الفصل الثاني
 

في نتائج الغيبة الكبرى على ما بعد الظهور

بالنسبة إلى كل من الإمام المهدي (ع) نفسه ،
وبالنسبة إلى أصحابه وخاصته ،

وإلى الامة الإسلامية بشكل عام ، بل إلى البشر أجمعين
 

 تنقسم الغيبة الكبرى في مفهومها الضخم الذي حققناه في التاريخ السابق غلى ثلاثة مداليل :

المدلول الأول : تأجيل اليوم الموعود إلى امد بعيد ، وإلى موعد مجهول .

المدلول الثاني : طول عمر الامام القائد المذخور للمهمة ، ومعاصرة العالمية في اليوم الموعود . . . كما يقتضية الفهم الامامي للمهدوية ، معاصرة هذا القائد لتاريخ طويل واجيال كثيرة للامة الاسلامية .

المدلول الثالث : غيبة هذا القائد خلال ذلك ، وعدم اطلاع الناس على شخصه، ومكانه واسلوب حياته . . . بالمعنى الذي ذكرناه من الغيبة في التاريخ السابق(1). ولكل من هذه المداليل تأثيره الحقيقي الفعال في اليوم الموعود .

أما المدلول الأول : فهو مدلول ثابت ومنتج سواء على الفهم الامامي للمهدي او على الفهم الآخر . لان قضية التأجيل امر واضح للمسلمين عموماً من صدر الاسلام وإلى المستقبل .  .  . لا يختلف الحال فيه بين ان يكون القائد المهدي (ع) موجوداً خلال هذا الاجل الطويل او لم يكن ، او غائباً او ليس بغائب .


صفحة (37)
ــــــــــــــــــ

(1) أنظر تأريخ الغيبة الكبرى ص34


 

ولهذا المدلول ، اعني التأجيل الطويل ، فوائد المهمة وآثارة العميقة على اليوم الموعود والدولة العالمية، من عدة نواحٍ :

الناحية الأولى : مرور الامة الاسلامية بظروف التمحيص والاختيار . التي توضح حقيقة افرادها وتكشف عن ايمان المؤمنين فيها . وتجعلها على طريق  تعميق الاخلاص والوعي .

الناحية الثانية : ان ظروف التمحيص الطويل تنتج العدد الكافي من الافراد المخلصين الكاملين لغزو العالم بالعدل ، الذين يكون لهم شرف القيادة في اليوم الموعود . الأمر الذي عرفنا اهميته في التاريخ السابق مفصلاً.

الناحية الثالثة : ان هذه المدة الطويلة كفيلة باكمال تربية الاجيال من الناحية الفكرية والعاطفية او - بتعبير آخر : على فهم الاطروحة العادلة الكاملة ، أولاً ، والتدرب على اطاعتها والتضحية في سبيلها .

وقد سبق ان عرفنا في تاريخ الغيبة الكبرى فكرة مفصلة عن ذلك ـ وهذه التربية لا تختص بخصوص الممحصين الكاملين ، بل هي عامة تشمل سائر الأفراد على مختلف المستويات ، كما برهنا ، وهي تؤثر في الامة من زاوية جعلها على مستوى فهم القوانين والافكار والمفاهيم التي تعلن في الدولة العالمية والتي يكون اعلانها ضرورياً لاستتباب العدل الكامل في الارض .

وهذه النواحي الثلاث ، كما قلنا ، لا ترتبط بوجود الامام الغائب ، بل يمكن تصور انتاجها لفوائدها بدون الايمان بذلك ، طبقاً للتصور غير الامامي للمهدي  . . . حتى ما إذا علم الله تعالى إكماله للنتيجة بحسب ما هو المقصود في تخطيطه الطويل ، اوجد الامام المهدي في عصره ، فأخذ بقيادة الامة الاسلامية والبشرية إلى شاطئ العدل والسلام .

الا ان هذا مما لا ينبغي المبالغة في نتيجته ، وان كان صحيحاً على أي حال ...وذلك بعد ان نلتفت إلى مجموعة امرين :

الامر الأول : ما تسالمت عليه مذاهب المسلمين على اختلافها ، من ان الحق منحصر في مذهب واحد على الاجمال ، وام المذاهب الاسلامية الاخرى بعيدة عن واقع الاسلام بقليل او بكثير غاية الامر ان كل مذهب يدعي هذه المزية لنفسه .

الأمر الثاني : ان التمحيص الإلهي الضروري لايجاد اليوم الموعود ، لا يكون الا على الحق ، والتجارب والمحن لا تنطلق الا من طاعته والاخلاص له . واما المذهب او المذاهب التي يكون في واقعها بعيدة عن الاسلام ، فالتربية على اساسها والتدريب على طاعتها تدريب على الباطل وان اتخذ صفة الاسلام .


صفحة (38)
 

اذاً ، فالتمحيص  ينحصر في المذهب الواحد الحق المطابق للاسلام والمرضي لله تعالى من المذاهب المتعددة في الاسلام ، وهو  ـ على اجماله ـ الذي يقوم فيه المخلصون الكاملون بقيادة البشرية بين يدي الامام المهدي في اليوم الوعود .

ومعه ، فالفوائد المبينه على أساس المدلول الأول والناتجة عنه ، لا تترتب الا على ذلك المذهب الحق ، ولا يمكن ان يترتب على مجموع مذاهب المسلمين .

وأما المدلول الثاني : وهو عمر الامام المهدي (ع) ومعاصرته لتاريخ طويل للامة الاسلامية خاصة وللبشرية عامة . . . فما يترتب عليه من الفوائد يختص بالفهم الامامي للمهدي (ع) ولا يعم فهم المذاهب الاخرى له . فإذا عرفنا ما لهذا المدلول من فوائد في تكميل وترسيخ العدل في عصر الظهور ، امكننا ان نعرف افضلية التصور الامامي على غيره من هذه الجهة . وان الله تعالى حين يريد افضل اشكال العدل للدولة العالمية ، فهو يختار التخطيط للغيبة . وبذلك نستكشف صحة التصور الامامي وتعين الاخذ به في التخطيط الإلهي .

وقد بحثنا ذلك في التاريخ السابق(1) طبقاً لمنهج معين ، ونريد ان نبحثه الآن طبقا لمنهج آخر ، قد يكون اكثر تحليلاً :

وخلاصة القول في ذلك : ان الاطروحة الامامية لفهم المهدي (ع) في حدودها الصحيحة المبرهنه التي عرضناها في التاريخ السابق : تتضمن ـ في حدود المدلول الثاني الذي نحن بصدده ـ عدة خصائص مهمة .

الخصيصة الاولى : الايمان بعصمة الامام المهدي (ع) ، باهتباره الثاني عشر من الائمة المعصومين.

الخصيصة الثانية : الايمان بكونه القائد الشرعي الوحيد للعالم عامة ولقواعده الشعبية خاصة ، طيلة زمان وجوده ، سواء كان غائباً أو حاضراً .

الخصيصة الثالثة : معاصرته لاجيال متطاولة من الامة الاسلامية خاصة والبشرية عامة .

الخصيصة الرابعة : كونه على مستوى الاطلاع على الاحداث يوماً فيوماً وعاماً فعاماً عارفاً باسبابها ونتائجها وخصائصها .

 

صفحة (39)

ــــــــــــــــــ

(1) أنظر : التخطيط الخاص بايجاد القائد ص497 وما بعدها.
 

الخصيصة الخامسة :  كونه على ارتباط مباشر بالناس خلال غيبتة ، يراهم ويرونه ويتفاعل معهم ويتفاعلون معه ، لا انهم لا يعرفون بحقيقة الا نادراً جداً ، وذلك طبقاً لـ ( اطروحة خفاء العنوان ) التي اخترناها وبرهنا عليها في تاريخ الغيبة الكبرى(1) .

وكل هذ الخصائص مما يفقدها الفهم غير الامامي للمهدي ، بكل وضوح . وانما المهدي  بحسب تلك الاطروحة شخص يولد في زمانه ، وييسر له الله عز وجل ظروف الثورة العالمية . فهل هذا العمل الكبير ممكن التنفيذ من قبل شخص غير معصوم ، احسن ما فيه انه يمثل ثقافة عصره ودرجة وعيه من الناحية الاسلامية ؟ ! .. 

الحق ، اننا ينبغي ان نذعن بان مثل هذا الانسان ، لا يمكن ان يؤهل للقيادة العالمية بأي حال ، وان خصائص المهدي في التصور الامامي ليست بالخصائص الطارئة أو الثانوية ، وانما هي اساسية في تكوين قيادته وتمكنه من تحقيق المجتمع العادل ، كما أراده الله تعالى وكما وعد به .

أما الخصيصة الأولى : وهي عصمة الامام المهدي (ع) فتترتب عليها عدة فوائد ، يمكن ان نشير إلى اربعة منها :

الفائدة الأولى : كونه وارثاً علم الامامة المتضمن للاسس الرئيسية للفكر القيادي العالمي . . . عن آبائه المعصومين عن رسول الله (ص) عن الله عز وجل . وأنى لمن يوجد في العصور المتأخرة الحصول على ذلك، الا بوحي جديد من الله عز وجل، وهو ما حصل الاجماع من قبل سائر المسلمين على عدم حصوله للمهدي(ع).

ولا يخفى ما في الاطلاع على هذه الاسس الرئيسية من زيادة في القدرة على القيادة العالمية ، ان لم تكن ـ في واقعهاـ الطريق الرئيسي الوحيد لذلك وتعذر القيادة العالمية بدونها ، وكلما تعين شيء  للقيادة العالمية او كان افضل لها . كان الله تعالى من منجزاً له لا محالة ، لكونه واقعا في طريق الهدف البشري الأعلى ، وكون اختيار عكسه ظلم للبشرية وموجب لتخلف الهدف وكلاهما محال على الله عز وجل ؟

الفائدة الثانية : الشعور بالابوة للبشر اجمعين ، فهو حين يحارب الكافرين والمنحرفين ويقتل العاصين ، لا يشعر تجاههم بحقد او ضغينة وانما يحاربهم من اجل مصالحهم انفسهم ونشر العدل والسعادة في ربوعهم . وايصال الحق إلى اذهانهم .


صفحة (40)

ــــــــــــــــــ

(1) أنظر ص34 وما بعدها.