|
|||||
|
هناك بعض المقدمات الفكرية الني يمكن أن تنتج رفضها : المقدمة الأولى :إن عدد الأخبار الدالة على النداء بالباطل أقل بكثير من الأخبار الدالة على النداء بالحق . فبينما نرى الأخبار الدالة على النداء بالحق أو باسم المهدي (ع) عديدة فإذا ألحقنا بها أخبار الفزعة والصيحة، كما سبق – اصبحت متواترة .. نرى أن الأخبار الدالة على النداء بالباطل ذات عدد قليل ، تمثل قسماً من أخبار النداء فقط . المقدمة الثانية : إننا إذا سرنا على الفهم التقليدي لهذه الأخبار المطابق مع ظهورها الأولي ،وهو صدور النداء بالباطل بشكل إعجازي أو ميتافيزيقي ، فيكون هذا معجزة صادرة في جانب الباطل ، وقد برهنا على استحالة ذلك في التاريخ السابق(1) لما فيه من التغرير بالجهل والدفع إلى الفتنة والإنحراف وهو مستحيل على الحكيم المطلق جل وعلا . فإذا تمت هاتان المقدمتان لزمنا رفض هذه الأخبار ،لأنها أخبار قليلة نسبياً ودالة على أمر مستحيل ، فيكون الأخذ بمضمونها مستحيلاً. وهذا لا يعني إسقاط القسم الثاني من أخبار النداء كله ، بل الساقط هو الجزء الدال على وجود النداء بالباطل فقط .وأما الجزء الدال منها على النداء بالحق فيبقى ساري المفعول ،معتضداً بالأخبار الدالة على ذلك .وقد سبق أن برهنا على إمكان التبعيض في الأخذ بمدلول الخبر . نعم لو ناقشنا بالقدمة الثانية ، وأمكننا حمل النداء عموماً أو النداء بالباطل خصوصاً ، على معنى (طبيعي) غير إعجازي ، أمكن الأخذ بالأخبار الدالة عليه غير أن هذا سوف يكون قابلاً للمناقشة على ما سيأتي . وإذا نحاول تكوين فهم متكامل عن هذين الندائين ، نواجه عدة أطروحات منها الطبيعي ومنها الإعجازي. الأطروحة الأولى :أن نفهم من (جبرئيل) المنادي بالحق و(إبليس) المنادي بالباطل، أن نفهم منهما – ولو بنحو الرمز أو المجاز – التعبير عن انصار الحق وأنصار الباطل . فجبرئيل كناية عن المهدي نفسه ، ونداؤه نداء الحق ،وإبليس عبارة عن أعداء المهدي والمنحرفين من البشر عموماً .
صفحة (132)
(1)
انظر ص577. ويكون المراد بسعة الصوت وانتشاره إلى الشرق والغرب أو إلى كل إنسان ،كونه مبثوثاً عن طريق وسائل الإعلام الحديثة، كالإذاعة والتلفزيون وما ورد من أن الصوت من السماء ، فباعتبار أن البث الإذاعي و التلفزيزني لا يكون التقاطه ، إلا من الفضاء ،وخاصة مع وجود الكواكب الصناعية للبث الإذاعي والتلفزيوني. ومعه يكون من السهل بل من الطبيعي أن نتصور أن جبهة الإمام المهدي (ع) تنادي باسمه بطريق الوسائل الحديثة .... و(جبهة) أعدائه تنادي بنداء مضاد سوف نعرف مدلوله ، تريد به الفتنة وصرف الناس من الحق إلى الباطل. ويكون السبب في التأثير النفسي البالغ، والإهتمام الذي يحدثه الصوت الحق في العالم ، ليس هو ارتفاع الصوت ، بل هو أهمية المضمون . فإن الإعلان العام عن ظهور المهدي (ع) لأول مرة ، وإعطاء المفهوم الواضح لثورته العالمية ، مع كون المسلمين عامة ، بل أكثر البشر ممن يتوقع حدوث دولة الحق ، سوف يحدث ردود فعل عنيفة مختلفة في الناس بلا شك . وهذه الأطروحة وإن كانت واضحة منطقياً ، غير أنه يرد عليها بعض الإشكالات التي من اهمها : أن ما يستفاد من سياق هذه الأخبار من أن النداء وصوت الحق وصوت الباطل وإنما يكون قبل ظهور المهدي (ع) وليس بعده ... وهذا يكون منافياً مع مضمون هذه الأطروحة ، لأنها تنظر إلى دعوات الحق والباطل بعد الظهور . الأطروحة الثانية : أن نلتزم – طبقاً لظاهر الأخبار – بأن هذين الصوتين يوجدان قبل ظهور المهدي (ع) لكن بطريق طبيعي أيضاً وعن طريق وسائل الإعلام الحديثة ،ويكون السبب في هذين الصوتين ، وجود حركتين متناحرتين في العالم الإسلامي .إحداهما محقّة ، تهدي الناس إلى الإسلام الصحيح ، والإخرى حركة مبطلة ، تغوي الناس وتخدعهم وتثير فيهم الشبهات . ويكون التأييد لحركة الحق ، في اول قيامها تأثيراً كبيراً في الناس ، حتى أن المرأة تحث أباها وأخاها على نصرة هذه الحركة وتأييدها ، ولكن هذه الحركة لن تدوم طويلاً ، بل تكون ضدها حركة مبطلة تعلن عن رأيها وتصرح بمقاصدها فتوقع الناس في بلبلة وشبهات في العقيدة الإسلامية أو مايمت لها بصلة . ويكون من نداءاتها وشعاراتها المهمة : أن فلان قتل مظلوماً ، والمراد به – والله العالم – ذلك الشخص الذي قتلته وقضت على حكمه الحركة الأولى المحقة .ومن هنا تصرح الحركة الثانية ، بمظلوميته وانتهاج سبيله ،والإحتجاج على قتله .
صفحة (134)
ولعل التعبير يكون نداء الحركة الأولى صادراً من السماء ونداء الحركة الثانية صادراً من الأرض .باعتبار احترام النداء الأول ، وكونه محقاً وانتقاص النداء الثاني باعتباره باطلاً وزخرفاً . إلا أن هذه الأطروحة لا تصح ، لوضوح أن نداء الحركة المحقة سوف يكون هو الدعوة إلى مبادئها وتأييدها، لا النداء باسم القائم المهدي (ع) واسم ابيه كما صرحت به الأخبار العديدة .ومعه يبقى هذا النداء بلا تفسير من زاوية هذه الأطروحة . وأما احتمال أن يكون المراد من لفظ القائم : قائد الحركة المحقة باعتبار أنه قائم بالسيف وناصر للحق بالسلاح . في الجملة ،وإن لم تكن حركته عالمية فهذا الأحتمال غير صحيح ،فإن الأخبار صرحت بكونه قائم آل محمد وانه المهدي ، وفي بعضها وجود الصلاة والسلام عليه ،وهو مما لا ينطبق إلا على المهدي الموعود الأطروحة الثالثة : وهي المطابقة مع ظاهر الأخبار وسياقها العام ...وهو أن نفهم الأسلوب الإعجازي للنداء بالحق ، باسم القائم واسم أبيه ، ويكون ذلك من المنبهات للإستعداد النفسي للظهور ، كما قلنا . وهو في عين الوقت يضفي اهمية عظمى مسبقة على يوم الظهور ،ويعين اسم القائد العظيم فيه .ويكفي أن يقال بعد الظهور ، الذي يبدو أنه سوف لن يتأخر كثيراً بعد النداء : أن هذا القائد العظيم هو الذي هتف الهاتف باسمه وحدثت المعجزة الضخمة آمرة بإطاعته والتسليم بأمره ، وسوف يكون لذلك أعظم الأثر في نصره وانتشار دعوته .وقد عرفنا أن يوم الظهور هو نتيجة جهود الأنبياء والأوصياء والصالحين والشهداء ،وهو الغرض الأسمى من خلق البشرية ، فلا عجب أن يمهد الله تعالى بمثل هذه المعجزات . وهو ما دلت عليه الأخبار المتوترة عليه ، كما عرفنا ، وهو غير مناف مع قانون المعجزات ، لوقوعه في طريق الهداية ، إذاً فلا بد من التسليم به والإعتراف بوقوعه . ويكون هذا الصوت في شهر رمضان في ليلة ثلاث وعشرين ، التي هي – الأرجح – ليلة القدر ، وهي افضل ليالي السنة .ويكون التوجه الدني في ذلك الحين لدى المسلمين وتقبل المفاهيم الدينية والأمور الروحية قد بلغ ذروته . فإنه يزداد في مناسبات العبادة وخاصة في شهر رمضان ، بالأخص في ليلة القدر . وسيكون رد الفعل بالأهتمام والفزع لهذا النداء ، ناشئاً من عوامل ثلاثة مقترنة .
صفحة (134)
|
||||
|
|||||