الأمر الأول : إن الرئيس العادل الذي هو حجة الله على الخلق في ذلك الحين يصبح مسلوب الصلاحيات من الناحية العملية لا يستطيع القيام  بأي عمل على الإطلاق ، ولا يؤمل من وجوده أي فائدة.
الأمر الثاني: إن الله عز وجل يشتد غضبه على الأمة والبشرية ، بحيث تكون أهلاً لأي عقوبة.
ويترتب على الأمر الأول أن الرئيس الإسلامي ،حيث لا فائدة من وجوده فينبغي أن يرتفع من الأرض، فيقبضه الله له ،ويتوفاه .وذلك قبل يوم القيامة بأربعين يوماً ، كما ورد في الرواية .
وعند زوال هذا القائد ، لن تكون البشرية على مستوى الشعور بالمسؤولية إنتخاب شخص جديد ،بل سيبقون في فساد محض وظلم كامل لمدة أربعين يوماً .وهم شرار الله ، فيؤثر الأمر الثاني أثره ،وذلك بإنزال العقاب عليهم بالنفخ في الصور وقيام الساعة.
وبهذا التسلسل الفكري استطعنا الجمع بين عدة قواعد مروية في السنة الشريفة ، أحدها: أن الدولة الإسلامية العادلة تبقى إلى يوم القيامة ثانيها : ان  الحجة يرفع عن الأرض قبل يوم القيامة بأربعين يوماً. ثالثها : أن القيامة تقوم على شرار الناس ،وعرفنا عدم المنافاة بين هذه التخطيط والتخطيط السابق عليه المنتج لوجود المجتمع المعصوم.
يبقى سؤالان قد يخطران على الذهن ، ينبغي ذكرهما مع الإجابة عليها:
السؤال الأول : أنه كيف يمكن للمجتمع المسلم بعد ارتفاع صفة العصمة عنه أن يمارس الإنتخاب ،مع أن إعطاء حق الإنتخاب إليه ،كان بسبب هذه الصفة ،إذاً، فلا بد أن يرتفع بارتفاعها ،ويعود الأمر إلى التعيين أو إلى أي أسلوب آخر.
وهذا السؤال له عدة إجابات ، نذكر أهمها:
أولاً : إن الإنتخاب سوف لن يكون عشوائياً ، وإنما يكون للمؤهلين للرئاسة ، بحسب النظام الساري المفعول في الدولة العالمية ، لا يختلف في ذلك عصر العصمة عما بعده .وإنما الفرق أنه في عصر العصمة يتوفر عدد كبير من الناس المؤهلين لذلك، بخلاف العصر المنحرف اللاحق له ،فإن عددهم يتضاءل تدريجياً ،وهذا لا ينافي قاعدة الإنتخاب بطبيعة الحال.
ثانياً : إن القاعدة يومئذ سوف تقتضي بقاء الإنتخاب ، لأن هذا هو الأمر المعروف الموروث عن الدولة العادلة ، وليس بين البشر من يستطيع إيجاد تشريع جديد ،كما جاء به المهدي (ع) نفسه زيادة على المعروف قبله .ومن هنا ينحصر سير البشرية على قاعدة الإنتخاب بالضرورة ،وسيكون تغييره انحرافاً عن القواعد العادلة المعروفة يومئذ .

صفحة (663)
 

وأما اقتران الإنتخاب بصفة العصمة ،وإناطته بها ، فقد لا يكون شيئاً مفهوماً فهماً عاماً يومئذ ،وإنما هو تقدير خاص موجود في ذهن المشرع الذي بلغ للناس وجوب الإنتخاب عند دخولهم في عصر العصمة .وهو آخر الأولياء المهديين الإثني عشر .وقد يكون معروفاً لبعض خاصته أيضاً.

السؤال الثاني : إن إعداد البشرية للإنحراف يعني رضاء الله تعالى بالظلم وإرادته لوجوده ، فكيف يصح ذلك منه وهو العدل المطلق؟

وقد سبق أن أثرنا مثل هذا السؤال ، في تاريخ  الغيبة الكبرى(1) على التخطيط الإلهي لما قبل الظهور ،وأجبنا عليه بشكل يرفع الشبهة.

وملخص الفكرة التي ينبغي أن نفهمها الآن هو أن وجود الظلم لا يستلزم رضاء الله تعالى بالظلم وإرادته له ولا إجبار الناس عليه ،وإنما حين تتعلق المصلحة بوجود الظلم في الخارج ، من قبيل ما فرضناه من ضرورة قيام الساعة على شرار الخلق ، ذلك الفرض الذي نتكلم الآن على أساسه ، فيكفي لله عز وجل أن يرفع المانع عن وجوده.

ومن هنا يكفي غض النظر عن هذا الإنحراف ، ورفع اليد عن مزيد التوضيح والتربية للناس إلى جانب الحق والعدل ، لكي يوجد الظلم باختيار الأفراد الظالمين أنفسهم ،وبكل قناعة منهم ،مع وجود الحجة البالغة لله عليهم بالنهي والزجر التشريعي عن التورط في هذا العقاب .واستحقاق العقاب عليه.

وهذا هو الذي خططه الله تعالى لعصر الغيبة موقتاً لغرض التمحيص والإعداد ليوم الظهور ، كما سبق أن فصلناه في التاريخ السابق ،وهو الذي يخططه أيضاً عند اقتراب الساعة من أجل إيجاد المجتمع الذي يمكن قيام الساعة عليه ، بعد استحالة قيامها في المجتمع المؤمن ، على ما هو المفروض في هذا لكلام.

هذا كله على تقدير الإلتزام بصحة تلك الأخبار.

الناحية الثانية :إذا التزمنا بعدم صحة تلك الأخبار ، وعدم كفايتها لإثبات قيام الساعة عل شرار خلق الله ، بل يمكن أن تقوم الساعة على المجتمع المؤمن نفسه ،طبقاً لما سبق أن ذكرناه من المناقشات.


صفحة (664)
ـــــــــــــــــ  
 
(1) ص269 وما بعدها.

 

وإذا كان هذا ممكناً لا استحالة فيه ،كان ذلك متعيناً ،ولا يكون التخطيط إيجاد المجتمع المنحرف ممكناً ،وذلك:

أولاً : لكونه لغواً بلا مبرر ولا حكمة .وإيجاد اللغو قولاً أو فعلاً ، محال على الله تعالى الحكيم الكامل من جميع الجهات.

ثانياً: لكونه مستلزماً ـ كما قلنا ـ لتقليل مستوى التربية  والإيضاح ، وهو ظلم للناس ما لم يقترن بمصلحة مهمة مبررة له ، والمفروض عدم وجودها.

ومعه فيتعين القول ببقاء المستوى المطلوب من العناية والتربية ، نتيجة للقواعد الواضحة التفصيلية التي اعطاها الإمام المهدي طبقاً لوعي ما بعد الظهور، ونتيجة للدفع الإيماني الذي أوجده في الأمة ،ذلك الدفع الذي أنتجه المجتمع المعصوم في نهاية المطاف ،والذي لا يزول أثره إلى نهاية البشرية ، فإن الوعي إذا كان على أعلى مستوى ، لا يكون قابلاً للزوال ،ولا الإنحراف وإنما تؤكده الحوادث وترسخه المشاكل باستمرار، لو وجدت في مثل هذا المجتمع المعصوم.

وبعد حصول صفة العصمة ، سوف يكون  المجتمع والدولة – بغض النظر عن شخص المهدي (ع) – أصلب عوداً واقوى تطبيقاً للنظام الإسلامي الكامل .ومن هنا يكون من الطبيعي أن تتلاحق التأييدات الإلهية وتترسخ بين أفراد المجتمع ، فكيف يكون الإنحراف مع وجود هذا التأييد.

ويستمر المجتمع في الترقي والتكامل في عالم الروح ، حتى يكون كل فرد مترقباً لقاء الله تعالى شأنه مسروراً بالوصول إلى رضاه العظيم ونعيمه المقيم .فيشاء الله عز وجل أن يأخذهم جميعاً إليه كما تزف العروس إلى عريسها والحبيب إلى حبيبه ، فيموتون جميعاً موتاً كشم الرياحين ،وبذلك تنتهي البشرية ويبدأ بذلك يوم القيامة.

وسيأتي في الكتاب الآتي تفسير أعمق من ذلك لنهاية البشرية ، فليكن القارىء على علم بذلك.

 

صفحة (665)
 

ولا حاجة هنا إلى افتراض ارتفاع الحجة قبل أربعين يوماً من يوم القيامة ،ولا إلى افتراض فساد المجتمع ، فإن كلا الأمرين منقول بالروايات التي نفترض في هذه الناحية الثانية عدم صحتها .

بل يكفي ـ منطقياً ـ لقيام الساعة تحقق الهدف من خلق البشرية ،وهو وجود العبادة الكاملة ردحاً طويلاً من الزمن ، بحيث لا يبقى بعدها هدف آخر متوقع لها على وجه الأرض، وإنما ينحصر وجودها وتكاملها في عالم آخر ،وقد تحقق ذلك بوجود المجتمع المعصوم ، فيبقى وجود البشرية بلا موضوع فلا بد من زوالها بشكل من الأشكال.

فهذا التسلسل الفكري المبني على عدم صحة الأخبار القائلة بأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس ،هو الأنسب مع القرائن والقواعد العامة الإسلامية ، مضافاً إلى عجز تلك الأخبار عن قابلية الإثبات كما عرفنا .

وعلى اي حال ، فلا ينبغي إعطاء شيء من تفصيل نهاية البشرية أكثر من ذلك ، بعد العلم أنه سيأتي في الكتاب الآتي ما يعطي ذلك كله بتوفيق من الله العلي العظيم.

هذا آخر ما اردنا إيراده من تاريخ ما بعد الظهور ،والحمد لله رب العالمين على حسن التوفيق ،وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.


قد تم بيد مؤلفه المحتاج إلى رحمة ربه الكريم محمد بن السيد محمد صادق الصدر .

بتاريخ مساء يوم الجمعة المصادف 11 رمضان 1392 هجرية الموافق 12 تشرين الاول 1972 ميلادية في النجف الاشرف.
 

صفحة (666)