|
||
|
الصعوبة الأولى : قيام الأخبار الناقلة لحوادث المستقبل ، على الرمزية في كثير من أساليبها ونقاط عرضها ، وخاصة فيما يعود إلى شخص المهدي (ع) كقوله في بعض الروايات الآتية " إذا هز رأسه أضاء له ما بين المشرق والمغرب " وأنه " يضع يده على رؤوس الأنام فيجمع أحلامها " وإن " رايته ليست من قطن و لا كتان وإنما هي ورقة من اوراق الجنة " و غير ذلك من التعبيرات . ويراد بها حقائق إسلامية واعية لكنها لم تستعمل المداليل الإعتيادية للألفاظ . وإنما استعملت الرمزية التي عرفناها في تاريخ الغيبة الكبرى(1). الصعوبة الثانية : تعمد الإجمال في الروايات والسكوت عن بعض ما سيحدث من الأعمال والأقوال … بشكل يبدو بوضوح إرادة المتكلم حذف بعض الحقائق التي لا يجد مصلحة في التصريح بها . كسكوت بعض الروايات عن ذكر مضمون خطبة المهدي في المسجد الحرام أول ظهوره ، وسكوت الروايات عن مضمون خطبته في مسجد الكوفة عند وروده العراق. وسكوتها عن كثير من نصائحه واساليب امتحانه لأصحابه . بل يقتصر على القول : وأنا أعلم بما يقوله لهم . وإما ماذا يقول لهم ، فهذا مما لا سبيل إليه . ومثله ما ورد في عدد من الروايات عن أصحاب المهدي (ع) : وأنا أعرف أسمائهم وأسماء أبائهم ...ولكنه لا يسمي واحداً بالمرة .
الصعوبة الثالثة : وجود
الفجوات الضخمة فيما ينقل من الروايات ، وعدم انحفاظ تسلسل الحوادث بأي حال
. وهذا ما كان يبدو مثله في ما سمعناه من التواريخ السابقة ، إلا أنه في هذا
التاريخ أشد تركيزاً ووضوحاً . فانحفاظ التسلسل الزمني للعديد من الحوادث
،
يكاد يكون متعذراً . كما أن كثيراً من مهمات الأعمال التي سيقام بها بعد الظهور
محذوفة بالمرة . ومن الملاحظ أنه كلما تقدم الزمن مبتعداً قلّت الحوادث
المنقولة ، وازدادت الفجوات ، مضافاً إلى ازدياد الرمزية والإجمال أيضاً .
ــــــــــــــــــ فبالنسبة إلى الصعوبة التي نتحدث عنها ، نلاحظ أن الحوادث الواقعة قبل الظهور بقليل أو بعده بقليل ، منقولة ومتوفرة إلى حد كبير . وأما في الفترة اللاحقة لذلك ، فليس هناك إلا حوادث متفرقة ولمام من الأقوال من دون ترتيب أو تعيين . وإذا ازداد البعد وتوجه النظر - مثلاً - إلى حادثة موته أو قتله وإلى من يخلفه بعده ، كانت الروايات نادرة إلى حد كبير. وهذه الصعوبات الثلاثة أمور راهنة تعمدها النبي (ص) والأئمة (ع) في حديثهم عن المهدي (ع) لعدة أسباب ، أهمها : وجود الفجوات الثقافية والفكرية الواسعة بين عصر صدور الروايات والعصر الذي تتحدث عنه الروايات ، من حيث أن تطور الفكر الإسلامي وتعمقه خلال القرون المتطاولة التي يعيشها ما بين هذين العصرين ، وتطوره المتزايد على يد القائد المهدي (ع) ... جعل من المتعذر على سامعي هذه الأحاديث في عصر المعصومين عليهم السلام فهم واستيعاب ما قد يقع من أعمال وأقوال في العصر المؤرخ له . ومن هنا كان من المصلحة سكوت المعصومين عن التصريح بها أساساً ، وفقاً لقانون : كلم الناس على قدر عقولهم . الصعوبة الرابعة : اتخاذ الروايات مساراً معيناً من التفكير ، بحسب المذهب الإسلامي الذي تتبناه . والحديث عن ذلك ، يتشعب إلى شعبتين ، باعتبار ما ورد من الأخبار في مصادر العامة تارة ، وما ورد من الأخبار في المصادر الخاصة أخرى . الشعبة الأولى: في الأخبار الواردة من مصادر العامة من أخواننا أهل السنة والجماعة ، كالصحاح الستة وغيرها. فإن هذه الأخبار التي تتضمن التنبؤ بحوادث المستقبل ، من هذه المصادر ، تنقسم إلى أربعة أقسام . وما يفيدنا - كما سنعرف – هو أشدها اختصاراً وغموضاً. القسم الأول : وهو الذي يمثل المسار العريض والإتجاه الفكري الأهم لهذه الأخبار ، وهو الحديث عن الفتن والملاحم أي الحروب التي تقع خلال التاريخ ، وما ينبغي أن يكون موقف الفرد المسلم منها . ثم الحديث عن الدجال وأوصافه وأفعاله . والحديث عن عيسى بن مريم (ع) ونزوله إلى الأرض وحروبه مع الدجال ومع يأجوج ومأجوج بعد انفتاح السد الذي حبسوا خلفه . ونحو ذلك من المضامين . وهذا هو الذي يمثل الأعمال أغلب من الأخبار الناقلة لحوادث المستقبل وقد سبق أنا ذكرنا وناقشنا في " تاريخ الغيبة الكبرى " ما يعود منها إلى تلك الفترة . وهي لا تمت إلى ( اليوم الموعود) بصلة . وسنذكر في هذا التاريخ ما يعود منها إلى نزول المسيح وبعض الأمور الأخرى .
القسم الثاني : وهو يمثل طائفة مهمة من الأخبار ، وهي الأخبار المثبتة لوجود المهدي (ع) أساساً ،وأنه من ولد فاطمة مع التعرض إلى اسمه وأوصاف جسمه ، وأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً . وهي بمجموعها تزيد على التواتر بكثير ، وتثبت وجود المهدي بالضرورة ... ولكنها لا تنفعنا في تاريخ ما بعد الظهور إلا قليلاً . القسم الثالث : ما يعود إلى شرح نتائج التطبيق الإساتمي الكامل والمصالح الواسعة التي تترتب على العدل الحقيقي ... كالأخبار الدالة على كثرة المال وأنه يبحث الرجل عمن يقبل زكاته فلا يجد ، وبأن الفرات يحسر عن جبل من ذهب ، لو فسرناه بسعة الزراعة وكثرة الخيرات . وهذا القسم لا يذكر في المصادر العامة مقترناً باسم المهدي (ع) وظهوره ، نعم قام البرهان على أن مضمونها لا يمكن أن يتحقق إلا في ذلك العصر ، لعدم توفر التطبيق العالمي الكامل قبله . القسم الرابع : الأخبار المتكلفة لبيان المصالح وبعض النتائج الكبرى التي تترتب على ظهورالمهدي (ع) بنفسه وعنوانه . وهذا القسم وإن لم يرد في الصحاح الستة ، إلا أنه ورد في المصادر الحديثة الأخرى كمسند أحمد ابن حنبل ومستدرك الحاكم وأربعين الحافظ الأصفهاني وغيرها . وأوضح مثال على ذلك : ما ورد في هذه المصادر عن النبي (ص) . بمضمون : تتنعم الأمة في عهده نعمة لم تتنعم مثلها قط ، يرضى عنه ساكن الأرض و ساكن السماء . وما يمت إلى هذا القسم بصلة متوفر في الأخبار ، إلا أنه يقتصر على العموميات ولا يكاد يكون يشكل تاريخاً واضحاً . على أنه – مهما تعدد – فإنه يشكل الجزء الأقل من الأقسام الأربعة ، بالنسبة إلى مجموع المصادر ... كما أن القسم الثالث ، هو الجزء الأقل بالنسبة إلى الصحاح الستة . وسنرى موقفنا من هذه القلة فيما يلي من البحث . الشعبة الثانية : في الأخبار الواردة في مصادر الخاصة ، فيما يمت إلى تاريخ ما بعد الظهور بصلة .
والإتجاه الفكري الذي تتخذه هذ الأخبار ، عادة ، هو الإتجاه الطائفي فالمهدي
(ع) يناقش طبقاً له ويحارب لأجله ويقيم الإمتحانات المعقدة للآخرين على أساسه
. وكأنه ليس في العالم من البشر إلا المسلمين بمذاهبهم المختلفة. |
|