القسم الأول

في إرهاصات الظهور  ومقدماته

بما فيها من أسس عامة وظواهر خاصة .

وفيه بابان :

 

الباب الأول

في الاسس العامة لظهور المهدي (ع)

ونعني بها القضايا الرئيسية التي يبتني عليها اليوم الموعد ، بما يحتويه من ظهور المهدي (ع) ودولته العالمية العادلة . ويتكون هذا الباب من عدة فصول :


الفصل الأول

ارتباط الظهور بالتخطيط الإلهي العام

 

يكون التخطيط الإلهي العام المنتج لشرائط الظهور، قد انتهى ، وتكلل بنتيجه الكبرى ، وهو حصول اليوم الموعد .

وحاصل الفكرة التي فصلناها في التاريخ السابق(1) : اننا انطلاقاً من قوله تعالى : ( وما خلقتُ الجن وَالإنسَ إلا ليَعْبُدُون)(2) نفهم : ان الغرض الإلهي الاسمى من ايجاد الخليقة . وامدادها بالادراك والاختيار ، هو التوصل بها إلى الكمال ، وهو تمحيض العبادة الحقيقة لله تعالى ، والغرض الإلهي لا يمكن ان يتختلف .

وقد ذكرنا هناك معنى العبادة الحقيقية(3) ... وبرهنا(4) على ان وجود هذا الهدف يتوفق على عدة شرائط ، هي كما يلي :

أولاً : وجود الاطروحة العادلة الكاملة المبلغة إلى البشر من قبل الله تعالى. لتكون هي القانون السائد في المجتمع .

ثانياً : وجود القيادة الحكيمة التي يقوم بتطبيق تلك الاطروحة في اليوم الموعود .

ثالثاً : وجود العدد الكافي من المخلصين المؤازرين للقائد بتطبيقه العالمي المنشود .

أما الشرط الأول : فقد خطط الله تعالى لا يجاده وتربية البشرية عليه . ضمن خط الانبياء الطويل ، حتى تكلل هذا التخطيط بالنجاح بانجاز هذا الشرط ضمن الاطروحة الاسلامية المبلغة من قبل خاتم الانبياء (ع) .
 

صفحة (33)
ــــــــــــــــــ

(1) انظر تاريخ الغيبة الكبرى ص 233 وما بعدها الى عدة صفحات. (2) الذاريات:51/65. (3) تأريخ الغيبة الكبرى ص234

(4) المصدر 476 وما بعدها.


وقد سبق هناك ان برهنا ان الاطروحة العادلة الكاملة هي الاسلام(1) .

وأما الشرط الثاني : فقد وفره الله تعالى في المهدي (ع) كقائد امثل للبشرية ليكون هو المطبق لتلك الاطروحة الكاملة في اليوم الموعود . .  . واكد على بقائه الطويل خلال اجيال عديده من البشر . ذلك البقاء الذي سنرى في الفصل الآتي ، كونه ضرورياً لتولية القيادة المألولة في اليوم الموعود ، وقد اعطينا طرفا ً مختصراً عن ذلك في التاريخ السابق(2) .

وأما الشرط الثالث : فقد خطط الله تعالى لايجاده بعد الاسلام . فإن تربية الفرد على تفهم وتطبيق مناهج سابقة غير الاطروحة العادلة الكاملة . والتي سبق(3) ان برهنا على مرحليتها وضيق مضمونها باعتبار ان الذهن البشري لم يكن قابلاً لأكثر من ذلك . ان التربية على تفهم وتطبيق هذه المناهج مما لا يكون مجديا ً في تحقيق  العدل في اليوم الموعود .

وانما لا بد من تربية الامة الاسلامية على الاطروحة الكاملة نفسها . من حيث تفهمها واستيعاب مضمونها ـ من ناحية ـ والكفاءة لتطبيقها واطاعة مواد قانونها من ناحية ثانية . . . ليكون اللافذاذ الممحصين من هذه الامة شرف المشاركة في انجاز اليوم الموعود ، وتوطيد دعائم الدولة العالمية العادلة .

ومن هنا كان لا بد ان تمر الامة الاسلامية بخط طويل من التربية ، وبظروف معينة من الامتحان والتمحيص ، من الناحيتين الفكرية والعاطفية .

أما من الناحية الفكرية ، فتتربى الامة ، وبشكل غير مباشر كل البشرية . بما يقدمه لها المفكرون الاسلاميون من بحوث وتدقيقات لدينهم الحنيف ، لكي تكون الأمة ، ومن ثم : البشرية كلها ، على مستوى تفهم الافكار والتشريعات الجديدة التي تعلن في اليوم الموعود .

وأما التربية من الناحية العاطفية ، أي من جهة تعميق الايمان والاخلاص فالاسلوب الرئيسي لذلك : هو ان تمر الامة بظروف  صعبة من الظلم والمصاعب والانحراف ، ويكون رد فعلهم تجاه هذا الظلم والانحراف ، ويكون لدى النخبة الصالحة منها من الاخلاص والايمان وقوة الارادة ، بحيث يكون رد فعلهم تجاه هذا الظلم والانحراف رد فعل مخلص متضمن للتطبيق الكامل للاطروحة الكاملة ، او الإطاعة التامة للاسلام .

 

صفحة (34)
ــــــــــــــــــ

(1) المصدر ص 261. (2) المصدر ص 501 وما بعدها. (3) المصدر ص 255 وما بعدها و ص 258 وما بعدها.

 

وتستمر التربية جيلا بعد جيل على هذا الاساس ، يتزايد خلالها هؤلاء الخلصون ، كما يتطرف العديدون إلى جانب الظلم والانحراف ، حتى يأتي اليوم الذي يتوفر العدد الكافي من هؤلاء المخلصين لقيادة اليوم الموعود وتنفيذه . وعندئذ يكون الوعد الإلهي ضروري التطبيق . بعد توفر شرائطة الثلاثة .

ومعه نستطيع ان نفهم بكل وضوح ، مدى ارتباط يوم الظهور الموعود بالتخطيط العام للبشرية ، فانه في الحقيقة هو اليوم الذي يتحقق فيه السبب الرئيسي لايجاد العبادة الكاملة لله تعالى في خلقة . . . وبايجاده يتحقق الهدف الاسمى لخلق البشرية ككل .

إذاً فيوم الظهور ، ليس يوماً ولا عرضاً عارضاً ، ولا ظاهرة موقتة ، وانما هو النتيجة الطبيعة المقصودة لله عز وجل من خلقة . وعلى طريقة كانت جهود الانبياء والأولياء والشهداء . اولئك الاعاظم الذين لم تتكمل جهودهم بالنتيجة الاساسية المأمولة في عصورهم ، بل بقيت مذخورة ومخططة لليوم الموعود .

 وعلى طريقة كانت تضحيات البشر والآمهم ، وما قاسوه من المصاعب والمصائب على مر التاريخ . وما مروا فيه من ظروف الظلم والعسف والنحراف . فهو غياث المستغيثين وامل الآملين ورافع كرب المكربين وظلم المظلومين ، ومحقق العدل العظيم .

وسيأتي فيما يلي من البحث، المزيد من التفضيل والايضاح لهذه الفكرة .
 

صفحة (35)