|
|||||
|
وهناك اجوبة أخرى محتملة للجواب على الأسؤال الذي ذكرناه في هذه الناحية ، لا حاجة إلى سردها . وللقارىء أن يختار أياً من هذه الوجوه الثلاثة شاء ....فإن أياً منها كاف في تصحيح تفسيرنا للدجال وليأجوج ومأجوج معاً . الناحية الرابعة : طبقاً للأطروحة التي فهمناها عن يأجوج ومأجوج . فإن انتشارهما من ردمهما سيكون قبل عصر الظهور .وسيظهر المهدي (ع) وينزل المسيح عيسى بن مريم ، وهم حلبة العالم ، فيتم القضاء عليهم تماماً .دال على تأخر انتشارهما عن عصر الظهور . منها : ما أخرجه الحاكم في المستدرك(1) في حديث يتحدث فيه عن نزول المسيح وسيطرة المسلمين وقتلهم لليهود ، ويقول : يظهر المسلمون فيكسرون الصليب ويقتلون الخنزير ويضعون الجزية .فبينما هم كذلك ، أخرج الله أهل يأجوج ومأجوج .... الحديث . فإذا عرفنا أن نزول المسيح وكسر الصليب وقتل الخنزير تعبير آخر عن قيام الدولة العالمية المهدوية العادلة.... كان الحديث دالاً على خروج يأجوج ومأجوج بعد تأسيس هذه الدولة . ومنها ما أخرجه مسلم(2) ورويناه في التاريخ السابق(3) في حديث يذكر فيه حادثة نزول المسيح ثم يقول : فبينما هو كذلك ، إذ أوحى الله إلى عيسى أني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم ، فحرز عبادي إلى الطور .ويبعث الله يأجوج ومأجوج ، وهم من كل حدب ينسلون ... الحديث . فإذا استطعنا أن نبرهن – كما سيأتي – على تأخر نزول المسيح (ع) عن ظهور المهدي (ع) ،وكان انتشار يأجوج ومأجوج بعد نزول المسيح – كما قال الخبر – إذاً ، فسيكون انتشارهم بعد ظهور المهدي (ع) .
صفحة (157) (1) انظر المستدرك على الصحيحين ج4ص491. (2) انظر صحيح مسلم ج8 ص197وما بعدها . (3) انظر تاريخ الغيبة الكبرى ص633.
إلا أنه يمكن المناقشة في هذه الأخبار من وجهين
: ولعل أهم ما يدل على ذلك :ما دل من الأخبار على خوف المسلمين من فتح يأجوج ومأجوج .وهي عديدة وقد سمعنا بعضها ،وهي دالة بوضوح على تحصن المسلمين منهم وعجزهم عن قتالهم وسحبهم لمواشيهم معهم وهذا الخوف إنما يمكن تحققه قبل تأسيس الدولة العالمية ،بل قبل ظهور المهدي (ع) أساساً . إذ لا معنى للخوف بعد الظهور ، حين يكون النصر محرزاً والأمن مستتباً ...طبقاً لقوله تعالى :" وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ، كما استخلف الذيم من قبلهم ، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً ، يعبدونني لا يشركون بي شيئاً "(1) اذاً ، فيتعين أن يكون انتشار يأجوج ومأجوج الموجب للخوف والتحرز بين المسلمين ، سابقاً على الظهور حين لا يكون للمسلمين قوة مهيمنة عليا. وقد يخطر في الذهن : أن هذه الأخبار دلت على وجود هذا الخوف بين المسلمين بالرغم من وجود المسيح (ع) فيهم . وأنه (ع) مأمور بتحصينهم ضد اعتداءات يأجوج ومأجوج .فإذا كان نزول المسيح (ع) بعد الظهور كما أسلفنا ، إذاً فسيكون فتح يأجوج ومأجوج بعده أيضاً. والصحيح : أن هذه الرواية إنما تدل على تقدم نزول المسيح على الظهور ، وأنه ينزل في زمان اضطراب المسلمين وضعفهم ووجود الفتن فيهم .وهذا ما سوف نناقشه في القسم الثاني من هذا التاريخ ..ويكفينا الآن أن نعلم بوجود عدد من الأخبار دال على تأخر نزوله (ع) عن الظهور .
صفحة (158) (1) النور : 24/ 55
إذاً ، فلا بد من الإلتزام بأن انتشار يأجوج ومأجوج سابق على النزول والظهور معاً ، ونرفع اليد عن دلالة هذ االخبر بهذا المقدار .وهو المطابق مع الأطروحة التي عرفناها قبل قليل . الوجه الثاني : وجود الدلالات المعارضة من ناحية أخرى . وذلك : أننا سنسمع الروايات الواردة لسرد حوادث ما بعد الظهور ،وسنجدها جميعاً خالية من التعرض ليأجوج ومأجوج .وإنما سنجد العالم هو العالم الذي نعرفه خالياً من الغرائب التي نسبت إلى هاتين القبيلتين ، يظهر المهدي (ع) وينزل المسيح (ع) فيحكمان فيه بالعدل .ومعه تكون تلك الأخبار ككل دلالة على عدم انتشار يأجوج ومأجوج يومئذ. وحيث علمنا من القرآن المكريم والسنة الشريفة ، أنهم لا بد أن ينتشروا في يوم ما ، إذاً فهذا واقع قبل الظهور لا محالة . وهنا لا بد لنا أن نتنازل عما دلت عليه بعض الأخبار السابقة عن تأخر انتشار هاتين القبيلتين عن نزول المسيح .تماماً كما قلنا في الجواب السابق . وينبغي أن نلاحظ أيضاً ، أنه طبقاً للأطروحة التي فهمناها لا تكون هناك أية معارضة بين أخبار يأجوج ومأجوج المادية على الظهور ، تنفي عن هاتين القبيلتين كل الغرائب ،وإنما هما يمثلان العالم نفسه كما نعرفه ، فيما عرفناه من دلالة الأخبار على سيطرة المهدي (ع) على العالم كما نعرفه ، يكون منسجماً مع الأطروحة كل الإنسجام . نعم ، طبقاً للأطروحة يكون عمل المهدي (ع) مكرساً في أول ظهوره للسيطرة على يأجوج ومأجوج ، أو المادية السابقة على ظهوره .وهذا المفهوم لم يرد فيأخبار ما بعد الظهور .وهذا يعني تحول المفهوم في هذه الأخبار وترك التعرض إلى عنوان يأجوج ومأجوج ...ولا يعني وجود الأشكال في هذه الأطروحة .
|
||||
|
|||||