|
||
|
الجهة
الرابعة : في اسلوب الخروج عن الصعوبات السابقة ، وتذليلها بمقدار ما هو
الممكن والمتوفر . وأن خير ما يخرج من تلك المصاعب السابقة هو اتخاذ اسلوبين مترتبين : الأسلوب الأول : تذليل المصاعب عن طريق القواعد العامة المؤسسة في الكتاب والسنة . وذلك بعرض جميع ما وردنا في مصادر هذا التاريخ عرضه على ما هو المعروف من فهم الإسلام لأمور ووجهة نظره إلى القضايا العامة والخاصة ... ذلك الفهم المستنتج من الكتاب والسنة ، والمستشهد عليه بآية أو رواية أو المعروف عن طريق الإستدلال العقلي القطعي . ونستطيع بهذه القواعد ، أن نصل إلى عدة نتائج أساسية حاسمة في تذليل تلك المصاعب : أولاً : محاولة فهم العبارات الرمزية ، بنحو ينسجم مع الفهم الإسلامي الصحيح ، باعتبار أن فهم ظواهرها المباشرة غير محتمل اساساً ، وإلا كان أساساً لتصورات خاطئة اسلامياً ، كما هو المبرهن عليه في البحوث الإسلامية . وإذ يدور الأمر بين إهمالها وتأويلها ، يكون تأويلها إلى المعنى الصحيح أفضل ، كيف ، ونحن نعلم أن استعمال الرمز على لسان النبي (ص) و الأئمة (ع) أمر غير غريب ، وخاصة فيما يكون فوق فهم السامعين الماشرين لهم ،،كما هو الحال في التعبير عن حوادث تاريخ ما بعد الظهور . ثانياً : محاولة ملء بعض الفجوات الموجودة في هذا التاريخ المنقول ، بما نعلم عادة قام المهدي (ع) به بعد ظهوره ، بحسب القواعد العامة .. . وإن لم يصرح به في الأخبار نتيجة لظروفها الخاصة . ولكن تبقى – مع ذلك – فجوات واسعة قد نستطيع ملأها ، أو جملة منها ،عن طريق الأسلوب الثاني الآتي . وبدونه ينبغي الإعتراف بالعجز عن الملء ، لكننا سنرى أننا نستطيع بالأخبار مع تحكيم هذين الأسلوبين تغطية المهم منها .
ثالثاً: رفض ما خالف القواعد العامة من النصوص ، وجعلها قرائن فاصلة في رفض أو قبول الأخبار ما لم تكن مستفيضة أو متواترة ، وجعلها المحك في هذا التمحيص . رابعاً: التوصل إلى بعض ما سكتت عنه الأخبار من الإتجاهات العامة لدولة المهدي (ع) مما يمكن التوصل إليه ، بعد تذليل الصعوبة الخامسة جهد الإمكان كما سيأتي . خامساً: التوصل إلى الربط بين الحوادث التي لا تبدو مرتبطة في النقل الواصل إلينا ، أو محاولة ترتيبها زمنياً إن لم يكن الترتب موجوداً على ضوء القواعد العامة ، مع الإمكان . إلى غير ذلك من النتائج المهمة التي سيأتي تطبيقها فيما يلي من البحث . الأسلوب الثاني : عند اعواز القواعد العامة أحياناً ، تنحصر معرفة النتيجة عن طريق عرض ( الأطروحات ) المحتملة ، كالذي سبق أن طبقناه في تاريخ الغيبة الكبرى .. بالنسبة إلى عدد من أمهات الأمور . وهذا يعني عرض أقرب الإحتمالات في مورد المشكلة ، أما اثنين أو ثلاثة ،مما لا يكون مخالفاً للقواعد العامة ويكون محتمل التحقق في زمنه الخاص .ويعني ذلك أيضاً عدم الجزم بأحد المحتملات ، بل تبقى المسألة معروضة بمحتملاتها ، لكن يبقى في الإمكان جمع القرائن الدالة على ترجيح أحد المحتملات ، في الأعم الأغلب. نعم ، يبقى لدينا أمران يحتاجان إلى مزيد من التأمل : الأمر الأول : المفهوم الطائفي المؤكد عليه في أخبار المصادر الخاصة ،كما سبق أن أشرنا ... وهو وإن كانت له مبرراته الخاصة في عصر صدور هذه الأخبار .كما عرفنا وإلا أن هذه المبررات تكاد تفقد قيمتها الإجتماعية في العصر الحاضر، لأن دولة المهدي (ع) عالمية شاملة للبشرية جمعاء ،وإذا كان مقصودها هو الإستيعاب والشمول في التاريخ ، فلا ينبغي التأكيد على هذا المفهوم خاصة وترك ما عداه من الأعمال والأقوال ، لعهد ما بعد الظهور بأي حال ، لأننا نكون قد اقتصرنا على بعض الجوانب دون بعض.
والذي ينبغي أن يقال : أنه بعد التسليم بإمكان تصديق هذه الأخبار ، ما كان منها صالحاً للإثبات التاريخي .. بناء على الفهم المهدوي الإمامي .. يمكننا تغطية هذا الإتجاه الطائفي في تاريخنا هذا بأسلوبين : الأسلوب الأول : أننا بعد أن نملأ الفجوات التي عرفنا ، ونرهن على اتصال المهدي (ع) بغير المسلمين شعوباً وحكومات ، تقديماً لإدراجهم في دولته العالمية ... ونستطيع فهم الإتجاهات العامة والآثار الكبرى التي تترتب على ذلك ... وعندئذ يمكننا أن نعطي لتلك الأخبار مدلولها الواقعي . إن الأمة الإسلامية ستصبح هي القائدة والرائدة للبشر أجمعين على طريق العدل الكامل ، وبجهودها سيفتح القائد المهدي (ع) العالم ، ومن منطلقاتها سيستطيع بث الدعوة المقدسة إلى العالم ، والأمة القائدة ينبغي أن تكون على مستوى هذه المسؤولية الكبرى ، وإلا كانت جهودها في العالم فاشلة .ومخلة في التخطيط العام في نهاية المطاف . ومن هنا كان التاكيد على ترتيبها في التخطيط الإلهي كبيراً ، سواء في عصر (الغيبة) أو في عصر الظهور .وقد انتجت تربيتها في عصر الغيبة تمخضها عن الجماعة المؤمنة التي تمارس فتح العالم بين يدي المهدي ، إلى جانب انحراف الأعم الأغلب من البشر وتمرسهم بالظلم والطغيان ، حتى من الأمة الإسلامية نفسها ، وهذه الأمة التي أصبح الأكثر فيها منحرفاً لا يمكن أن تكون على مستوى مسؤولية القيادة العالمية بأ ي حال . فإذا لاحظنا درجات الإخلاص الأربعة التي ذكرناها في التاريخ السابق(1) ودرسنا احتمالات تجاوب أفراد الأمة الإسلامية مع الإمام المهدي (ع) في أول دعوته ، وهي احتمالات واسعة جداً بلحاظ ما يحمله الأفراد من درجات الإخلاص . لكن يبقى الكثيرون ومما لا يتصفون بالإخلاص اساساً كما ينبغي رفع درجات الإخلاص عند الأفراد من الدرجات الدانية إلى العالية منها تدريجاً لتكون الأمة بسرعة على مستوى القيادة العالمية ، كأمة ذات دعوة وهدف . وهذا يحتاج إلى أعمال عسكرية وفكرية واسعة النطاق ، قد لا تقل عن المقادير الواردة في الأخبار التي سنسمعها خلال هذا التاريخ لكن ينبغي أن نفهم أن من يعمل المهدي (ع) ضده من الأفراد المسلمين هو كل منحرف منهم ، وإن كان على مذهب لمهدي نفسه من الناحية النظرية .
(1) انظر تاريخ الغيبة الكبرى ص 248 وما بعدها
وهذا الذي يفسر لنا كيف أن جهود المهدي (ع) في أول ظهوره . وخلال فترة سيطرته على العالم عسكرياً وفكرياً وتكون مبذولة على الأمة الإسلامية نفسها أكثر من أي أمة أخرى قائدة للعالم ورائدة للحق . ريثما يستتب له الوضع العالمي ليوزع جهوده على العالم على حد سواء وليس في مداليل الأخبار التي نحن بصددها ما هو أوسع من ذلك . الأسلوب الثاني : في تغطية الإتجاه الطائفي للأخبار ، وهوالإستغناء عن ذكر ما يوجب جرح العواطف المذهبية وإثارة الضغائن بين المذاهب الإسلامية وإن اوجب ذلك وجود فجوة تاريخية . على أن الأخبار المتطرفة ليست كثيرة ، ليست واردة بطريق صحيح ولا تثبت للنقد أمام الأسلوب الذي اتخذناه بالعمل بالأخبار ، فلا يكون تركها مؤسفاً. الأمر الثاني : مما يحتاج إلى التأمل : أن ما قلناه من قصور الباحث عن إدراك العمق الحقيقي لليوم الموعود وقيادة المهدي (ع) فيه ، حقيقة واقعة لا مناص منها ، ومن هنا كون الباب منسداً أمام التعرف على التخطيطات والتشريعات التفصيلية التي يقوم بها القائد المهدي (ع) والعمق الحقيقي لثقافة الفرد المسلم والجماعة المسلمة في ذلك العصر . إلا أن هذا لا يعني بحال عدم إمكان التعرف على ذلك بنحو الإجمال ، على شكل قضايا تجريدية تتصف بشيء من العمومية ... وذات اختصار تجاه تلك التفاصيل القليلة على ما سنرى . إذاً ، فهذا البحث لا يمكنه أن يزاحم الحقائق في ذلك العصر ، أو يغني يعنها ، وإنما غاية جهده أن يلم بعناوينها العامة وقضاياها الإجمالية ونتائجها الرئيسية عن طريق مبرهن صحيح . وبالإطلاع على هذه الجهات . نعرف بوضوح جواب السؤال الذي ذكرناه في أول التمهيد ، من أن هذا البحث خال من الفائدة ورجم بالغيب قد يتحقق في المستقبل وقد لا يتحقق .
أما
إنكار فوائد هذا البحث ، فقد عرفنا ما يترتب علبه من فوائد الجهة الأولى من هذا
التمهيد ، فإن كل فائدة منها تكفي في رجحان الدخول في هذا البحث فضلاً عن
المجموع . وأما كونه رجماً بالغيب ، فليس كذلك لأننا إذ نتكلم على المستوى الإسلامي ، إنما نأخذ ذلك من مصادر الإسلام الأساسية وقواعده العامة ، و ليس فيه أي إخبار بالمغيبات على الإطلاق . نعم ، نفس الأخبار الواردة عن النبي (ص) والأئمة (ع) التي نعتمدها في هذا الصدد ، تحتوي على الأخبار بالغيب أو بحوادث المستقبل، شأنها في ذلك شأن العديد من الأخبار التي اعتمدناها في التاريخ السابق ، والتي اثبتنا صحة الأعم الأغلب منها، وهو مما لا يكون مضراً على المستوى الإسلامي بعد إمكان تعليم الله تعالى إياهم ذلك ...ووجود المصلحة في تبليغه ، وهوالإعداد التدريجي للأمة الإسلامية لتلقي اليوم الموعود . مضافاً إلى أننا اختبرنا هذه الأخبار ، في التاريخ السابق ، فوجدناها صادقة وفيها ما هو مبرهن الصدق غلى حد يدل على صدق العقيدة الإسلامية ، فضلاً عن قضية المهدي ، كما قلنا هناك(1) فإذا أمكنن أن نصدق بعض الاخبار وامكننا ان لا نستبعد صدق الجميع . واما كون هذا التاريخ مما قد يتحقق أو لا يتحقق ، فهذا تابع لقوة ما سنعرضه من الأدلة ، وفيها ما هو قطعي الإنتاج ، وماهو مؤكد وما هو ظني، وإن كانت كلها صالحة للإثبات التاريخي طبقاً للمنهج الذي ذكرناه ،ولا معنى بطبيعة الحال ، أن نقول لما هو قطعي أو مؤكد ، أنه سوف لن يتحقق أو أن احتماله ضعيف !!!...
الجهة الخامسة: في بيان ترتيب ابواب وفصول هذا الكتاب ... نذكره في البدء ليكون القارئ ملما بالتسلسل المنطقي لها، قبل الدخول في التفاصيل: يقع هذا التأريخ في اقسام ثلاثة: القسم الاول: في ارهاصات او تقديمات الظهور، بما فيها من اسس عامة، وضواهر خاصة. وفيه بابان: الباب الاول: في الاسس العامة للظهور، ونعني بها القضايا الرئيسية التي يبتني عليها اليوم الموعود. ويتكون هذا الباب من عدة فصول: الفصل الاول: ارتباط يوم الظهور بالتخطيط العام الإلهي للبشرية، ذلك التخطيط الذي سبق ان عرضناه وبرهنا عليه في تاريخ الغيبة الكبرى.
(1) انظر
تاريخ الغيبة الكبرى ص 538 وما بعدها الى عدة صفحات. |
|