|
|||||
|
ولا نجد في هذه الأخبار تنافياً يذكر ، مع الأخبار السابقة والفهم العام الذي فهمناه عنها .فإن الجو العام لها واحد .فينبغي الآن قصر الكلام على الحوادث الزائدة التي تعرب عنها هذه الأخبار ، مما لم يكن موجوداً في الأخبار السابقة. ويكون فهمنا الآن تتمة للفهم العام السابق . إن مركز حكم السفياني سيكون هو العراق بعد انتقاله عن الشام ، ولن يوجب الجيش الذي تفشل مهمته في الحجاز ، انتقال مركز حكمه إلى هناك . ومن هنا سوف يواجه المهدي عند دخوله إلى العراق حكم السفياني بكل جبروته . غير أن السفياني – على ما يبدو – سوف يكره مناجزته القتال ، لأن ذلك سوف يثير ضده مشاكل لا تطاق .ومن هنا يدخل المهدي (ع) العراق سلماً ويمكث في الكوفة ما شاء الله له ذلك كزعيم شعبي ، حتى ما إذا اجتمع له من الرجال و السلاح ما يكفي للسيطرة على الحكم استطاع مواجهة السفياني بصراحة . وطبقاً للقواعد الإسلامية سيبدأ المهدي (ع) بعرض العقائد الإسلامية الحقة على السفياني ،فإن قبل بذلك وصار معه فهو ... وإلا ناجزه القتال . وطبقاً للإتجاه النفسي لدى السفياني لمجاملة المهدي (ع) ، سيعطي للمهدي ما يطلبه من الشهادة ،إلا أن بطانته سوف تحتج على ذلك وتشجب موقفه ، وتلزمه بأن يواجه المهدي (ع) مواجهة كاملة . ولعل هذا الإتجاه النفسي ، هو الذي يفسح المجال لتسرب كل المؤمنين المشتغلين في جيش السفياني إلى جيش المهدي (ع) ، وفي نفس الوقت يميل الفساق الفاشلين في التمحيص من سكان الكوفة قبل الظهور ، إلى الإلتحاق بجيش السفياني ، وهو يوم الإبدال .. أي تبادل الأصحاب .ويتم ذلك في الفترة الأولى قبل مناجزة القتال
صفحة (172) وإذ يخضع السفياني لإقتراح بطانته ، ينكمش ضد المهدي (ع) ويتحداه فينذره المهدي (ع) بالقتال ، فيضطر السفياني إلى الصمود ضده ، فتحدث المعركة بين المعسكرين ، ويكون الفوز للقائد المهدي ، وينتهي حكم السفياني ،ويؤخذ اسيراً ويقتله المهدي في الأسر. وبذلك تتم سيطرة المهدي على العراق . بل سوف تتم سيطرة المهدي (ع) على كل المنطقة التي عرفناها محكومة للسفياني ، وهي العراق والشام والأردن وفلسطين .ومن هنا سوف تنفتح الفرصة المؤاتية للغزو العالمي . كما سيأتي في القسم الثاني من الكتاب . الناحية السابعة : في محاولة إعطاء الفهم الرمزي عن السفياني ، مع الإلماع إلى علاقة السفياني بالدجال . ويحتاج الفهم الرمزي إلى شرطين أساسين ، لا يصح إلا من خلالهما ، فإن فقد أحد الشرطين ، فضلاً عنهما معاً ، كان الفهم الرمزي مما لا لزوم له . الشرط الأول : أن يكون العمل بظاهر الأخبارا متعذراً ، والفهم (الصريح) منها ممتنعاً ...باعتبار قيام القرائن على عدم صحته او اقتضاء القواعد العامة لنفيه . وهذا ما كنا نوجهه في مفهوم : الدجال أو مفهوم يأجوج ومأجوج .من حيث أن ظاهر الأخبار نسبة الخوارق والمعجزات إلى المنتسبين إلى الباطل، وهو مستحيل ، هو يعطي لهذين المفهومين صورة مخالفة للبشر الإعتياديين ومما يوثق بعد صدقه . فيكون ذلك سببا ً للإنطلاق إلى الفهم الرمزي الذي يذلل هذه المصاعب ، مع أخذ الشرط الثاني بنظر الإعتبار . الشرط الثاني : أن يكون الفهم الرمزي أقرب ما يمكن إلى الظواهر ، معطياً صورة شاملة ومتكاملة ومتساندة لمجموع الظواهر والمفاهيم الواردة في الأخبار ... بحيث لا يند عن ذلك إلا الخبر الشاذ غير القابل للإثبات التاريخي أساساً . وهذا ما حاولنا تطبيقه في فهمنا الرمزي لمفهوم الدجال ومفهوم يأجوج ومأجوج . غير أن مفهوم : السفياني فاقد للشرط الأول . إذ من الواضح بعد استعراض الأخبار السابقة وغيرها مما ورد في السفياني ، أنها خالية من أية معجزات وخوارق منسوبة إليه أو إلى غيره من المبطلين . بل هي تخلو من أية معجزة سوى الخسف بالبيداء الذي يحدث دفاعاً عن الحق لا عن الباطل ،وقد عرفنا مبرره الكامل فيما سبق . كما أن هذه الأخبار تعرض البشر على حالهم فيعصر التمحيص والفتن ، فهناك الآراء المتعارضة والجيوش المتحاربة والحكام الظالمون ، والقلة المدافعة عن الحق .وكل هذه الأمور صفات أساسية للمجتمع المعاصر. وبالتالي فهي لا تعطي صورة مخالفة للبشر الإعتياديين ليكون الوثوق بعدم صدقها موجوداً. ليكون ذلك منطلقاً إلى الفهم الرمزي .
صفحة (173) إذاً ، فالفهم الرمزي الكامل مما لا لزوم له .وإنما الشيء الممكن هو ملاحظة الخصائص والصفات حول هذا المفهوم ، وإسقاط ما يمكن إسقاطه منها . فإذا اسقطناها جميعاً أو الأعم الأغلب منها ، كان (الفهم) الذي ذكرناه في التاريخ السابق(1) صحيحاً وهو ان السفياني يمثل خط الإنحراف داخل المعسكر الإسلامي ككل ، فتندرج تحته كل الحركات والعقائد التي تدعي الإنتساب إلى الإسلام ، مما كان (بعد زوال الدولة العباسية) أو يكون إلى يوم الظهور الموعود .وأما إذا أخذنا عدداً من الصفات بنظر الإعتبار ، مما تسالمت الروايات على صحته ، فإن هذا المفهوم الواسع سوف يضيق، وسوف ينحصر في تطبيق واحد من تطبيقاته ، فإنني أود أن أقول : أن مفهوم السفياني يعبر عن آخر حكم منحرف للمنطقة قبل ظهور المهدي (ع) ويمكننا أن نصف هذا الحكم مما ثبت له من الصفات ، كدخول سوريا والعراق تحت حكم واحد أو متشابه ، وحقده على أهل الحق ، وإرساله الجيش ضد المهدي ( أو ضد جماعة من أهل الحق المخلصين يكون المهدي (ع) موجوداً فيهم بعنوان آخر غير حقيقته) ، وحدوث الخسف على هذا الجيش.
وأما الصفات الأخرى ، كتسميته بعثمان بن عنبسة ، وخروجه من الوادي اليابس ،وصفات
جسمه وسيطرته على الأردن وفلسطين ، وتفاصيل مواقفه العسكرية ، فهي مما ينبغي
اسقاطها تحت وطأة الفهم الرمزي ، وإيكال علمها إلى أهله .وإن كان الوارد من
الأخبار في بعض هذه الصفات صالح للإثبات التاريخي ، وإن لم يكن أكيداً . صفحة (174) ـــــــــــــــــ (1) انظر تاريخ الغيبة الكبرى ص647.
|
||||
|
|||||