والدعوة إذا كانت عالمية هذا الشكل ، فإنها تكون منافية للعنصرية بالمرة وذلك بعد الإلتفات إلى مجموع أمرين :

الأمرالأول : إن التطبيق الحقيقي للعدل والتربية العادلة ، لا يمكن إتمامه إلا بجو من الإنسجام والتقبل النفسي للفرد والجماعة ، لكي تترسخ القواعد الأساسية والسلوك الصالح في عالم الحياة .وأما مع جو الإنزجار والتأفف والتباعد ، فلا يمكن أن تنال البشرية مثل تلك النتائج الصالحة ، ومن ثم لا يمكن تطبيق العبادة الكاملة على تلك الجماعة فيكون مخلاً بالغرض الأساسي لخلق البشرية .

الأمر الثاني :إن الإعتراف بالعنصرية بأي شكل من أشكالها ، يعني أن العنصر الآخر ، الذي لم يعترف به من البشر ، وقام النظام على الإلتزم  بتسافله وخسته أمام العنصر المفضل، إن هذا العنصر سوف يشعر بالغربة في ذلك النظام وبالتعقيد النفسي والإنزجار والتأفف تجاهه. بطبيعة الحال.

ونحن إذا لاحظنا العالم ككل لم نجد أي عنصر من العناصر التي يتبناها العنصريون يشكل أكرية في العالم ، وإنما يشكل الأقلية على طول الخط . وهذا يعني بكل وضوح ، أن الدولة العالمية لو تبنب أي عنصر من العناصر، وفضلته على غيره ، فإنها تتبنى مصالح الأقلية من شعبها وتعتبر أكثريتهم من الجنس الأخس الأدنى إذاً فستحس الأكثرية بالتعقد والإنزجار تجاه تلك الدولة بحكم كونهم محكومين بالخساسة والتسافل في نظامها. و بالتالي ستتعذر تربيتهم الالحة المطلوبة ، ويكون الغرض من أصل الخليقة متخلفاً وفاشلاً .

وباستحالة تخلف هذا الغرض ، نعرف لزوم كون الدولة العالمية المهدوية سلبية تجاه العناصر البشرية ، وحيادية تجاه التفاضل بينها ، وملغية لها كأساس للتفاضل تماماً ...توصلاً إلى التربية العادلة للبشرية اجمعين

وقد يخطر في الذهن كان الفكر الحديث قد طور مفهوم العنصرية ، فقد أصبحت لا تعني تفضيل عنصر على عنصر ،وإنما كل ما تعنيه هو الإهتمام بمصالح مجموعة معينة مشتركة في اللغة أو الوطن ـ وغير ذلك ، انطلاقاً من اشتراكها بالمصالح والتاريخ والآمال، وهذا لا يتضمن تفضيلاً لأحد .

وجواب ذلك : إنه بغض النظر عن أن هذا التطوير لا يخرج بالفكرة عن التحديد والأنانية ، ومن ثم عن العناصر نفسها ... بغض النظر عن ذلك ، فإنها أوضح بعداً عن الفكرة العالمية المهدوية من  العنصرية نفسها ، لأن المفروض فها أفهتمام بمجموعة معينة لا بمجموع البشر ..ومن الواضح إلى حد الضرورة أن الدولة العالمية تهتم بمصالح و تربية وآمال مجموع البشرلا بمجموعة معينة مهما كانت صفتها .


صفحة (82)


وقد يخطر في الذهن: أن هذا الإتجاه لا يصح في الدولة العالمية ، ولكنها قد تعطي للشعوب أو العناصر المختلفة الإهتمام بصفاتها تلك . من دون أن يكون للحكم المركزي نفسه تركيز على جهة دون جهة .

وجواب ذلك إن هذا غير محتمل أيضاً ، لمخالفة هذا الإتجاه مع العدل الكامل من عدة جهات ، أوضحها ما يحدث بين العناصر المختلفة من التشاحن والتعاقد نتيجة لحرية التفاخر والتركيز العنصري ..الأمر الذي ينافي كل المنافات مع العدل الكامل .

نعم . قد تبقى اتجاهات فردية متفرقة ، ناشئة من (لا شعور ما قبل الظهور) تتضمن الإحساس بأهمية العنصر أو الطبقة ... ولكنها تذوب تدريجياً تحت التربية المركزة والمستمرة التي تقوم بها الدولة العالمية طبقاً للأطروحة العادلة الكاملة .

المستوى الثالث : الإستدلال بما وردنا من الأخبار الدالة على نفي العنصرية وعلى وجود الفكرة المنفتحة والمتعادلة من هذه الناحية في دولة المهدي (ع) .

وهي على أنحاء :

النحو الأول : ما دل على أن حكم المهدي (ع) يكون قاسياً وشديدا على العرب ...باعتبار فشل أكثرهم في التمحيص الإلهي حال الغيبة ، وتقصيرهم تجاه الشريعة الإسلامية . فلو كان الإمام المهدي (ع) عنصرياً لكان يميل إلى أبناء لغته ، على كل حال .

والأخبار بذلك متظافرة لدى الفريقين : فمنها : ما أخرجه البخاري(1) عن زينب بنت جحش،  أنها قالت: استيقظ النبي (ص) من النوم  محمراً وجهه يقول كلا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر قد اقترب ... الحديث .

وتأسف النبي (ص) وتحذيره منصب على انحراف العرب وخروجهم على شريعته بقرينة الحديث الذي يليه ، والذي يقول فيه .

 

صفحة (83)
ــــــــــــــــــ

(1) انظر صحيح البخاري ج9 ص60