دليل على أنهم يقتلونه باعتبار رسالته عن المهدي (ع) بالذات ، بل باعتبار مضمون خطبته ، وقد يكون المهدي بعنوانه العلني مبغوضاً لديهم أيضاً ، فينزعجون من تجاوب (النفس الزكية) معه وقبوله لتحمل رسالته . الإعتراض الثالث : إن هذا التسلسل التاريخي الذي عرفناه في ( الفهم العام) مناف مع ما برهنا عليه من أن شرائط الظهور هي الحكم الفصل في إنجازه عند تحققها ، وهذه الأخبار تدل على أن سبب الظهور هو تهديد السفياني للمهدي (ع) بالقتل ، وقتل النفس الزكية فأيهم نأخذ؟ والجواب : إن كلا الفكرتين صادقتان وكلا السببين سبب صحيح في نفسه ،وليس مقتل النفس الزكية وتهديد المهدي (ع) إلا نتيجة من نتائج شرائط الظهور . فإن التخطيط العام السابق على الظهور ، بما له من خصائص وصفات ، عرفناها في التاريخ السابق ، منتج لعدة نتائج يهمنا الآن منها اثنتان : النتيجة الأولى :وجود العدد الكافي من الأفراد المخلصين الممحصين ، لغزو العالم بالعدل بين يدي المهدي (ع) وهذا هو الشرط الأخير المتبقي من شرائط اليوم الموعود الثلاثة التي عرفناها في التاريخ السابق(1). وبمجرد نجازه يتم الظهور وينجز اليوم الموعود . النتيجة الثانية : تطرف العدد الأكبر من أفراد المسلمين ، فضلاً عن غيرهم ، إلى جانب الإنحراف والضلال ، وأخذهم بالأفكار اللا إسلامية ، وعصيانهم أحكام الإسلام . وكلما ازداد الزمان ، ازدادت نتائج التمحيص تركيزاً ...وحصلت كلتا النتيجتين بشكل أوسع وأوضح . فيتكاثر في أحد الجانبين قوى الحق والإخلاص ، ويتكاثر في الجانب الآخر انحراف المنحرفين وظلم الظالمين ، على مختلف المستويات الإجتماعية . حتى يصبح جانب الإنحراف والفساد في المجتمع عاصياً لأوضح احكام الإسلام ، ومنكراً لضروريات الدين ، ومهدداً لحرمات الشريعة من أجل مصالحه وشهواته ...الأمر الذي ينتج أفظع النتائج لدى احتكاك اجتماعي بين الجانبين .
ـــــــــــــــــ (1) انظر تاريخ الغيبة الكبرى ص475 وما بعدها إلى عدة صفحات .
ومعه تكون كلتا النتيجتين اللتين سمعناهما من الأخبار ، طبيعية وواضحة . فموقف المهدي (ع) من السفياني سوف لن يكون إلا الشجب والإستنكار ، في حدود المقدار الممكن له حال غيبته ...الأمر الذي يولد رد الفعل لدى السفياني بإرسال الجيش وتهديده بالقتل .وأما موقف النفس الزكية فواضح من خطبته ، وإن هو إلا صورة أخرى من صور الشجب والإستنكار ؟ ، وسيكون رد الفعل هو قتله من داخل بيت الله الحرام . وستكون ردود الفعل هذه متطرفة إلى درجة إهدارها للأحكام الضرورية في الدين ، الأمر الذي يكشف عن تمخض التخطيط والتمحيص الإلهيين عن نتائجهما المطلوبة ....فيكون موعد اليوم الموعود قد تحقق. الإعتراض الرابع :أنه قد يخطر في الذهن :أن المستفاد من سباق الأخبار ، أن سبب الظهور هو إثارة غضب المهدي (ع) من الحادثتين المشار إليهما ، وهذا غيرصحيح ، بعد أن قامت الضرورة القطعية لدى كل مؤمن بالمهدي كونه مذخوراً لإصلاح العالم برمته ،وأنه ممن لا تهمه مصالحه الشخصية على الإطلاق .فكيف يصح أن يكون ظهوره ثأراً لهاتين الحادثتين ؟!!. والجواب على ذلك واضح مما سبق ،وواضح في ضمير كل مؤمن بعد وجود الضرورة القطعية المشار إليها . إن هاتين الحادثتين ستغضبان الله تعالى ، لا المهدي وحده ...بما يستنبطان من إهدار لضروريات الدين . ولكن الظهور سوف لن يكون ثأراً لأي منهما ...فإن مهمة المهدي (ع) الموعود أوسع وأعمق من هذا المجال الضيق ، بالرغم من أهميته .كلما في الأمر أن ظهوره سيكون قريباً منهما زماناً ، باعتبار تحقق شرائط الظهور .وليس لهاتين الحادثتين من صلة بالظهور إلا ما قلناه من الكشف عن تحقق الشرائط ، إلى جانب جعلها علامة عليه في الأخبار ...الأمر الذي ينبه المخلصين الممحصين إلى قرب الظهور . وهذا في واقعه ، يمثل إحدى الفروق الجوهرية بين شرائط الظهور وعلاماته ، تلك الفروق التي أنهيناها في التاريخ السابق(1) إلى سبعة . الناحية الرابعة : في محاولة تمحيص تلك الأخبار التي ذكرناها في الناحية الأولى ، من حيث قابليتها للإثبات التاريخي وعدمه . وفي هذا الصدد نواجه عدة نقاط : النقطة الأولى : أنها روايات قليلة وغير مستفيضة ، بخلاف ما جاء في السفياني أو الدجال، فإنه كثير، منها ما ذكرناه ومنها ما تركناه .
ـــــــــــــــــ (1) انظر ص470 وما بعدها إلى عدة صفحات
|
||||
|
|||||