النقطة السادسة : نقص الإخلاص وقوة الإرادة لدى الأعم الأغلب من المسلمن فإن غاية ما تمخض عنه التخطيط الإلهي الأول ، هو وجود الإخلاص العميق لدى جماعة من المسلمين ، ولم يؤثر – بطبيعة الحال- نفس الأثر في مجموعهم كيف وإن الأرض امتلأت ظلماً وجوراً .

فهذه أهم نقاط الضعف  من الناحية الدينية ، التي يزخر بها المجتمع الدي يواجهه المهدي (ع ) لأول وهلة . وهي النقاط الأهم تأثيراً في بناء الدولة العالمية ، باعتبار ما عرفناه ، من أن الإسلام هو الأطروحة العادلة الكاملة التي يقوم الإمام المهدي (ع) بتطبيقها ، والأمة الإسلامية هي الأمة الرائدة في خضم  تلك الجهود البانية للدولة . فأي صعوبة في هذه الأمة تعني الصعوبة في نيل الهدف أيضاً .

وأما الصعوبات (الدنيوية) لو صح هذا التعبير ، وأعني بها الصعوبات  ونقاط الضعف الموجودة في الإتجاهات غير الدينية ، وما انتجته النادية والعلمانية من ويلات في العالم فهي أكثر من أن تذكر او تحصر.

وإذ يواجه نظام الإمام المهدي (ع) كل هذه المصاعب ، سيكون مسؤولاً عن اتخاذ الخطوات الحاسمة اللازمة لحل كل مشكلة وتذليل كل عقبة ، وسيكون على مستوى المسؤولية بعد أن كان متدرعاً بالسلاح  ومتذرعاً بالإخلاص ، ومنطلقاً من الأطروحة العادلة الكاملة ، ومتصفاً بصفات شخصية عليا ، حاولنا أن نحمل عنها فكرة في التاريخ السابق (1) الأمر الذي قلنا أنه ييسر له القيادة والتطبيق العادل في اليوم الموعود .

 الجهة الثانية : يستهدف هذا التخطيط الثاني ، الكمال الإنساني الأعلى للبشر، في الحدود الممكنة له على هذه الأرض ، فهو يوفر الأرضية الكافية لتكامل الإنسان إلى غاية ما يمكن أن يحصل عليه من الكمال ... حتى يكون بالتدريج البطيء في إمكان الفرد أن يكون معصوماً ، وأن يتكامل في عصمته(2).


صفحة (102)
   
ــــــــــــــــــ

(1) انظر : من صفحة 504 إلى ص520.

(2) أعني من العصمة ما يسمى ب(العصمة غير الواجبة) وهي التي ينعدم فيها احتمال الظلم والعصيان دون الخطأ والنسيان . وسيأتي إيضاحه في الكتاب الآتي ،وأما التكامل فيما بعد العصمة فقد برهنا ممن التاريخ السابق على إمكانه .

 

وليس معنى ذلك أن البشر جميعاً يكونون لأول وهلة ، على هذا المستوى العالي .بل معناه توفير الطريق لأن ينال كل فرد من هذا الهدف بمقدار قابلياته الشخصية ، وبمقدار ما يؤدي من إطاعة وتضحيات في سبيل الحق والعدل .

وهو من هذه الناحية يشبه ما رايناه في التخطيط السابق على الظهور .فإنه كان يستهدف – فيما يستهدف إليه - تعميق الثقافة الإسلامية في الأمة(1) وتقوية الإرادة الإيمانية تجاه المشاكل .وقد راينا كيف يأخذ الناس من هذه الأهداف بمقدار قابلياتهم ومقدار ما يؤدونه من تضحيات ، وكيف ينتج هذا التخطيط تكاملهم التدريجي البطيء.

غير أن هذا التخطيط الجديد يختلف عن سابقه في نتيجته ، فإنه بينما رأينا في التخطيط السابق أنه لم يتصف بالنجاح الحقيقي خلاله إلا عدد قليل نسبياً . فإن هذا التخطيط الجديد سيشمل بالنجاح أكثر الأفراد ، وسيصل في المدى البعيد كل الأفراد إلى المستوى المطلوب ، بالتدريج البطيء.

وسيأتي في مستقبل هذا البحث أن المجتمع البشري ، نتيجة للتدابير الآتية التي تضعها الدولة العالمية ، سيمر بمرحلتين من العصمة :

المرحلة الأولى : أن يكون الأفراد غير معصومين ولكن الرأي العام المتفق عليه بينهم معصوماً .وقد أشرنا في التاريخ السابق(2) إلى ذلك مختصراً . وسيأتي في مستقبل البحث ما يزيده أيضاحاً .

المرحلة الثانية :أن يكون كل الأفراد معصومين ... بتلك العصمة القائمة على أساس العدل الكامل مفاهيمياً وتشريعياً ، الذي كان ولا زال - في تلك الفترة - مطبقاً منذ عهد بعيد . وسيأتي ما يوضح ذلك أيضاً .

الجهة الثالثة : في التعرف على تفاصيل التخطيط الإلهي  العام لما بعد الظهور وأسسه العامة بمقدار الإمكان. تلك التفاصيل والأسس التي يمكنها أن تحول المجتمع الذي عرفنا نقاط ضعفه في الجهة الأولى ، إلى الصفات الكبرى التي حملنا عنها فكرة كافية في الجهة الثانية .


صفحة (103)
   
ــــــــــــــــــ

(1) يسير هذا العمق إلى جنب الشعور الديني ..ومن هنا لم يكن وجود هذا العمق في الثقافة الإسلامية لدى عدد كبيرفي الأمة ، منافياً مع وجود الضحالة من هذه الجهة لدى عدد كبير  أيضاً ، كما أشرنا غير بعيد ، في النقطة الثالثة من نقاط الضعف .

(2) تاريخ الغيبة الكبرى ص481.