هذا مضافاً إلى أشكال مشترك آخر على أكثر من خبر واحد .كالخبر الذي يقول " لا يزاد الأمر إلا شدة ولا الدين إلا إدباراً ولا الناس إلا شحاً ... فإن قارىء هذه الموسوعة ،وخاصة التارخ السابق، يعلم أن هذه هي صفة المجتمع قبل الظهور .

وسيرتفع كل ذلك بالظهور ،مع أن ظهور الخبرين هو أن ذلك باق إلى يوم القيامة .وهو أمر تنفيه كل الدلائل السابقة التي عرفناها.

أضف إلى ذلك معاضة هذه الأخبار ، بما دل على بقاء دولة العدل إلى يوم القيامة .لأن الإنحراف القوي يستدعي لا محالة ،انتقال الحكم إلى المنحرفين مع أن الأخبار تنص على بقاء الدولة مع المؤمنين العادلين .

أخرج الصدوق(1) في إكمال الدين بإسناده عن عبد السلام بن صالح الهروي عن الإمام الرضا (ع) عن آبائه عن النبي (ص) – في حديث طويل ـ قال (ص) :

فنوديت : يا محمد ، أنت عبدي وأنا ربك – ويستمر الحديث إلى ذكر آخر الأئمة الإثني عشر ، المهدي (ع) فيقول :- حتى يعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي ،ثم لأديمن ملكه ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة.

وأخرج النعماني في الغيبة(2) بسنده عن يونس بن رباط ، قال : سمعت أبن عبد الله (ع) يقول:

إن أهل الحق لم يزالوا منذ كانوا في شدة ،أما أن ذلك إلى مدة قريبة وعاقبة طويلة .

وأخرج الشيخ في الغيبة(3) بإسناده عن أبي صادق عن أبي جعفر (ع) قال :

دولتنا آخر الدول، ولم يبق بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا ،لئلا يقولوا ، إذا رأوا سيرتنا : إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء ، وهو قول الله عز وجل : " والعاقبة للمتقين"(4).


صفحة (660)
ـــــــــــــــــ  
 

(1) نسخة مخطوطة.  (2) ص152.

(3) ص282.         (4) 7 /128.

 

وأخرجه المفيد في الإرشاد(1) في ضمن حديث عن علي بن عقبة عن أبيه،وكذلك فعل الطبرسي في الإعلام(2).

فقوله: "ولا داولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة" واضح ببقاء المجتمع برمته مؤمناً إلى نهاية البشرية، وهو ناف بصراحة لفكرة المجتمع الفاسق قبل يوم القيامة.

وكذلك قوله:"دولتنا آخر الدول" فإنه واضح أنه ليس بعد دولة الحق دولة من حين قيامها إلى آخر عمر البشرية .فإذا علمنا أن البشرية لا يمكن أن تخلو من حكومة أو دولة ،وأن المجتمع المنحرف يستدعي انحراف الدولة عادة ، يتعين أن تكون دولة مستمرة في البشرية إلى آخر عمرها.

ومع وجود هذه المناقشات ،تكون تلك الأخبار ساقطة عن إمكان الإثبات التاريخي ،ولا دليل على انه : لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق ،وستأتي في الكتاب التالي مناقشات أخرى قائمة على أسس جديدة .

الجهة الثالثة : إعطاء الفهم المتكامل لهذه الأخبار ، أعني القائلة أنه لا تقوم القيامة إلا على شرار الناس .

فإننا لا يخلو الأمر إما أن نلتزم بمضمون هذه الروايات ،وإما أن ، رفضها. وعلى كلا التقديرين يمكننا أن نربط  تسلسل الفكرة بالنتائج التي توصلنا إليها والمعلومات التي عرفناها فيما سبق .

ومن هنا لا بد أن يقع الكلام في ناحيتين :

الناحية الأولى :

إذا التزمنا بصدق هذه الأخبار، فسيكون تسلسل الفكرة على الشكل التالي : إن التخطيط الإلهي العام لما بعد الظهور، بعد أن ينتج نتيجته الكبرى وهي إيجاد المجتمع المعصوم ،وتنتقل الرئاسة الإسلامية من التعيين إلى الشورى ، يكون الهدف الأعلى من خلقة البشرية ،وهو إيجاد العبادة الكاملة في ربوعها ، قد تحقق ،وخاصة بعد بقاء المجتمع على حاله الرفيع ردحاً طويلاً من الزمن .


صفحة (661)
ـــــــــــــــــ  
 

(1) ص344.       (2) أعلام الورى ص432.

 

عندئذ يبدأ – طبقاً لهذا الفهم – تخطيط إلهي جديد ، هو التخطيط الأخير في البشرية ، ليستهدف إيجاد المجتمع  الكافر او المنحرف بكل أفراده ، ليكون هو المجتمع الذي تقوم عليه الساعة .

ولو نظرنا إلى طبائع الأشياء بحسب فهمنا المعاصر ،أمكننا أن نجد الخطوط العامة لهذا التخطيط العام.

إن الدفع الإيماني القوي الذي أوجده المهدي القائم (ع) في البشرية والذي أذكى أواره وحافظ على كيانه المهدويون الإثني عشر بعده ، خلال مئات السنين ، حتى انتج نتيجته الكبرى ،هو المجتمع المعصوم ....إن هذه الدفع سوف يكون مهدداً بالخطر إلى حد ما حين ينقلب أمر الخلافة من التعيين إلى الإنتخاب.

إن هذا الدفع سوف يبقى صافياً صحيحاً أجيالاً متطاولة من الزمن ما دامت درجة العصمة محفوظة في المجتمع ،إلا أن الأجيال المتأخرة سوف تنزل عن هذه الدرجة تدريجياً.

وستعمل عوامل الشر في نفس الإنسان ونوازع المصلحة من جديد .وسوف لن يوجد لها الردع الكافي في حفظ العصمة ، لأن التخطيط الإلهي قاض بارتفاع هذه الصفة تدريجياً من المجتمع.

وسوف يأتي بالإنتخاب إلى كرسي الرئاسة ،أولياء مهما كانوا على مستوى العدالة العليا ، إلا أنهم لم يرافقوا المهدي (ع) ولم يعاصروا خلفاءه المهديين .ولم توجه إليهم تربية خاصة من أجل تولي مهام الرئاسة – ومن هنا سوف يبذل كل رئيس وسعه في دفع التيار المنحرف لن يستطيع الإجهاز عليه ، بل يبقى يستفحل على مر السنين ويعم بين البشر ، إلى أن ينحسر الدين عن القلوب والعقول ، ويصبح الناس كما كانوا قبل ظهور المهدي (ع) على مستوى عصيان واضحات الشريعة الإلسامية ،حيث سمعنا من إحدى الروايات قتل إحدى الشخصيات الإسلامية داخل الحرم ،بل سوف يزداد الوضع سوءاً حتى لا يقال الله ،الله ، على ما نطقت بعض الروايات(1) .


صفحة (662)
ـــــــــــــــــ  
 

(1) انظر مثلاً – مستدرك الحاكم ج4 ص494