فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع المطر(1). ورواه الترمذي(2) وقال :هذا حديث حسن صحيح .وأخرجه ابن ماجة في سنته (3).

وأخرج ابن ماجة(4) عن عبد الله بن عمر ، قال : قال رسول الله (ص)  : تكون فتنة تستنظف العرب .قتلاها في النار .اللسان فيها أشد من وقع السيف .

وفيه دلالة واضحة على فشل العرب في التمحيص في عصر الفتن والإنحراف خلال الغيبة الكبرى ، وهو ما حدث فعلاً ،وحيث نعلم موقف الإمام المهدي (ع) من كل فاشل في التمحيص .كما سيأتي مفصلاً ، نعرف موقفه من هؤلاء العرب الفاشلين ،

ومنها : ما أخرجه النعماني في الغيبة (5) :

عن أبي بصير ، قال ك قال أبو جعفر(ع) :  يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد  وقضاء جديد . على العرب شديد ، ليس شأنه إلا  السيف ... ولا يأخذه في الله لومة لائم .

وفي حديث آخر (6) عن أبي عبد الله (ع) ، انه قال :

إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف ... الحديث .

إلى غير ذلك من الأحاديث ، الدالة على  أن الميزان الصحيح في نظر القائد المهدي (ع) هو الإيمان والنجاح في التمحيص ، وليس هو اللغة ولا القبلية .فهو لا يميل إلى أهل لغته : العرب ، ولا إلى قبيلته : قريش . بل يأخذهم أخذاً شديداً نحو طاعة الله تعالى ، ويعاقبهم على ما سلف منهم من الذنوب.


صفحة (84)

ــــــــــــــــــ

(1) المصدر والصفحة .      (2) انظر الجامع الصحيح للترمذي ج3 ص325

(3) انظر ج2 ص1305منه. (4) المصدر ص1312

(5) ص122                  (6) المصدر والصفحة.

 

وفي هذه احاديث عديدة ، اقتصرنا منها على مقدار النموذج .

النحو الثاني : ما دل من الأخبار على أن أصحابه الممحصين الخاصين الذين يجتمعون إليه ويحاربون بين يديه . ليسوا من عنصر واحد و بل هم من مختلف بلدان العالم .

فمن ذلك :

ما أخرجه الشيخ في الغيبة(1) عن أبي بصير عن عبد الله يقول فيه عن أبي عبد الله (ع) يقول فيه عن أصحاب القائم (ع ) : فيتوافون من الآفاق ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً وعدة أهل بدر .

اقول : وفيه دلالة على ورودهم إليه من مختلف البلدان في العالم .

وما أخرجه النعماني في غيته(2) بإسناده عن علي (ع) يقول فيه :

ثم يجتمعون قزعاً كقزع الخريف من القبائل ،ما بين الواحد والإثنين والثلاثة والأربعة والخمسة والستة والثمانية والتسعة والعشرة .

أقول : وهو نص في عدم التمييز بين القبائل والأنساب في أصحابه ، وإنما الميزان هو عمق الإخلاص وقوة الإيمان والإرادة .

وأخرج(3)في خبر آخر عن الإمام الباقر (ع) وقال :

أصحاب القائم ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً . من أولاد العجم بعضهم .

أقول : والمراد بالعجم غير العرب لا خصوص الفرس ، كما هو معروف في اللغة .

فليس الميزان هو اللغة أو الدم أو العنصر، وإلا لا يقبل المهدي (ع) القائم في أصحابه إلا العرب ، بل الميزان أمور أخرى اوسع واعمق .

النحو الثالث : ما دل من الأخبار على مشاركة غير العرب في حكم العالم وهداية الناس تحت ظل دولة المهدي (ع) .


صفحة (85)

ــــــــــــــــــ

(1) ص284 وما بعدها .  (2) غيبة النعماني ص168.

(3) المصدر ص170.

 

فمن ذلك : ما رواه النعماني في غيبته بسنده عن الإصبغ بن نباته قال:

سمعت علياً (ع) يقول : كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن ، كما أنزل :

اقول : وهذا إما يحدث في دولة المهدي (ع) لأنهم إنما يعلمون القرآن على أساس معانيه الواقعية ، مأخوذة من الإمام المهدي (ع ) نفسه . واما قبل ذلك فهو متعذر بطبيعة الحال .

المستوى الرابع : في الإستدلال على موقف المهدي (ع) من العنصرية إننا نضم فكرتين اثنتين واضحتين ، تنتجان نتيجة واضحة .

الفكرة الأولى :إن الإمام المهدي (ع) يسير بسيرة النبي (ص) ويطبق منهجه على المجتمع والحياة. وهو ما سبق أن أقمنا عليه الدليل . 

الفكرة الثانية : إن سيرة النبي (ص) في أصحابه ومجتمعه ، كانت بالضرورة على نفي العنصرية وشجبها بكل أشكالها ، وإعلان عقيدة الإسلام  ونظامه عاماً عالمياً لكل الناس .وقد جمع في اصحابه بين عبيد المجتمع وأحراره وبين عربه وعجمه وبين مختلف القبائل، وراسل ملوك العالم في عصره دعوهم إلى الإسلام ، وكلهم لم يكونوا عرباً .وإن أشهر أصحابه من غير العرب سلمان الفارسي وبلال وصهيب الحبشيان ...وهناك الكثير وغيرهم .

وأود بهذه المناسبة أن أروي ما أخرجه الترمذي (1) عن أبي هريرة ، قال :

كنا عند رسول الله (ص) حين أنزلت سورة الجمعة فتلاها .فلما بلغ (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم)(2) قال له رجل : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا .فلم يكلمه .قال : وسلمان الفارسي فينا .

قال: فوضع رسول الله (ص) يده على سلمان ، فقال:والذي نفسي بيده ، لو كان الإيمان بالثريا لتناوله رجل من هؤلاء .

قال الترمذي : هذا حديث حسن . وقد روى من غير وجه عن النبي (ص) .


صفحة (86)

ــــــــــــــــــ

(1) انظر الجامع الصحيح: ج5 ص383.

(2) الجمعة : 62/ 3.