الباب الثاني

 قيام الساعة على شرار الخلق

 وهو باب في فصل واحد

 

وينبغي أن يتم الحديث في هذا الفصل ضمن عدة جهات:

الجهة الأولى : في سرد أهم الأخبار الدالة على ذلك .وهي واردة في مصادر الفريقين .

أخرج مسلم في صحيحه(1) عن عبد الله بن عمر عن رسول الله (ص) – في  حديث تحدث فيه عن الدجال والمسيح عيسى بن مريم (ع) ، ثم تحدث فيه عن عصر ما بعد المسيح فقال فيما قال:

فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام الساعة لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً ، فيتمثل لهم الشيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، وهم في ذلك دار ّ رزقهم حسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور .

وأخرج أبو داود(2) عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله (ص) :

لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمن من عليها ، فذاك حين " لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً "(3)

وأخرج الحاكم في المستدرك(4) عن أبي أمامة ، قال : سمعت رسول الله (ص)

لا يزداد الأمر إلا شدة ولا المال إلا إفاضة ،ولا تقوم الساعة إلا على شرار من خلقه .وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.


صفحة (657)
ـــــــــــــــــ  
 

(1) ج8 ص201.  (2) ج2 ص430.

(3) 6 /158.      (4) ج4 ص440.

 

وأخرج أيضاً(1) عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (ص):

لا يزداد الأمر إلا شدة ولا الدين إلا إدباراً ولا الناس إلا شحاً ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ،ولا مهدي إلا عيسى بن مريم .

وأخرج الشيخ في الغيبة(2) عن عبد الله بن جعفر الحميري ، قال:

اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو(3) عند أحمد بن اسحق بن سعيد الأشعري القمي ، فغمزني أحمد أن اسأله عن الخلف – يعني الحجة المهدي (ع) .

فقلت له : يا أبا عمرو إني أريد (أن) أسألك وما أنا بشاك فيما أريد أريد أن أسألك عنه .فإن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجة إلا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً ، فإذا كان ذلك وقعت (رفعت) الحجة ، وغلق باب التوبة .فلم يكن" ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل ،أو كسبت في إيمانها خيراً...(4)  فأؤلئك الأشرار من خلق الله عزوجل .وهم الذين تقوم عليهم القيامة ... الحديث

وأخرج السيد البحراني في معالم الزلفى(5) عن بستان الواعظين ، قال حذيفة : كان الناس يسألون رسول الله (ص) عن الخير وكنت أسأله عن الشر فقال النبي (ص):

يكون في آخر الزمان فتن كقطع الليل المظلم ،فإذا غضب الله تعالى على أهل الأرض أمر الله سبحانه وتعالى إسرافيل أن ينفخ نفخة الصعق .فينفخ على حين غفلة من الناس ... الحديث .

فهذه كل الروايات التي وجدناها دالة على هذا  المضمون .


صفحة (658)
ـــــــــــــــــ  
 

(1) ج4 ص440 ويرويه في الصواعق (98) عن ابن ماجة.
(2) ص218.

(3) هو الشيخ عثمان بن سعيد النائب الأول  للنهدي (ع) خلال غيبته الصغرى.

(4) 6 / 158.      (5) ص136.


الجهة الثانية :في نقد هذه الأخبار .

إن أكثر هذه الأخبار يمكن إسقاطها عن الإستدلال تماماً ،لأن كل خبر يواجه بحياله بعض المناقشات ، فلا يبقى منها إلا القليل.

أما الخبر الذي أخرجه مسلم في صحيحه ، فهو يصف أولاً فسق الناس وإطاعتهم للشيطان ،وتحولهم إلى عابدي أوثان. وهذا كله – بمعنى وآخر- مما يقع قبل الظهور .

ويقول بعدها : ثم ينفخ في الصور. والنفخ فيه كناية عن نهاية البشرية .إلا أن وجود هذه النهاية في ذلك الجو الفاسق مما لا يدل عليه الخبر ،لأن حرف العطف (ثم) دليل على التراخي والإنفصال كما نص النحاة واللغويون .فإن لم يكن الخبر دليلاً على بقاء البشرية بعد ذلك المجتمع الفاسق ، فلا أقل من كونه ليس دليلاً على انتهائه به.

وأما خبر أبي داود ، فهو غير دال بالمرة على المضمون المشار إليه .فهو دال على أن الناس يؤمنون كلهم حين تطلع الشمس من مغربها .ولا يقول شيئاً غير ذلك .وقد قلنا في التاريخ السابق(1) أن المراد من الشمس التي تطلع من مغربها : المهدي حيث يطلع بعد غيبته ،ولا تقبل عندئذ من الفاسق توبة.

وكذلك الخبر الثاني الذي نقلناه عن الحاكم ،فإن فيه قوله :ولا مهدي إلا عيسى بن مريم ،وقد نقده ورفضه أهل الحديث العامة والخاصة ،كما سبق ،ولا حاجة إلى تكراره ، مضافاً إلى إشكالات أخرى مشتركة ستأتي.

وكذلك الخبر الذي نقلناه عن معالم الزلفى فإنه خبر مرسل وضعيف ،ويحتوي من خلاله على مضامين مدسوسة وغير صحيحة ، كما يبدو لمن راجعه في مصدره .

لا يبقى عندنا – بعد هذا – إلا خبران ، أحدهما : الخبر الأول الذي نقلناه عن الحاكم والخبر الذي أخرجه الشيخ في الغيبة.
على أن خبر الشيخ أيضاً لا يخلو من مناقشة فإنه ليس رواية عن معصوم وإنما يعبر فيه عبد الله  بن جعفر الحميري عن إعتقاده ،وليس بالضرورة أن كل ما يعتقده له الإثبات التاريخي الكافي ،وإن كان هو شخصياً من العلماء الصالحين ، كما ثبت في تاريخه.

وعلى اي حال ، فالخبران يواجهان إشكالاً مشتركاً ، هو أن مثل هذه القضية وهي: ان الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس ،من الأمور الإعتقادية في الدين .ومن الواضح عند العلماء أن الأمور الإعتقادية لا تثبت بخبر الواحد وإن كان صحيحاً سنداً وواضحاً مضموناً ،وإنما تثبت فقط بالخبر المتواتر القطعي ، مع العلم أن مجموع هذه الأخبار غير متواترة فضلاً عما بقي بعد النقد منها.

 

صفحة (659)
ـــــــــــــــــ  
 

(1) تاريخ الغيبة الكبرى ص596