|
|||||
|
ونريد بها الحوادث المنقول حدوثها في الطبيعة ، و إن كانت صفتها إعجازية . والمنقول منها أمور عديدة .ونحن نقتصر – اختصاراً للكلام وتمحيصاً للروايات – على ما كان متصفاً بشرائط ثلاث : الشرط الأول: عقدنا من أجله هذا الباب ، وهو خصوص الحوادث القريبة من الظهور .بحسب أدلتها دون البعيد منها . الشرط الثاني: أن تكون الحادثة مما يمكن إثباته ، بحسب المنهج الذي اتخذناه مع محاولة تجنب ما لا يمكن اثباته . الشرط الثالث: أن يكون مما ورد ارتباطه في الأخبار نفسها بظهور المهدي (ع) وبهذا نختصر هذه الحوادث بالمصادر الخاصة الإمامية ،وليس في المصادر العامة منها إلا النادر . وما يبقى مندرجاً تحت هذه الشروط ، من الحوادث ، عدة أمور ، نذكر كلا منها في جهة : الجهة الأولى : الخسوف والكسوف : ويراد به حدوثهما بشكل يختلف عن الشكل الإعتيادي له . فبدلاً عن أن يحدث الكسوف في أول الشهر و الخسوف في وسطه . كما هو المعتاد ، فإن حدوثهما . سوف يكون بالعكس . فيحدث الكسوف في وسط الشهر والخسوف في أوله ... بشكل لم يسبق له نظير منذ أول البشرية إلى حين حدوثه.وهذا ما تعرب عنه عدد من الروايات ، ذكرنا ثلاث منها في التاريخ السابق (1) عن الشيخ الطوسي والشيخ المفيد والشيخ النعماني .
صفحة (117)
(1) انظر ص574
وأخرج الشيخ الطوسي في ( الغيبة ) (1) أيضاً بسنده عن بدر الأزدي ، قال : قال أبو جعفر الباقر (ع) آيتان تكونان قبل القائم لم تكونا منذ هبط آدم (ع) إلى الأرض . تنكسف الشمس في النصف من شهر رمضان والقمر في آخره .فقال رجل : يا بن رسول الله ، تنكسف الشمس في آخر الشهر والقمر في النصف .فقال ابو جعفر : إني لأعلم بما تقول ولكنهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم (ع) . وأخرج السيوطي في العرف الوردي(2) عن الدار قطني في سننه عن محمد بن علي الإمام الباقر (ع) ، قال: إن لمهدينا آيتين لم تكونا منذ خلق الله السموات والأرض : ينخسف القمر لأول ليلة من رمضان ، وتنكسف الشمس في النصف منه ، ولم يكونا منذ خلق الله السموات والأرض . وفيما روينا هناك ما يدل على أن انخساف القمر يكون في الخامس والعشرين من رمضان ،واما أنكساف الشمس فهو في ثلاث عشرة أو أربع أو خمس عشرة منه .ويدل سياق هذه الرواية وأكثر من رواية أخرى على قرب هذه العلامة من قيام القائم أعني ظهور المهدي (ع) . وهذا العدد من الروايات يكفي للإثبات التاريخي حتى مع (التشدد السندي) الذي سرنا عليه في التاريخ السابق، وطبقناه هنا على الروايات الناقلة للمعجزات . وقد أشرنا هناك إلى المبرر الذي دعا إلى إيجاد هاتين الواقعتين في التخطيط الإلهي لما قبل الظهور .وهو –باختصار – ترسيخ فكرة المهدي (ع) عند حدوث هذه العلامة ، أولا ، والإيعاز إلى المخلصين من الخاصة إلى قرب الظهور ثانياً . سيقى علينا الآن أن نتكلم عن المبرر الكوني لوجودها .وهل هو بطريق إعجازي أو طبيعي ... وإذا كان طبيعياً فكيف يحصل ... وهذا ما لم نفض فيه الحديث في التاريخ السابق .
(1) ص270 (2) الحاوي للفتاوي ج2 ص136
إن لحدوث هذه الوقائع عدة اطروحات لا بد من استعراضها ونقدها : الأطروحة الأولى: حصول الكسوف والخسوف بسببه (العلمي) الإعتيادي لكن مع اختلاف بسيط هو الإختلاف في الزمان .فإن ثبت في العلم الحديث أن الكسوف يحصل بتوسط الأرض بين الشمس والقمر ، أمكن حصول ذلك في زمان آخر جديد . وهذه الأطروحة هي الأوفق بالظاهر الأولي من الروايات ، لو فرض الإلتزام بكون هذه الحوادث طبيعية غير إعجازية . الإ أنها واضحة المناقشة طبقاً للنظرية العلمية الحديثة ، ومن ثم لا بد من التنازل عن هذا الظهور الأولي في الروايات . فإن القمر – وهو يستمد نوره من الشمس ، والنور يسير بخطوط مستقيمة لا يمكن أن تنعطف انعطافاً كبيراً – أن القمر لا يمكن أن يكسف الشمس حال كونه بدراً في وسط الشهر ، لأن انكساف الشمس به ، يلازم بالضرورة كون الوجه المظلم من القمر متوجهاً إلى الأرض ، وهذا ينافي بالضرورة كونه بدراً . كما أن خسوف القمر لا يكون إلا بوقوع ظل الأرض على القمر ، بعد توسطها بينه وبين الشمس .وهذا معناه :أن الأرض أقرب إلى الشمس من القمر . وهذا لا يحدث إلا في وسط الشهر حين يكون القمر بدراً . ولا يمكن دفع هذه المناقشة ، إلا بالطعن بالنظرية العلمية ، انطلاقاً من زاوية أن النظريات العلمية مهما تأكدت . فإنها قائمة على الحساب الظني ، وإن كان راجحاً ولا تنتج يقيناً تاماً بأي حال .وهذا موكول إلى وجدان القارىء . الأطروحة الثانية : أن تكون رؤية الكسوف والخسوف في غير الأرض بل في مناطق أو كواكب أخرى من المجموعة الشمسية . أما بالنسبة إلى كسوف الشمس ، فقد حدث فعلاً عام (1391 هـ – 1971م) حين كان بعض رواد الفضاء على القمر ، فشاهدوا الشمس مكسوفة كلياً بتوسط الأرض بينهم وبينها .وهذا التوسط لا يحدث عادة إلا في وسط الشهر . واما الخسوف فلم يحدث إلى حد الآن ، لكن في الإمكان تصور حدوثه فيما إذا انتقل بعض أفراد الإنسان إلى كوكب آخر من المجموعة الشمسية كالمريخ او الزهرة ، فإنه قد تصبح الأرض ما بين القمر وذلك الكوكب . فيحدث الخسوف في نظرهم.
صفحة (119)
|
||||
|
|||||