|
|||||
|
ويمكن المناقشة في هذه الأطروحة من أكثر من جهة : أولاً : أن الظهور الأولي للروايات يقتضي حدوث الكسوف بالنسبة إلى ساكني الأرض ، لا بالنسبة إلى من في القمر او المريخ . غير أنه يمكن الإستغناء عن هذا الظهور ، من زاوية أن ظهورها في أن الإنسان هو الذي يرى هاتين الواقعتين ، وهو أمر لا يختلف فيه الحال بين الأرض والمريخ ، ما دام الإنسان هو المشاهد . ثانياً : إن الظهور الأولي للروايات يقتضي حدوث هاتين العلامتين في شهر واحد ،هو شهر رمضان ، وهذا مما لم يتحقق في الخارج . ثالثاً: إن الظهور الواضح لهذه الروايات – كما قلنا – يقتضي قرب هذه الوقائع إلى اليوم الموعود ، فإذا كان قد حدث أحدالأمرين، إذن فهو لم يحدث قريباً من اليوم الموعود . الأطروحة الثالثة : إن يحدث الكسوف والخسوف بتوسط جرم آخر طارىء في الفضاء صدفة ، من الأجرام التي تعتبر علمياً تائهة في الفضاء ، أو ذات مدار ضخم جداً وغير محدد . فيحجب القمر عن الشمس ، فيحدث الخسوف ، أو يحجب الشمس عن الأرض في وسط الشهر ، فيحدث الكسوف .ومن الواضح أن مرور الجرم الطارىء غير محدد بزمان معين في الشهر . وقد يؤيد ذلك بقوله في أكثر من رواية :أنهما آيتان لم تحدثا منذ هبط آدم (ع) . فلعل جرماً ما قد اوجد هذه الظاهرة فبل وجود البشرية . ثم يكون وقت مروره بالمجموعة الشمسية منوطاً بتاريخ معين يصادف قبل ظهور المهدي بقليل. وهذه الأطروحة لا ترد عليها المناقشة الأولى للأطروحة السابقة ، لفرض أنها ترى من الأرض . وأما المناقشة الثانية : فمن حيث حصول الواقعتين في شهر واحد ، أمر لا غبار عليه ، إذا التفتنا إلى أن جرماً واحداً هو الذي يعمل كلا العملين .فإن المذنب وأمثاله إذا ظهر قريباً من الأرض لا يختفي عادة لليلة واحدة ، بل يبقى مدة من الزمن حتى ينتهي عبوره فضاء المجموعة الشمسية ، فيمكن أن يحدث خلال وجوده كلا هذين الأمرين .
صفحة (120)
وأما حدوث ذلك في شهر رمضان دون غيره ،فهذا على تقدير ثبوته ، لا بد من إيكال علمه إلى أهله .وسيأتي ما يوحه فيما يلي : الأطروحة الرابعة : أن يحدث الكسوف و الخسوف بتوسط جرم آخر طارىء ، ولكنه من الأجرام المنطلقة من الأرض لبعض الغراض العلمية أو الحربية .إذ لعل البشرية تتطور حتى تصل إلى المستوى الذي يؤهلها لإطلاق الأجرام الضخمة المنتجة لمثل هذه النتائج الكبيرة . وقد يرد في الذهن : أنه كان ذلك بفعل البشر ،فكيف يكون ذلك علامة على اليوم الموعود . وجوابه من عدة وجوه : أولاً : لعل البشر يطلقون الجرم لا لأجل إحداث الكسوف والخسوف ، بالغرض آخر ، فيترتب عليه من حيث لا يعلمون . فإذا كان من الضروري أن تكون العلامة قهرية الوقوع ، فهذه بمنزلة العامة القهرية. ثانياً : أن البشر لو كانوا ملتفتين إلى إمكان حدوث الخسوف والكسوف من إطلاق الجرم ، إلا أن الذين يطلقونها لا يحملون عن المهدي (ع) وعلامات ظهوره أية فكرة ، فتكون هذه العملية بالنسة إلى فكرة علاميتها كالقهرية . ثالثاً : أن البشر الذين يطلقون الجرم حتى او التفتوا إلى فكرة العلامية ، إلا أنهم لا يمكن أن يطلقونه إلا بعد بلوغهم مستوى (مدنياً) معيناً ، فمن الممكن أن تكون العلامة في الواقع هو هذا المستوى المدني العلمي وإنما ذكرت الروايات وجود الكسوف والخسوف للإشارة إليه . بشكل لا ينافي المستوى الفكري العام لعصر صدور الأخبار . وأما ورود المناقشات التي أوردناها عن الأطروحة الثانية ، فهو غير مهم ،كما هو واضح لمن يفكر ، سوى حصول ذلك في شهر رمضان وهو ما سيأتي إيضاحه . وقد يخطر في الذهن: أن الروايات دالة على حدوث هاتين الواقعتين قبل وجود البشرية ، فكيف ينسجم ذلك مع هذه الأطروحة . وجوابه واضح من زاوية ان الروايات لم تدل على أكثر من عدم حصوله خلال عمر البشرية (منذ هبط آدم (ع)) واما حصوله قبل ذلك ، فليس لها ظهور تام في ذلك . وإن كانت مشعرة به قليلاً ، ويمكن الإستغناء عن هذا الإشعار مع تأكد هذه الأطروحة .
صفحة (121)
فهذه جملة من الأطروحات الطبيعية أعني حدوث هاتين العلامتين بشكل غير خارق لنظام الطبيعة ، وهناك بعض الأطروحات الأخرى منها ما هو مبتنٍ على النظرية النسبية ، لا حاجة إلى التطويل بذكرها . ويرد على هذه الأطروحة إشكال مشترك هو ما أشرنا إليه من التوقيت سواء منه التوقيت بشهر رمضان أو بقرب الظهور . فإنهما معاً قد يستشكل بعدم انسجامهما مع الحدوث الطبيعي لهاتين الواقعتين بأي أطروحة كان . ويمكن الجواب على هذا الإيراد من اكثرمن وجه واحد نذكر منها ما يلي : الوجه الأول : الطعن بصحة هذا التوقيت .والإلتزام بأن اقصى ما يثبت هو وجود هاتين الواقعتين قي غير أوانهما الطبيعي من الشهر ، فإن هذا المعنى تسالمت عليه الروايات ، وأما غير ذلك من الصفات فهم مما استقلت به البعض دون البعض . فلا يكون له الإثبات التاريخي الكافي . فلا يكون هذا الإشكال المشترك وارداً. إلا أن هذا الوجه لا يتم في بعض الصفات الأساسية كحدوث الواقعتين قرب الظهور .. وإن صح الإستغناء عن بعض الصفات الأخرى . الوجه الثاني : أننا إذا سلمنا بثبوت التوقيت ، لا يبق من إشكال إلا في اصل جعلها علامة على الظهور ، مع أنها حوادث مستقبلة ، وهي مما لا يمكن الإطلاع عليها من قبل أحد .وهذا ما سبق أن ناقشناه في الكتاب السابق(1) . ومع ارتفاعه وتسليم إمكان التنبؤ بالمستقبل من قبل قادة الإسلام المعصومين (ع) ، وتسليم ثبوت هذه الصفات – كما قلنا - ... لايبقى لهذا الإشكال مجال . الأطروحة الخامسة : أن يحدث هذا الخسوف و الكسوف على نحو الإعجاز ، بخرق نواميس الطبيعة . وقد تؤيد هذه الأطروحة ببعض القرائن المؤيدة : القرينة الأولى : قوله في اكثر من رواية :أنهما آيتان لم تحدثا منذ أن هبط آدم (ع) إلى الأرض ....إذ لو كانت هذه الحوادث طبيعية لحدثت خلال وجود البشرية أكثر من مرة .
(1) تاريخ الغيبة الكبرى ص532.
إلا أن هذه القرينة لا تتم مع ثبوت إحدى الأطروحتين الأخيرتين بل مع مجرد احتمالهما ، فإنهما يعطيان التبرير (الطبيعي) لعدم حدوث هذه الوقائع خلال عمر البشرية ، فلا ينحصر أن يكون هذا إعجازياً . القرينة الثانية : إن إعجازية هذه الوقائع هي المناسبة مع جعلها علامة للظهور ومنبهة للمخلصين الممحصين .وأما مع وجودها وجوداً طبيعياً ، فتضعف فكرة جعلاها علامة إلى حد كبير . وهذه القرينة أيضاً قاصرة ، لأنها تتضمن غفلة عن معنى جعل العلامة ، الذ يسبق أن ذكرناه في التاريخ السابق(1) وعرفنا هناك أن السر الأساسي فيه ليس منطلقاً من الاعجاز ، بل من الإخبار نفسه ، حيث يختار قادة الإسلام (ع) شيئاً مهما ً ملفتاً للنظر فيخبرون به مرتبطاً بالظهور .حتى ما إذا وقعت الحادثة ثبت عند الجيل المعاصر لها صدق الإخبار عنها بالوجدان فيثبت بالوجدان أيضاً صدق ما ارتبط بها في الرواية ، وهو أصل الظهور إن كانت علامة مطلقة ، او قربه إن كانت علامة قريبة . وأضفنا هناك : ومن هنا لا معنى لكون بعض هذه الحوادث علامة ، إلا إذا ورد في الروايات ذكره ، وجعل منها علامة على الظهور . أقول فالأساس في ذلك هو الإخبار لا الإعجاز ، وما دام الإخبار موجوداً وكافياً للإثبات التاريخي ، لا يكون حدوثها (الطبيعي) ، مخلاً بفكرة جعلها علامة . هذا وينبغي الإلماع إلى أن في هذه الأطروحة الأعجازية ، نقطة ضعف ونقطة قوة ، بالنسبة إلى (قانون المعجزات) . فهي موافقة له من زاوية كون هذه الوقائع واقعة في طريق الهداية ، كما أسلفنا في التاريخ السابق(2) .وهذه نقطة قوته .ولكنها مخالفة له باعتبار عدم انحصار طريق الهداية بها ، ولا أقل من الشك في ذلك ، ومعه لا تكون موافقة مع هذا القانون من جميع جهاته فلا تكون صحيحة فإذا انحصر الأمر بالأطروحة الإعجازية ، كان اللازم رفض الأخبار الدالة عليها ، لإننا عرفنا عدم الإنحصار بها ، ومعه يتبين رفض هذه الأطروحة والحفاظ على الأخبار مع حملها على إحدى الأطروحات الطبيعية .
صفحة (123)
(1) انظر ص529 وما بعدها . (2) انظر تاريخ الغيبة الكبرى ص575.
|
||||
|
|||||