|
|||||
|
واما اسلوب موت هؤلاء ، فيمكن أن نطرح له أطروحتان : الأطروحة الأولى : موتهم عن طريق تفشي الأمراض والأوبئة فيهم ...كما هو الموافق مع ظاهر الأخبار ، على المستوى (الصريح) دون الرمزي ففي خبر مسلم :فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم .وفي خبر ابن ماجة : فبينما هم كذلك ، إذ بعث الله دواب كنغف الجراد ،فتأخذ بأعناقهم فيموتون كموت الجراد ، يركب بعضهم بعضاً . والنغف دود صغار يكون في الإبل ، وكل ما هو حقيرعند العرب فهو نغفة(1)، ومن هنا يكون الأرجح كونه تعبيراً عن مكنونات الأمراض (الميكروبات) .ومن هنا يكون الخبر نبوءة عن هلاك الماديين الجدد عن طريق الأوبئة الفتاكة أو الحرب الجرثومية ونحوها . الأطروحة الثانية :أن نفهم من الموت موت الكفرة الإنحراف ، لا موت الأبدان . وهي المهمة الكبرى التي يقوم بها المهدي والمسيح(ع) في العالم .ولئن كان الكفر قاتلاً للإيمان ،وهو أشد من موت الأبدان " والفتنة أكبر من القتل "(2) .فإن الإيمان قاتل للكفر ، وهو أفضل شكلي الحياة . وهذا هو الذي يفسر لنا ما يظهر من الأخبار السابقة ، من أن موتهم جميعاً يكون سريعاً وفي زمان متقارب جداً ، فإنه طبقاً – للأطروحة الثانية – نتيجة للجهود الكبيرة المركزة في السيطرة على العالم بالعدل وتربية البشرية بإتجاه الكمال . وهو – ايضاً – دليل على النجاح الفوري لتلك الجهود في اليوم الموعود . وستكون مخلفات الحضارة المادية كبيرة جداً من الناحية الصناعية والعلمية .وسيكون لذلك الأثر الكبير في دعم الدولة العاليمة العادلة ، وترسيخ جذور التربية في المجتمع البشري ." فما يكون لهم(3) رعي إلا لحومهم ، فتشكر عليها كأحسن ما شكرت على نبات قط "
صفحة (154) (1) راجع أقرب الموارد، مادة نغف . (2) البقرة : 2/217 وانظر ايضاً : 2/191 . (3) الضمير في العبارة راجع إلى المواشي ، والملحوظ أنه ضمير لمن يعقل ، ولو اراد الماشي على التعيين لقال : لها .ومن هنا يمكن أن نفهم التعميم
فلحومهم – طبقاً لهذه الطروحة – ومخلفاتهم (1)، ومن المعلوم أن المستوى التكتيكي الرفيع إذا اقترن بمستوى اجتماعي عادل وأنتج أضعافاً مضاعفة من النتائج ، مما إذا لم يقترن بالمستوى الإجتماعي العادل . ولم تنج البشرية ، ما بين الماديتين : البدائية والتقدمية !!!! من جذور وبذور وإرهاصات للتجدد والإشتعال، ومن هنا تأسف نبي الإسلام (ص) أسفاً شديداً ، لأنه قد " فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ، وعقد عشراً " . من حيث أن هذا الردم الإيماني قد بدأ بالتصدع مقدمة لوجود المادية التقدمية !!!... غير أن موقف المهدي والمسيح (ع) ، سيختلف عن موقف ذي القرنين ، فلئن اكتفى ذو القرنين ببناء السد ،مع الحفاظ على وجودهم إجمالاً ، طبقاً للتخطيط العام . فإن المهدي (ع) سيتخذ موقف الإستئصال التام لكل العقائد المنحرفة والكفر والضلال ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، " فيموتون موت الجراد ، يركب بعضهم بعضاً " . الناحية الثالثة : في الفرق بين يأجوج ومأجوج ، والدجال . فإنه قد يرد إلى الذهن :أننا بعد أن فسرنا الدجال بالحضارة المادية ، كيف صح لنا أن نفسر يأجوج ومأجوج بنفس التفسير ،وهل يمكن أن نعترف أنهما تعبيران عن حقيقة واحدة ، مع العلم أن تعدد الأسماء والعناويين دليل على تعدد الحقائق . ويمكن أن يجاب ذلك بعدة أجوبة ’ يصلح كل منها تفسيراً كاملاً للموقف : الجواب الأول :إن مفهوم (الدجال) ناظرا إلى الحضارة المادية ككل ، ومستوعب لها على نحو المجموع .وأما مفهوم ( يأجوج ومأجوج) فيقسم تلك الحضارة إلى قسمين متميزين . فإنه بالرغم من أن للحضارة المادية ككل مميزاتها وخصائصها التي تفصلها عن الإتجاه الآخر بميزاته وخصائصه ،ولها فروقها عن الحضارة الإسلامية والمفاهيم الدينية الإلهية . وهذه الحضارة المادية المنظر إليها بهذا الشكل ، هي التي تمثل مفهوم الدجال .
(1) وأوضح في الإستفادة من المخلفات ما أخرجه ابن ماجة (ج2ص1359 ) : قال رسول الله (ص) : سيوقد المسلمون من قسي يأجوج ومأجوج ونشابهم وأترستهم سبع سنين .أقول : ذلك النشاب الذي سمعنا أنهم يرسلونها إلى السماء .
.... بالرغم من ذلك ، فإن للحضارة المادية انقساماتها الداخلية التي تجعلها في معرض الصراع الداخلي ، الذي يكون في الأعم الأغلب عنيفاً وعميقاً. وهذا الإنقسام هو المعبر عنه بمفهوم (يأجوج) مرة ومفهوم (مأجوج) أخرى . وهذا الإنقسام لبس حديثاً ، بل هو قديم قدم المادية نفسها .فالمادية البدائية كانت منقسمة ،وكان انقسامها مشوباً بالشعور القبلي .والمادية (التقدمية) منقسمة ، ولكن انقسامها ايدولوجي ومصلحي معاً. الجواب الثاني: إن مفهوم الدجال يمثل المادية الحديثة ... ولذا لم ينقل عنه قبل الإسلام أي وجود .وإنما بدأت إرهاصاته –حسب إفادات الأخبار التي عرفناها في التاريخ السابق (1)- أي بعد بدء الإسلام ،وكان وجوده الكامل متأخراً عنه بألف عام . وأما مفهوم (يأجوج ومأجوج) فهو يمثل الخط المادي بتاريخه الطويل .ولذا كان له وجود بدائي ووجود حديث. ولم يخل التاريخ المتوسط بينهما من التأثيرات والإرهاصات . وهذا يعني أن الوجود الحديث ليأجوج ومأجوج ، هو الدجال نفسه ، وليس شيئاً آخر . الجواب الثالث : إن مفهوم يأجوج وماجوج ، يعني الحضارتين الماديتين بوجودهما الأصيل .وأما عنوان الدجال فلا يعني ذلك بالضبط ، وإنما النظر فيه إلى نقطة تأثر المسلمين بتلك الحضارة المادية .فالدجال يعبر عن عملاء تلك الحضارة في البلاد الإسلامية ،وهم متصفون بنفس أوصافهم ومتخذون نفس منهجهم في الحياة .... وكثيراً ما مارسوا الحكم وزرعوا الشبهات ،وحاولوا فك المسلمين عن دينهم وإبعادهم عن طريق ربهم . ويؤيد ذلك اتخاذ مفهوم الدجال ، الدال على انه مسلم بالأصل ، ولكنه أصبح كافراً ومنحرفاً ، يدعو الناس إلى الكفر والإنحراف ، وقد ينطلق في إثبات أفكاره في الأذهان عن طريق الخداع والتمويه ، بإستعمال المفاهيم الإسلامية بشكل مشوه ومستغل للمنافع الشخصية والنتائج الباطلة . كما يدل عليه الحديث الذي أخرجه أبو داود (1)، قال : قال رسول الله (ص) : من سمع الدجال فلينأ عنه ، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن ، فيتبعه مما يبعث به من الشبهات .
(1) انظر ص644 . (2) انظر السنن ج2ص431
|
||||
|
|||||