وقال عزوجل : " وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن اكثر الناس لا يعلمون "(1).

وقد أعطى الإسلام للتفاضل أسساً جديدة ، لا تمت إلى أي شكل من أشكال العنصرية بصلة . وهي ثلاثة :

الأساس الأول : العلم . قال الله سبحانه :" قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون .إنما يتذكر أولوا الألباب "(2) .

الأساس الثاني : التقوى : قال تعالى " إن أكرمكم عند الله اتقاكم "(3) ويدل عليه الحديث النبوي الشريف السابق أيضاً .

الأساس الثالث : الجهاد : قال الله تعالى :" لايستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً درجات منه ومغفرة ورحمة ،وكان الله غفوراً رحيماً"(4) .

هذا بعد التساوي بالإسلام وحسن العقيدة والتطبيق بطبيعة الحال. ولا يبقى ذلك في الإسلام أي تفاضل. وإنما الناس سواسية كأسنان المشط ، تجاه عدله الكامل ... يكون العظيم عنده صغيراً حتى يأخذ منه الحق ، والحقير عنده عظيماً حتى يؤخذ  له الحق .

فإذا كان هذا هو الرأي الصريح للإسلام ، وهو الأمر العادل بحكم العقل أيضاً وفطرة الفكر ، كما أشار إليه سبحانه حين قال :" إنما يتذكر أولوا الألباب ".إذاً ، فالمهدي (ع) سوف يسير على ذلك أيدولوجيته العامة ، وتفاصيل تشريعه وقضائه ، وكيف لا ، وهو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ويطبق الأطروحة العادلة الكاملة.

وقد يخطر في الذهن هذا السؤال :إن الإسلام مهما شجب العنصرية ، فإننا نعرف إلى جنب ذلك: أن الإمام المهدي (ع) سيأتي بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد. فلعل فيما يأتي به من الأمور انفاذ العنصرية والإعتراف ببعض حدودها ومعه لا يكون الدليل تاماً.


صفحة (80)

ــــــــــــــــــ

(1) سبأ : 24/ 28 . (2) الزمر: 39 /9.

(3) الحجرات :49/13 .(4) النساء :4/95-96 .

 

 

وجواب ذلك :انه سيأتي في مستقبل البحث –أيضاً – أن ما يعلنه المهدي في دولته ، مهما كان جديداً وعميقاً ومفصلاً ، إلا أنه يتعدى مستوى التطبيقات والتنظيمات للمجتمع الذي يحكمه ، بالشكل الذي لا يكون خارجاً بأي حال على التشريعات والمفاهيم الرئيسية في الإسلام ولا مضاداً لها .ومن الواضح أن شجب العنصرية بكل أشكالها من واضحات الأسلام ونص الكتاب والسنة .إذاً ، فمن غير المحتمل أن يقوم الإمام المهدي (ع) بتغيير ذلك .

المستوى الثاني :إن دعوة المهدي (ع) ودولته عالمية ، كما هو ضروري الوضوح لكل معترف به من المسلمين ، وسيأتي التعرض للنصوص الدالة على ذلك بصراحة .

والدعوة العالمية على طول الخط منافية مع العنصرية .ولذا نرى سائر المبادىء في التاريخ :ممن طمعت بالإستيلاء العقائدي على العالم ، تقف من العنصرية موقفاً ، سلبياً ، وتعتبرها نظرة ضيقة لا ترقى إلى اسلوبها الواسع وأفقها الرحب .

وحيث كانت دعوة المهدي (ع) عالمية ، إذاً ، فهي تنافي العنصرية كأي دعوة عالمية أخرى .بمعنى أنه بمجرد أن يتخذ بعض شعارات العنصرية فإن دائرة دعوته ستكون ضيقة ، وسيتعذر عليه بأي حال ، أن تبقى دعوته عالمية ، وهذا خلاف الضرورة والتواتر عن دعوة المهدي (ع) .وسيخل بتأسيس الدولة العالمية ،وهو خلاف ما استهدفه هذا القائد العظيم في ظهوره والغرض الأساسي الذي وجد التخطيط الإلهي من أجله .

وقد يخطر في الذهن : أن ما دل عليه الدليل القطعي . بالضرورة والتواتر هو استيلاء المهدي (ع) على العالم بأجمعه واتساع رقعته ،وهذا لا ينافي الإعتراف من قبله ببعض أشكال العنصرية .

والجواب على ذلك :أن استيلاء الإمام المهدي (ع) على العالم ، إن كان غزواً عسكرياً مجرداً ، فهذا الذي قاله السائل صحيح .فإن الغزو العسكري المجرد لأجل الحصول على السلطة ، يناسب مع الإعتقاد بالعنصرية ومع رفضها فلا يكون  مجرد الإستيلاء على العالم دليلاً على شجب العنصرية .

إلا أن استيلاء الإمام المهدي (ع) على العالم ليس مجرد غزو عسكري بل هو دعوة عقائدية وأطروحة عادلة يريد نشرها وتطبيقها على البشرية أجمعين و تربية البشر على أساسها تربية صالحة . لتتحقق العبادة المحضة لله عز وجل على وجه الأرض ،كما هو الغرض الأساسي من الخلق ومن اليوم الموعود .


صفحة (81)