|
|||||
|
لا بد لنا – في هذا الصدد – أن ناخذ بنظر الإعتبار ، عدة أمور : الأمر الأول :أننا سرنا في التاريخ السابق (1) على اسلوب معين في فهم غالب الحوادث الواردة في الأخبار، وهو أسلوب الحمل على الرمزية ، لوجود الإطمئنان في كثير من الأحيان ، بأن المداليل اللفظية للأخبار الناقلة لهذه الحوادث غير مقصودة .وإنما المقصود من ورائها الإشارة إلى حوادث اجتماعية مما قد يتمخض عنها التخطيط السابق على الظهور .وإنما صيغت بأسلوب الرمز لمصالح معينة ... لعل من أهمها : أولاً : عدم الموافقة بهذه الحوادث مع المستوى الفكري للعصر الذي صدرت فيه هذه الأخبار . ثانياً : أنه لو صرح بهذه الحوادث وشرحت بوضوح ، لأمكن استغلالها واتخاذ مواقف سيئة منها ، بنحو يخل بالتخطيط الإلهي العام . ثالثاً :إن مؤدى جملة كبيرة من الأخبار الناقلة للحوادث ، ظاهر بأنها تحصل عن طريق إعجازي غير طبيعي، بشكل يكون منافياً مع قانون المعجزات الذي برهنا على صحته . فيدور الأمر بين طرح الحديث أساساً وبين حملة الرمز، وقلنا هناك(2) بأن الحمل على الرمز أولى من الطرح ، وخاصة فيما إذا كانت الحادثة منقولة بأخبار كثيرة ، صالحة للإثبات التاريخي ، ولا يمكن طرحها . وهنا نواجه هذه النقاط مرة أخرى ، وبشكل وآخر ، في الأخبار الناقلة لحوادث ما بعد الظهور، مع وجود اختلافين أحدهما نقطة قوة والأخرى نقطة ضعف .
صفحة (113)
(1) انظر – مثلاً- ص212 منه. (2) ص217 وما بعدها.
الإختلاف الأول : الذي يمثل نقطة القوة وهو أننا هنا لن نواجه العقبة التي قلناها في تمهيد هذا التاريخ ، وهي أننا لا نستطيع التعرف على العمق الحقيقي للحادثة أو لمجموع الحوادث ، وذلك :لأن ذلك إنما يصدق على حوادث ما بعد الظهور .وأما ما يكون موجوداً قبل الظهور ، كما هو شأن العلامات التي نتحدث عنها في هذا الفصل ، فاستيعاب فهمه متير إلى حد كبير . الإخنلاف الثاني : الذي يمثل نقطة الضعف ، ينطلق من صعوبة اختيار المعنى المرموز إليه ، في الموارد التي نحتاج فيها إلى ذلك ، فإنه بعد أن يتبرهن الحمل على الرمزية ، قد لا يتعين المعنى المشار إليه بالرمز . ولعله من الممكن انطباقه على أكثر من مفهوم أو عدة وقائع . ومع وجود هذه المصاعب ، قد لا يتعذر الإطلاع على المعنى المرموز إليه .إذ وجدت من القرائن والمثبتات حوله ما يكفي .ولكن مع تعذر ذلك لا بد أن نبني البحث على أسلوب الأطروحات بمعنى عرض أقرب المعاني المحتملة إلى الواقع وإلى القواعد العامة ، وقد لا يكون المعنى المحتمل بلحاظ ذلك أكثر من معنى واحد ، فيتعين ، وإن كان لايعدو كونه (اطروحة) باعتباره معنى محتملاً. وتوجد هناك صعوبة أخرى ، قد نواجهها في فهم بعض الأخبار وهي أننا نجهل ما هو الرمزي من ألفاظ الروايات مما هو صريح ، فهل كل ألفاظها رمزية أو يوجد بعضها ما يمكن حمله على معناه الصريح .وهل يمكن التبعيض في ألفاظ الحديث الواحد؟ وهل نحن محتاجون إلى هذه الرواية ، للحمل على الرمز أو لا ؟ أما من حيث أسس ذلك ، وهي إمكان التبعيض في ألفاظ الحديث الواحد فالصحيح المطابق للفهم العام في الكلام ، أن ذلك ممكن إذا لم يكن مجموع الفهم من ألفاظ الحديث متنافراً ، بمعنى ضرورة الإنسجام بين المعاني التي فهمناها سواء الصريح منها والرمزي . وأما الحاجة إلى الرمزية وعدمه ، فهو ما سبق أن بحثناه في التاريخ السابق(2) وخلاصته عدم إمكان الحمل على الرمز مع إمكان فهم المعنى اللفظي المطابقي نفسه . مع إمكان الحمل على المجاز والكناية ، إذ مع إمكانه لا حاجة إلى الرمز.
(1) تاريخ الغيبة الكبرى ص218 وما بعدها .
إنطلاقاً من هذه الأسس سنقوم بتذليل هذه الصعوبة : أعني تعيين الرمز من الصريح من الألفاظ ، عن طريق (القواعد العامة) ودلالة الأخبار الأخرى أولاً ، فإن تعذر ذلك ، كان أسلوب (الأطروحات) كفيلاً بتذليل هذه المشكلة ، لأننا حين نعرض الأطروحة المعينة القريبة إلى الذهن ، سنعرف بطبيعة الحال ما يدل عليها من الأخبار بنحو الرمز ، وما يدل عليها بنحو الصراحة . الأمر الثاني :- من التمهيد - : في تمحيص ما ورد من الحوادث . يمكن تقسيم هذه الحوادث من حيث إعرابها عن المعجزات إلى قسمين : القسم الأول : ما كان بدلالته اللفظية ، أو بعد حمله على الرمزية ، دالاً على حوادث غير إعجازية ، اجتماعية أو طبيعية . القسم الثاني : ما كان دالاً على حوادث إعجازية ، بشكل واضح ، لا يمكن صرفه عنها . ويختص القسم الثاني بتحفظين لا حاجة إليهما في القسم الأول : التحفظ الأول : إن هذا القسم مربوط بقانون المعجزات ، فما كان منه منسجماً معه أمكن الأخذ به لو تم فيه التحفظ الثاني الآتي ... وما لم يكن منسجماً معه ، فلا بد من رفضه على كل حال . التحفظ الثاني : إن القسم الأول يمكن قبول حدوثه مع الإنسجام مع المنهج العام الذي قلناه في هذا التمهيد العام لهذا التاريخ ... في حين أن القسم الثاني يحتاج إلى درجة أعلى من التشدد في القبول ، كما عملنا عليه في التاريخ السابق(1) . ففي الوقت الذي قبلنا فيه الخبر الموثوق الواحد المجرد عن القرائن المثبتة في التمهيد... لم نكن قد قبلناه في التاريخ السابق ، ولا نستطيع قبوله في اخبار القسم الثاني المتكفل لنقل أخبار المعجزات ، باعتبار ما فينقلها من مظنة الخطأ والدس ، كما سبق أن عرضناه في التاريخ السابق(2)، فنقتصر فيه على قبول الخبر المستفيض أو المحفوف بالقرائن الموافقة . الأمر الثالث : سبق منا في التاريخ السابق(3) أن ذكرنا حوادث ما قبل الظهور، مفصلة وعرفنا ما حدث منها وما لم يحدث .وما هو محمول على الرمزية وما ليس كذلك ، وعرفنا هناك خصائص كثيرة لا حاجة إلى تكرارها في هذا التاريخ .
(1) تاريخ الغيبة الكبرى ص208 . (2) المصدر ص204. (3) المصدر فصل الأخبار الدالة على التنبؤ بالمستقبل ص280 وفصل علامات الظهور ص521.
ومع تجنب التكرار في هذا التاريخ ، والإستغناء عن ذكر الحوادث البعيدة أو المحتملة البعد عن يوم الظهور ، يبقى عل هذا الفصل أربعة مهام : المهمة الأولى: التعرض إلى بعض العلامات التي لم تكن قد ذكرت في التاريخ السابق ، مع محاولة تمحيصها، وإعطائها الفهم اللازم . المهمة الثانية : محاولة إثبات بعض العلامات التي سبق ذكرها ، طبقاً لتغيير المنهج في الإثبات التاريخي ، كما سبق أن أوضحنا في التمهيد. المهمة الثالثة : محاولة إعطاء فهم جديد لبعض العلامات القريبة التي لم تكن قد أخذت حظها الكافي من البحث في التاريخ السابق ... أو عرض جوانب جديدة منها ، لم تكن قد عرضت هناك . المهمة الرابعة : محاولة ضبط التسلسل التاريخي للحوادث مهما أمكن ، وهذا ما لم نتوفر عليه في التاريخ السابق ، في حين يكون استنتاجه مهماً في هذا التاريخ . وإذا تمت هذه المهام ، فسيكون هناك فرق أساسي كبير بين بحث التاريخ السابق ، وبين هذا الباب ، كما سوف يظهر عند الدخول في التفاصيل . وعلى أي حال ، فتنقسم هذه الحوادث ، أعني القريبة إلى الظهور ، إلى قسمين رئيسين : الأول : الظواهر الطبيعية أو السماوية التي لا تمت إلى اختيار الناس بصلة . الثاني: الظواهر الإجتماعية التي تعود إلى تصرفات الناس ، وما يعود إلى الحوادث التي تحصل للأمة الإسلامية بين آونة وأخرى . وينبغي أن يقع الحديث عن القسم الأول سابقاً على الحديث عن القسم الثاني لأجل أن تتصل حوادث القسم الثاني بما بعدها من التاريخ ، حفظاً للتسلسل الزماني لها ، وسنتحدث عن كل قسم في فصل مستقل . صفحة (116) |
||||
|
|||||