|
|||||
|
وحين يستتب له الأمر يطمع بالسيطرة على العراق ، ويفكر في غزوها عسكرياً ، فيوجه إليها جيشاً يكون هو قائده .فيلتقي في طريقه جيش أرسله حكام العراق من أجل دفعه ، فيقتتل الجيشان في منطقة تسمى بقرقيسيا(1) ويكون قتالهم ضارباً ، يقتل فيه من الجبارين حوالي مئة ألف .والجبار العنيد هو كل حاكم منحرف ... وهو كناية عن أن كل من يقتل يومئذ من أي الجشين هو من الفاسقين المنحرفين .وبذلك تتخلص المنطقة من أهم القواد العسكريين الذين يحتمل أن يجابهوا المهدي (ع) عند ظهوره . وعلى أي حال ، فالنصر سوف يكون للسفياني أيضاً ، فيدخل العراق ، ويضطر إلى منازلة (اليماني) في ارض الجزيرة(2) فيسيطر عليه أيضا ويحوز من جيش اليماني ما كان قد جمعه من المنطقة خلال عملياته العسكرية . ثم يسير إلى الكوفة ، فيمعن فيها قتلاً وصلباً وسبياً ... ويقتل أعوان آل محمد (ص) ورجلاً من مسميهم يعني المحبوسين عليهم .وقد سمعت ما في أحد الأخبار من أنه ينادي مناديه في الكوفة : من جاء برأس من شيعة علي ، فله ألف درهم ، فيثب الجار على جاره ،وهما على مذهبين مختلفين في الإسلام ، ويقول : هذا منهم ، فيضرب عنقه ، ويسلم رأسه إلى سلطات السفياني ، فيأخذ منها ألف درهم . ولا تستطيع حركة ضعيفة وتمرد صغير يحدث في الكوفة من قبل مؤيدي اتجاه أهلها ... لا تستطيع التخلص من سلطة السفياني ، بل سوف يفشل وسيتمكن السفياني من قتل قائد الحركة بين الحيرة والكوفة ، وكأنه يكون قد انهزم بعد فشل حركته ، فيلقي السفياني عليه القبض في الطريق فيقتله . وفي بعض الأخبار أنه تراق بين الحيرة والكوفة دماء كثيرة ،وهو إشارة إلى هذه الحادثة ... فيها الدلالة على أن لقائد الحركة مركزاً مهماً هناك ، لن يستطيع السفياني السيطرة عليه بسهولة .
ـــــــــــــــــ
(2) وهي أرض ما بين النهرين في العراق . وحين يستتب له الأمر في العراق أيضاً ، يطمع في غزو الأراضي المقدسة في الحجاز .فيرسل جيشاً ضخماً إلى المدينة لإحتلالها .وظاهر اغلب الأخبار أن السفياني نفسه ليس فيه . فيسير هذا الجيش بعدته وسلاحه متوجهاً نحو المدينة المنورة : ويكون الإمام المهدي ( ع) يومئذ في المدينة . فيهرب منها إلى مكة فيعرف السفياني ذلك عن طريق استخباراته ، فيرسل جيشاً في أثره متوجهاً نحو مكة . محاولاً قتله والإجهاز عليه وعلى أصحابه ،وظاهر سياق الأخبار أن الجيش المتوجه إلى مكة هو جزء من الجيش الذي كان متوجهاً إلى المدينة المنورة . إلا أن مكة حرم آمن بنص القرآن الكريم ، لايمكن أن يخاف فيه المستجير كما أن الإمام المهدي (ع) قائد مذخور لليوم الموعود وهداية العالم . لايمكن أن يقتل .ولا بد من حمايته ... ومن هنا تقتضي الضرورة إفناء هذا الجيش ، والقضاء عليه بفعل إعجازي إلهي ، فيخسف به في البيداء .ولا ينجو منه إلا نفر قليل: اثنين أو ثلاثة . يخبرون الناس عما حصل لرفاقهم . إلا أن ذلك لا يعني الكفكفة من غلواء السفياني ، بعد أن ملك سوريا والعراق والأردن وفلسطين ومنطقة واسعة من شبه الجزيرة العربية ، وهدد الإمام المهدي وحاربه ... بل سيبقى حكمه ريثما يظهر المهدي (ع) بعد الخسف بقليل ويرد جيشه إلى العراق ، ويناجزه القتال فسيطر عليه ويقتله ، كما سنذكر . هذا وقد اعتبرنا في هذا الفهم لتسلسل الحوادث ، أن كل ما ورد في شيء من الأخبار من دون أن يكون له ناف أو معارض في خبر آخر ، فهو ثابت .وهذا صحيح في سائر الأخبار ، غير الخبرين اللذين عرفنا ورودهما من غير المعصومين (ع) ووهما من نقاط الضعف في هذا الفهم . كما أنها قد تواجه نقاط ضعف أخرى ، ينبغي عرضها ونقدها : النقطة الأولى : أنه قد يخطر في الذهن : أن هذه التحركات العسكرية وما رافقها من الملابسات ، صيغت على غرار تحركات الجيوش القديمة التي كانت تحارب خلال العصر العباسي – مثلاً - حيث لا يوجد قانون دولي ولا أمم متحدة ولا حدود معترف بها . وأما بعد أن تقدمت الحضارة وأسست هذه الأسس فمن غير المحتمل أن تحدث مثل هذه التحركات .
صفحة (167) ويمكن عرض عدة أجوبة على هذه الأجوبة على النقطة ، نذكر منها جوابين : الجواب الأول: أن قيمة القانون وما يستتبعه من الإعتراف بالأمم المتحدة والحدود الآمنة المعترف بها ، إنما تنطلق من المصلحة الخاصة ليس إلا ، لأن الفرد أو الدولة إذا تنازلت عن شيء من المصلحة أمكن تبادل هذا التنازل مع الآخرين ، وبذلك تنحفظ مصالح خاصة أهم وأشمل . وأما في الوقت الذي حرز الفرد أو الحاكم إمكان سيطرته على الآخرين وحصوله على الربح مع إحراز دفع الضرر عن نفسه ، فسيكون هو وبنود القانون على طرفي نقيض . ومن هنا لم يكن وجود القانون ولا الأمم المتحدة ، ولا محكمة العدل الدولية مانعاً عن أنواع الإعتداءات وأشكال الغزو والسيطرة على الشعوب الضعيفة من قبل مختلف الأنظمة ، كما نشاهده باستمرار .وليست حركة السفياني بأفضل من أي واحد من هذه الإعتداءات . الجواب الثاني : أنه من المحتمل – على الأقل – أن تكون تحركات السفيناي ذات طابع ( قانوني) مشروع في حدود الفهم الحديث لهذه المشروعية ، كما لو كانت نتيجة لإتفاقيات بين الدول أو إتحاد في شكل الأنظمة فيما بينها .أو إعلان شكل من الإتحاد بين اثنين أو أكثرمنها . وغير ذلك مما لا حاجة إلى الدخول في الحديث عن تطبيقاته في عالم اليوم . وبهذا يرتفع الإشكال الذي قد يرد إلى الذهن ، من حيث أن ظاهر الأخبار عدم وجود أية مقاومة ضد جيش السفياني حين يدخل الحجاز ... فإن ذلك يكون نتيجة لإتفاقات معينة ، أو لضعف الحكم القائم هناك يومئذ تجاه الجيش المحتل ضعفاً شديداً . النقطة الثانية : إن ظاهر بعض الأخبار التي سمعناها ، كون الإمام المهدي (ع) قبل ظهوره معروفاً للسفياني، ويبدو أن الهدف الرئيسي للجيش الذاهب إلى الحجاز هو قتل المهدي (ع) ،ومن هنا يخاف (ع) ويهرب من المدينة إلى مكة على سنة موسى بن عمران (ع) حين هرب إلى مدين ... ويكون الخسف بالجيش إنقاذاً له. ويفهم السفياني بهرب المهدي (ع) فيرسل خلفه جيشاً فيخسف به . وهذا – بظاهره – مناف لمسلك الغيبة الذي يتخذه الإمام (ع) إلى حين ظهوره ، وخاصة من الأعداء الذين يحتمل فيهم أن يقتلوه أو يشكلون خطراً عليه ولو انحصر الأمر بذلك ، وجب رفض دلالة الخبر للجزم بثبوت الغيبة قبل الظهور .
صفحة (168) |
||||
|
|||||