|
|||||
|
وعلى أي حال، فإن الملاحظ أن هذا الخبر غير دال بالمرة على أن سلمان الفارسي من الآخرين الذين لم يلحقوا بهم ، المذكورين في الآية الكريمة ، بل هو دال على العكس ،كما هو واضح لمن يفكر. وأما السؤال عن معنى الآية فقد أعرض النبي (ص) عن جوابه . وعلى أي حال :فما دامت دولة النبي (ص) خالية من العنصرية . إذاً فستكون دولة المهدي (ع) كذلك ، لأنه يستن بسنته ويسير بسيرته .
والذي ينبغي الجزم به أساساً هو النفي المطلق ، وأن شيئاً من الأنظمة الاسبقة على الظهور، لا تصدق على نظام المهدي ولا تشمله . و الدليل الحسي التطبيقي ، سوف لن يظهر ، إلا بعد الظهور، حين يتم تطبيق نظام الإمام المهدي (ع) ودولته العالمية ،ويكون في الإمكان مقارنته بالأنظمة السابقة عليه مقارنة حسية . وهذا لا يتم في العصر الحاضر بطبيعة الحال . ولكننا نستطيع طبقاً للأدلة التالية ، الجزم بأن نظام المهدي (ع) مباين ومغاير تماماً مع أي نظام سابق عليه. وذلك : باعتبار الأدلة التالية : الدليل الأول: أننا عرفنا أن ألإمام المهدي (ع ) سوف يطبق الإسلام وبصفته الأطروحة العادلة الكاملة ....وقد تم البرهان في بحوث الفكر الإسلامي على مغايرة نظام الإسلام لسائر الإنظمة الأخرى .وأنه أطروحة مستقلة لحل مشاكل البشرية لا تمت إلى الحلول الأخرى بصلة . ولا مجال لسرد تلك الأدلة في هذا التاريخ ، بطبيعة الحال ، إلا أنها تنتج بعد التسليم بصحتها مغايرة نظام الإمام المهدي (ع) للأنظمة السابقة عليه ... لأن نظامه هو الإسلام المغاير لتلك الأنظمة .
صفحة (87) الدليل الثاني: إننا ننطلق من فكرة الحديث النبوي المتواتر ، القائل :إن المهدي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ....ننطلق منه إلى النتيجة المطلوبة . فإننا قلنا في تاريخ الغيبة الكبرى(1) أن البشرية عامة والأمة الإسلامية خاصة ، لا بد أن تمر بظروف صعبة وقاسية من الظلم والجور والإنحراف ... لكي تتمخض في نهاية المطاف عن عدد من المخلصين الممحصين يكفي للقيام بمسؤولية الدولة المهدوية ،ونتيجة لتلك الظروف (تمتلىء الأرض ظلماً وجوراً) وبجهود هؤلاء المخلصين تحت قيادة الإمام المهدي (ع) تمتلىء الأرض قسطاً وعدلاً) . وإذا تساءلنا عن أسباب هذه الظروف ، تكشفت لنا خلال التاريخ المعاصر والسابق ، عن سلسلة متصلة ومتواصلة من الأسباب الكبيرة ... التي من أهمها أساليب الحكم الفردي الدكتاتوري التي مورست خلال التاريخ، وجود الكيان الرأسمالي الأوروبي – الأمريكي وما تبعه من الاستعمار بشكليه القديم والحديث .وما لاقى منه العالم بشكل عام والأمة الإسلامية بشكل خاص من بلايا وأضرار وكذلك محاولة فرض الحلول المدعاة لمشاكل العالم على الشعوب عن طريق الغزو الفكري للعالم (2) كما قامت به الشيوعية ، وهي تعلن إيمانها بحق تقريرالمصير للشعوب ، فيبدو موقفها متهافتاً غريباً . ولئن كان الرأي العام العالمي ، قد أحيط علماً بحسب التجربة التاريخية القاسية التي عاشوها بالأضرار الناتجة عن الحكم الفردي والإستعمار الرأسمالي ،فإن الأعوام الآتية كفيلة بكشف ما في النظام الشيوعي من هنات ونقاط ضعف ومنطلقاً من ذلك نستطيع أن نعمم ونقول إن أي نظام وضعي بشري المولد ، موجود قبل الظهور ، يمثل في واقعه أهم أسباب الظلم والإنحراف في العالم ، إن كان بدوره ناتجاً عن ظلم وانحراف سابقيين .... ومعه فستكون المهمة الرئيسية للإمام المهدي (ع) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، أن يقوم بتغيير هذه الأنظمة والقضاء على جذورها وتفاصيلها . الدليل الثالث: إن سائر الأنظمة والقوانين الوضعية قائمة على المادية .وإسقاط العنصر الإلهي عن نظر الإعتبار، إما بالصراحة كالشيوعية والوجودية ، أو بالخفاء كالرأسمالية والفاشية والنازية والقوانين الرومانية والجرمانية ، ومتفرعاتها الحديثة ، فأنها قائمة على أساس دنيوي مادي صرف لا أثرللروح أو لله تعالى فيه .
ــــــــــــــــــ (1) انظر ص246 وما بعدها . (2) بل قامت الشيوعية بالغزو العسكري المباشر ، كما حدث في تشيكوسلوفاكيا عام 1969 وفي انغولا هذا العام أعني 1976.
وقد علمنا أن نظام المهدي (ع) سيقوم على ربط الإنسان بربه وتربيته لجسمه وروحه . والربط بين هذه العناصر ربطاً عادلاً وعميقاً . وستكون كل القوانين المطبقة قوانين إلهية إسلامية . حتى إن المهدي (ع) نفسه إنما يكون واجب الإطاعة باعتباره أحد أئمة المسلمين المخولين من قبل الله تعالى للحكم والتقنين والتطبيق . إذا فسوف لن يكون في دولة المهدي مجال للمادية بشكليها الصريح والخفي وسوف يتم القضاء عليها قضاء تاما ً. الدليل الرابع: الإنطلاق من زاوية أخرى من القواعد التي فهمناها عن فكرة المهدي ... وقد أشرنا إليها في التاريخ السابق .(1) وهي : أن التخطيط الإلهي قائم على اكتساح التمحيص الدقيق للأفراد والمبادىء ، وبذلك ينكشف بشكل حسي مبرهن ومدعم بالتجارب الكثيرة والمريرة، عن فشل كل دعوة تدعي لنفسها حل مشاكل العالم وتذليل مصاعبه، حتى ما إذا انكشفت وبان زيفها ونقاط الضعف فيها وأيست البشرية من أن تضع حلها لنفسها ...انبثق الأمل في أنفسها من جديد إلى حل جديد ونظام جديد ينقذها من وهدتها و يخرجها من ورطتها ،وهذا الأمل إحساس نفسي مجمل لازال في طريق التربية في نفوس البشر، كما هو المحسوس الآن بالوجدان ولا زالت الحوادث وما ينكشف من مساوىء الأنظمة والفلسفات الوضعية تؤيده وتدعمه . وهو أمل مجمل ، لا يشيرعلى التعيين إلى الإسلام أو إلى نظام المهدي (ع) .ولكن الله تعالى يكون قد أعد لخلقه الإنقاذ الحقيقي والعدل الكامل على يد القائد المهدي (ع) ومخلصيه ،فإذا رأت البشرية نظامه وعدله ، فإنها ستؤمن بكل وضوح أفضليته على كل التجارب والمدعيات السابقة التي مرت بها ،وانه الحل الأساسي الذي ينقذها من ورطتها ، وبالتالي هو الصورة الحقيقية لذلك الأمل المجمل .وقد أشير إلى هذا التخطيط في المصادر الخاصة ، في بعض الأخبار ، كالخبر الذي رواه الشيخ المفيد في الإرشاد (2) والطبرسي في أعلام الورى (3) .و الذي يقول فيه : إن دولتنا آخر الدول ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا ، لئلا يقولوا إذا راوا سيرتنا : إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء .وهو قوله تعالى : والعاقبة للمتقين .
صفحة (89) (1) انظر تاريخ الغيبة الكبرى ص249 وما بعدها . (2) انظر ص 344.
(3) انظر ص 432. |
||||
|
|||||