|
|||||
|
الفصل الخامس
كما يوجد لعصر ما قبل الظهور تخطيطه العام ، وهو الذي شرحناه مفصلاً في التاريخ السابق ، يوجد لعصر ما بعد الظهور تخطيطه أيضاً . وهذا القسم هو محل الحديث الآن ، فأن التخطيط الإلهي العام لتكامل البشرية ، لا يكون منقطعاً بحصول نتيجة التخطيط السابق ، بل يكون مواكباً مع البشرية إلى نهايتها بمقدار استحقاقها في وضعها العادل الجديد .... وسيهدف عندئذ نتيجة أبعد تمت إلى عميق العدل والتربية البشرية بصلة . فهذا التخطيط وهو الإمتداد الطبيعي السابق ، والموافق – أيضاً – للموازين الثايتة في الفلسفة الإسلامية القائلة : بأن الله تعالى يفيض نعمة الكمال على كل موجود بقدر استحقاقه ،فإذا كانت درجته من الكمال دانية كان استحقاقه منحصراً في الرتبة الكمالية التي فوقها مباشرة .وإذا كانت درجة الموجود عالية في الكمال ، كان استحقاقه لدرجة أعلى من الكمال متحققاً ، والله تعالى كريم مطلق فيفيض عليه الكمال الجديد .فإنه سيستحق رتبة أخرى ، وهكذا يسير في طريق الكمال اللانهائي . وإذا طبقنا ذلك محل الكلام ، نقول : إن البشرية بعد اجتماع شرائط الظهور ، طبقاً للتخطيط السابق . تكون مستحقة لدرجة جديدة من الكمال وهو تطبيق العدل الكامل فيها ، بواسطة ظهور المهدي (ع) . وبتطبيق العدل تكون البشرية قد بلغت درجة أعلى من الكمال تستحق بعدها درجة أعلى وهو عمق هذا العدل وترسخه ، إلى أن تصل إلى استحقاق صفة " العصمة " حيث يوجد المجتمع المعصوم كما سوف نشير في مستقبل البحث .
صفحة (93)
إلا أن انتاج هذا التخطيط لنتائجه النهائية منوط ببقاء البشرية مدة كافية من الدهر لكي تتربى على عمق العدل ورسوخه ولكي نصل في نهاية المطاف إلى الكمال الإنساني الأعلى .وأما إذا انتهت حياة البشرية جميعها وقامت القيامة خلال زمن قصير ينسد باب الترقي و التكامل بطبيعة الحال . ومن هنا ينفتح احتمالان : الإحتمال الأول : قصرعمر البشرية بعد الظهور ، وتحقق اليوم الموعود . الإحتمال الثاني : بقاء البشرية لفترة طويلة من الدهر بعد ذلك . ولكل من الإحتمالين مرجحاته، على ما سنذكر – على حين لم يكن للإحتمال الأول وجود في التخطيط السابق. باعتبار ضرورة انتاجه لليوم الموعود . وذلك لأكثر من دليل : الدليل الأول : كونه وعداً إلهياً . والله لا يخلف الميعاد .وذلك في قوله عز وجل :" وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ،وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم..."(1) الدليل الثاني: كونه غرضاً أصلياً في خلق البشرية ، ومن المستحيل أن يزول الشيء من الكون قبل أن يستوفي غرضه . وقد سبق في التاريخ السابق(2) أن برهنا على كونه غرضاً .وسيأتي في الكتاب الآتي تركيزه بشكل أوسع وأعمق . وهذا هو الذي اشارت إليه الأخبار من الفريقين . فمنها : ما أخرجه النعماني في الغيبة(3) بسنده إلى أبي هاشم الجعفري ، قال : كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا (ع) ، فجرى ذكر السفياني ، وما جاء في الرواية من أن أمره المحتوم . فقلت لأبي جعفر (ع) : هل يبدو لله في المحتوم . قال : نعم .قلنا له : فنخاف أن بدو في القائم . فقال : إن القائم من الميعاد ، والله لا يخالف الميعاد .
(3) ص142. |
||||
|
|||||