|
||
|
ويقول احد الأدعيى التي سمعناها : " وولاة عهدك والأئمة من ولدك" فلو اعتبرنا كل هذه الأخبار قابلة للإثبات مستقلة، لفهمنا أن هؤلاء الأولياء الصالحين هم من نسل أهل البيت (ع) ولا يراد بأهل البيت في لغة الأخبار إلا الأئمة المعصومين (ع) .وحيث لا يحتمل أن يكونوا من نسل إمام آخر غير المهدي (ع) باعتبار بعد المسافة الزمنية ،إذاً فهم من أولاد الإمام المهدي نفسه .وهذا افتراض واضح تعضده بعض هذه الأخبار ولا تنفيه الأخبار الأخرى . يبقى لدينا هل أنهم متسلسلون في النسب أحدهم ابن الآخر ،أو أنهم متفرقون من هذه الجهة ،وإن انتسبوا إلى المهدي في النهاية. وفي هذا الصدد لا تسعفنا الأخبار بشيء ، لكن هناك فكرة عامة صالحة للقرينية على التسلسل النسبي .وهي ما نسميه بتسلسل الولاية .فإن كل ولي في ذلك العهد المرحلي السابق على صفة العصمة يحتاج إلى إعداد خاص وتربية معينة ، قبل أن يتولى الحكم . ومن الصحيح أن المجتمع ككل وخاصة إذا كان صالحاً وعادلاً يمكنه أن يربي الحاكم أفضل تربية ، إلا أن هناك عدداً من الحقائق والأساليب والقوانين الإجتماعية وغيرها ، تكون خاصة بالحاكم عادة ولا يعرفها غيره على الإطلاق ،وهي موروثة وراثة خاصة عن الإمام المهدي (ع) .وهي تحتاج في ترسيخها وكشفها إلى الحاكم الجديد إلى مدة وجهود من قبل الحاكم السابق ، الأمر الذي لا يتوفر عادة بين الوالد وولده ،ومن الصعب جداً توفره بين أبناء الأعمام مثلاً. ومعه، فمن المظنون جداً أن يكون تسلسلهم النسبي محفوظاً ،من أجل الحفاظ على تسلسل الولاية الضروري لتربية كل حاكم. السؤال الخامس: هل المنطلق إلى فكرة "حكم الأولياء الصالحين" بعد الإمام المهدي هو الفهم الإمامي للمهدي ، أو ينسجم مع الفهم الآخر .
صفحة (650)
كلا .إن حكم الأولياء الصالحين الذي طرحناه ، ينسجم تماماً مع الفهم الآخر الذي يقول : إن المهدي رجل يولد في حينه فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً .ولا ربط له مباشر بغيبة المهدي قبل ظهوره ولا بكونه الإمام الثاني عشر من الأئمة المعصومين كما هو واضح. غير أن فكرة حكم الأولياء الصالحين ، يبقى مفتقراً للدليل من أخبار العامة أنفسهم .ولم نجد في حدود تتبعنا أي إشارة في تلك المصادر إلى دولة ما بعد المهدي (ع) مهما كانت صفتها ،ويبقى مفكرو العامة بعد ذلك مخيرين بالإلتزام بهذه الأطروحة. السؤال السادس : ماذا – بعد ذلك – عن احتمال العصيان والتنرد خلال حكم الأولياء الصالحين . لا شك أن هذا الإحتمال يتضاءل تدريجياً، بالتربية المركزة التي تمارسها الدولى باتجاه العدالة والكمال .حتى ما إذا وصل المجتمع إلى درجة العصمة ، ولو بأول أشكالها ، ارتفع احتمال التمرد والعصيان ارتفاعاً قطعياً ، لبرهان بسيط هو منافاة العصمة مع العصيان ،ولا أقل من أن تكون الأكثرية الساحقة للبشرية كذلك ، بحيث من الصعب أن يفكر أحد في حركة تمرد أو بث دعاية باطلة. وإنما يقع التساؤل عن الفترات الأولى لحكم الأولياء الصالحين ، عدة ضمانات ضد مثل هذا الإحتمال ، يمكننا أن نتعرف على بعضها ، بحسب مستوانا الذهني المعاصر: الضمان الأول: السعادة والرفاه والأخوة والتناصف بين الناس هذا الذي أسسه ونشره الإمام المهدي نفسه، الأمر الذي يجعل الفرد ومن ثم الجماعات تميل تلقائياً إلى حب هذا النظام واحترامه والتعاطف معه ،مما يحدو بالأعم الأغلب جداً من الناس بعدم التفكير بأي عصيان واضح ، بل يحدو الكثيرين إلى الوقوف تلقائياً تجاه أي تمرد أو عصيان يفهمون به ،وفضحه ولوم صاحبه لوماً شديداً . الضمان الثاني: القواعد والأسس الخاصة التي علمها المهدي (ع) نفسه لخلفائه ، مما يمت إلى طبيعة المجتمع وحركة التاريخ وأفضل الطرق في التصرف به ودفع شروره ، وجلب مصالحه .الأمر الذي كان هو (ع) ، أكثر الناس علماً به وإطلاعاً على تفاصيله. ومن أجل فوائد علمه بذلك ، تزريقه إلى خلفائه الصالحين ، ليستطيعوا أن يبنوا دولتهم الحديثة ، ويدفعوا عنها الشرور بأيسر طريق.
صفحة (651) الضمان الثالث : عالمية الدولة العادلة : فإن لهذا العنصر جهتين من الضمان . الجهة الأولى : الهيبة التي تكسبها الدولة العالمية في نفوس الناس وعقولهم بصفتها تمارس حكما مركزيا مهما لم تمارسه اي دولة اخرى في التاريخ . الجهة الثانية : سيطرتها على كل مصادر ومصانع الأسلحة في العالم لا يستثنى من ذلك شيء ، ولها الطرق المعقدة للحد من التهريب والختل والخداع ونحو ذلك. فهذه الضمانات وغيرها ، تنتج في هذا الصدد ، نتيجتين مهمتين : النتيجة الأولى : أنها تقف ضد احتمال كثرة التمرد والعصيان ، بشكل يعيق عن تطبيق المنهج التربوي العام . إذ مع وجودها سيقل من يفكر من البشر بالحركات العصيانية. النتيجة الثانية: أنها تقف ضد ما قد يحدث من حوادث التمرد والعصيان من القلائل الذين قد يفكرون بذلك، وعن طريق هذه الضمانات التي تملكها الدولة ستستطيع أن تقضي على كل حركة. السؤال السابع: هل لدابة الأرض خلال هذا العهد ، وظيفة معينة؟ لما كانت الوظيفة الرئيسة لدابة الأرض ، كما يستفاد من الأخبار، هي تمييز الكافر من المؤمن ، والمنحرف من الملتزم ،وإعطاء القيمة الأخلاقية لكل منهم علانية ، فهذا لا يمكن أن ينجز في عهد ما بعد الظهور، المتطور نحو المجتمع المعصوم الخالي من الكفار والمنحرفين ... فهو لا يمكن ان ينجز إلا في إحدى فترتين : الفترة الأولى : فترة ما بعد المهدي (ع) مباشرة ، حيث تعيش الدولة العالمية العادلة أحرج عهودها وأدق فتراتها ، بعد فقد قائدها العظيم. فإنه من الصحيح ،كما عرفنا ،أن الإمام المهدي (ع) قام باستئصال المنحرفين من الكرة الأرضية ، إلا أن هناك جزءاً من البشر ،مهما كان قليلاً ، قد سلم لدولة المهدي خوفاً أو طمعاً ، لا عن إخلاص حقيقي ، فمن المحتمل جداً أن تتحرك الأطماع بعد القائد الأعظم إلى السبطرة على الدولة أو على بعض أجزائها على الأقل. والضمانات السابقة وإن كانت صالحة للوقوف ضد أي احتمال ، غير أنه من المحتمل أن تخرج دابة الأرض، لتأخذ بعضد الدولة العالمية العادلة ، باتجاه النصر والسبطة على كل تمرد وعصيان.
الفترة الثانية :الفترة السابقة على يوم القيامة مباشرة ،وهي فترة سنبحث عن صحة وجودها في الفصل القادم .غير أنه – على تقدير صحتها – سيتصف المجتمع العالمي خلالها بالكفر والإنحراف ، بعد أن يكون قد تنازل عن آخر صفات العصمة والعدالة. فمن المحتمل أن دابة الأرض تخرج لتضمن بقاء المؤمنين على إيمانهم ،ومدى خسارة الكافرين والمنحرفين ، حين تنازلوا بسوء تصرفاتهم عن العصمة والعدالة ،وتقف في وجه الذين يكفرون بقتل المؤمنين ، أو الإطاحة بكيانهم بشكل أو آخر . وعلى أي حال ، فحيث نعلم من القرآن الكريم ، بضرورة خروج دابة الأرض ،وعد خروجها خلال المجتمع المعصوم لعدم انسجام وظيفتها معه كما أنه ليس هناك احتمال حقيقي لخروجها قبل الظهور ... إذاً يتعين وجودها في إحدى الفترتين المشار إليهما .وأما إذا عرفنا في الفصل الآتي. عدم وجود الدليل على إنحراف المجتمع بعد اتصافه بالعصمة ، إذاً ينحصر خروج دابة الأرض بعد وفاة المهدي (ع) مباشرة ، لتقوم بوظيفتها الكاملة. وبذلك يكون سيف الإمام علي بن ابي طالب قد وطد الإسلام في "آخر الزمان" كما وطده في عصر الرسالة وصدر الإسلام سلام الله عليه. وبهذه الأسئلة وضعنا الرتوش الكافية على فترة حكم الأولياء الصالحين وما بعدها ،ولا ينبغي لنا أن نزيد على ذلك ، وإنما نحيل القارىء إلى الكتاب الرابع الآتي من هذه الموسوعة.
|
|