|
|||||
|
العامل الأول : ارتفاع الصوت وانتشاره بحيث يسمع الآفاق كلها . العامل الثاني : جانبه الإعجازي ، الذي لا يكاد يمكن تفسيره مادياً. العامل الثالث : مضمونه ، من حيث كونه مشيراً إلى القائد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً . واود أن الاحظ على النداء بعض الملاحظات . الملاحظة الأولى : هناك فهم تقليدي للنداء ، بأنه يقع في لحظة الظهور إعلاناً عنه وإيذاناً بوقوعه ، وهذا ما لم نجد من الروايات شيئاً دالاً عليه .ومن هنا لا يمكن الإلتزام بصحته . ولكن لا يمكن مع ذلك . رفع اليد عن فكرة الإيذان والإعلان عن الظهور إلا أن هذا كما يمكن أن يحصل عند إيجاد النداء مع الظهور ، كذلك يمكن أن يحصل مع إيجاد النداء قبله بقليل .ويبدو كأن الظهور قائم على أساس النداء ومنطلق منه . وإن كان الأمر – في الواقع – بالعكس . ولا يبعد القول بإمكان البرهنة على تقديم النداء قبل الظهور، بفترة زمنية . وذلك، أن النداء إذا حصل مع الظهور ، كان المتعين عالمياً انطباقه على المهدي (ع) الذي لا زال في أول ظهوره غير راسخ الملك والقوة، ومن هنا ينفتح إحتمال توجه الأسلحة العالمية ضده .وهو خلاف بعض الضمانات التي سنذكرها لإنتصاره . بخلاف ما لو حصل النداء قبله ، فإن حركة المهدي (ع) في اول عهدها سوف لن تكون ضرورية الإنطباق على ذلك النداء ، عالمياً .وسوف لن يلتفت إلى ذلك إلا المؤمنين به والمنطقة التي تعاصر حركته الأولى. وهذا هو الأنسب مع بعض الضمانات التي سنذكرها . وحيث أن النداء باسم المهدي (ع) مع ظهوره مخلاً بانتصاره ، إذاً فيتعين عدم حصوله ساعتئذ ، وحيث ثبت وجود النداء إجمالاً ،إذاً فهو يحصل قبل الظهور ، بزمن قليل لايضر مع وجود فكرة الإعلام والتنبيه . الملاحظة الثانية : إن حصول النداء قبل الظهور ، معناه حصوله في عصر الغيبة طبقاً للمفهوم الإمامي عن المهدي . صفحة (135) وهذا النداء عندئذ ، لا ينافي الغيبة الحاصلة في الفترة المتخللة بين النداء والظهور. لأن المعنى الأساسي للغيبة كما عرفناه في التاريخ السابق(1) ، هو الجهل المطلق بحقيقة شخص المهدي (ع) ، فبالرغم من أن الناس يرون الإمام ويعاشرونه . إلا أنهم يعرفونه باسم آخر غير صفته الواقعية ،وما الواضح أن هذا المعنى لا يتغير بوجود النداء ما لم يطبقه المهدي نفسه على نفسه عند ظهوره . وكذلك الحال مع ألأطروحة الأخرى التي رفضناها هناك ، وسميناها بـ (أطروحة خفاء الشخص) حتى مع وجود النداء ولا يرتفع إلا مع الظهور . الملاحظة الثالثة : كم هي الفترة المتخللة بين النداء والظهور؟ دلت الروايات السابقة على وقوع النداء في ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان(2) .ولعله هو الشهر الذي قع فيه الكسوف و الخسوف على غير المألوف ، أو رمضان آخر قريب منه نسبياً . والملاحظ أن هذا التوقيت في روايات النداء مستفيض صالح للإثبات التاريخي ، إلا أن هذا التوقيت لم يبلغ إلى هذه الدرجة من الكثرة في روايات الخسوف والكسوف . وسوف يأتي أن الروايات تدل على حصول الظهور في مساء اليوم العاشر من محرم الحرام ... فإذا استطعنا أن نبرهن – كما سبق – على قصر المدة بين النداء والظهور ، تعين القول : أن المحرم الذي يتم فيه الظهور هو المحرم الذي يأتي بعد ذلك الرمضان الذي يوجد فيه النداء ، ويفصل بينها - في كل عام - ثلاثة من الأشهر القمرية .فتكون المدة المتخللة ثلاثة أشهر وسبعة عشر يوماً وإن كان شهر رمضان تاماً . وستكون هذه المدة المتخللة كافية لتنيبه المؤمنين ، واجتماعهم لإستقبال إمامهم وقائدهم عند ظهوره، كما سيأتي . فهذه الملاحظات ، عن النداء بالحق ،هو الصالح للإثبات كما عرفنا .وأما النداء بالباطل فهو غير صالح للإثبات كما عرفنا ، وأما النداء بالباطل فهو غيرصالح للإثبات ، فلا يهم التعرض إلى تفاصيله . أخرج الطبرسي في أعلام الورى(3) عن عبد الكريم الخثعمي عن أبي عبد الله الصادق (ع) ، في حديث عن القائم يقول فيه : وإذا آن قيامه ، مطر الناس في جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب مطراً لم ير مثله ... الحديث .
صفحة (136) وذكر المفيد في الإرشاد (1): قد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي (ع) ، وحوادث تكون أمام قيامه ، وآيات ودلالات ثم أنه (عليه الرحمة) ذكر العديد منها إلى أن قال : ثم يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتصل فتحيي بها الأرض بعد موتها وتعرف بركاتها . وأخرج الشيخ في (الغيبة)(2) بإسناده عن سعيد بن جبير قال : السنة التي يقوم فيها المهدي تمطر أربعاً وعشرين مطراً يرى أثرها و بركاتها . ولا تخفى الحكمة من هذا المطر ، وهو الإستعداد للظهور ، بإنعاش الأرض إنعاشاً كافياً لتوفير الزراعة ، ذلك التوفير العظيم الذي سنسمع عنه فيما يلي من الفصول : وهذا التقديم خير من نزول المطر بعد الظهور بغزارة ، بحيث قد يعيق عن جملة من الأعمال التي يريد القائد المهدي (ع) انجازها .ففي تقدمة على الظهور جني لفوائد المطر مع تفادي مضاعفاته . ونزول المطر ليس إعجازياً ، بطبيعة الحال ، إلا أن توقيته وكميته ، يبدو من سياق الروايات أنها بقصد إعجازي خاص من قبل البارىء الحكيم ، توصلاً للنتائج المطلوبة من ورائها . غير أن عدة نقاط ضعف تبرز في هذا الصدد . النقطة الأولى : ضعف الروايات من حيث السند . فإن روايتي الطبرسي والمفيد مرسلتان ، ورواية الشيخ منقولة عن سعيد بن جبير لا عن أحد الأئمة المعصومين ، فلا تكون صالحة للإثبات التاريخي . النقطة الثانية : قلة عدد الروايات الدالة على ذلك . فإن منهجنا في هذا الكتاب وإن كان قائماً على أساس قبول الخبر الواحد ، غير أننا أشرنا إلى لزوم تطبيق (التشدد السندي) في روايات المعجزات. وهذه منها بلحاظ ما قلناه نت التوقيت الاعجازي. فلا تكون هذه الرويات كافةي للأثبات حتى ولو لم تكن مرسلة.
(1) انظر ص337. (2) انظر ص269.
|
||||
|
|||||