|
||
|
الوجه الرابع : استبعاد أن المهدي (ع) يموت حتف أنفه ،وذكر قرائن معينة توجب الظن أو الإطمئنان بكونه غير قابل لمثل هذا الموت خلال سبع أو عشر سنين ، بل حتى خلال سبعين عاماً. فمن ذلك قوته البدنية الموصوفة في الأخبار التي سمعناها فيما سبق ، والتي في بعضها انه لو مد يده إلى شجرة عظيمة لقلعها ،ولو صاح بالجبال لتدكدكت ،وقد وصف بدنه بالضخامة وعظامه بالخشونة ووجهه بالحمرة ،مما يدل على قوة بنيته إلى حد بعيد. ومن ذلك غيبته المترامية في الطول ، بحسب الفهم الإمامي فإن من عاش هذه القرون ، قابل لأن يعيش ردحاً طويلاً من الزمن. مضافاً إلى ما سبق أن قلناه من أن فترات عمر الإنسان ،كالشباب والكهولة ،تنقسم من عمره بنسب معينة ،فإن كان العمر طبيعياً كالمعهود ،كانت كل فترة خمسة عشر عاماً أو عشرين مثلاً .وإن كان اطول كانت الفترات مقسمة بنفس النسبة لكن بسنوات أكثر ، على مقدار العمر المفترض .فقد تكون فترة الشباب خمسمئة عام وهكذا. فإذا علمنا أن الإمام المهدي يظهر بعد أكثر من ألف عام وهو في آخر الشباب ، في عمر الأربعين ،كما سمعنا من الأخبار، إذاً فقد بقيت فترات أخرى من عمره لم يمر بها بعد وهي في الكهولة والشيخوخة ،ويحتاج من خلال عمره الطويل أن يمر بنفس المقدار السابق من السنين تقريباً لكي يستوفي هاتين الفترتين. ومن ذلك ، ماعر فناه مفصلاً من الخبرة العميقة التي تكون لدى الإمام المهدي بما فيها من خبرا ت طبية تعود إلى اسلوب العناية بالجسم وإبقائه صحيحا معافى إلى أكبر حد ممكن. إلى قرائن أخرى تدعم الظن، بأن الإمام المهدي لن يموت بهذه السرعة بدون حادث تخريبي خارجي. وهذه القرائن قائمة ، ولا نافي لها إلا أنها تعدو الظن ولا تصل إلى درجة الإثبات التاريخي بطبيعة الحال. وإذا لم يتم شيء من هذه الوجوه ، كان احتمال موته حتف الأنف ،قابلاً للإثبات التاريخي ،لأنه القاعدة العامة في البشر حيث لا يوجد حادث خارجي.
صفحة (618) الجهة الرابعة : ان الخبر الأخير الدال على كيفية مقتله(ع)، يحتوي على عدة نقاط ضعف ، غير ما سبق: النقطة الأولى: ان الأمام المهدي يقتل بحادث عمدي تخريبي ، او بمؤامرة مدبرة ضده ، وهذا بعيد جداً ، بعد أن استطاع المهدي تربية البشرية بشكل عام ،وإحراز الرأي العام لعدالة نظامه وعظمة شخصه وما له من المميزات والقدرات ،الأمر الذي يخلف أفضل الأثر في نفوس الناس وأعظم الإحترام ، مما يستبعد معه تفكير أي منهم في التآمر ضده. وسيدرك الناس تدريجياً وبسرعة المبررات الواقعية التي قام المهدي بموجبها بحملات القتل الكثير في أول ظهوره ،وسيعرفون أنهم قد استفادوا من ذلك فائدة كبيرة ، إذ مع وجود أؤائك المنحرفين لا يمكن إقامة العدل ولا شمول السعادة والرفاه، ومعه لن يكون لتلك الحوادث انعكاس سيء في النفوس ليوجب تآمر البعض للإجهاز عليه. ومعه يكون ما دل عليه الخبر من وجود التآمر بعيد جداً . النقطة الثانية: يدل الخبر على أن المهدي (ع) يقتل بجاون صخر يقع عليه ، من أعلى وهو ماش في الطريق، والجاون آلة قديمة لسحق الأشياء ودقها. كالحبوب وهو عبارة عن جسم مجوف ثقيل الوزن له فتحة من أعلاه توضع فيه الحبوب ، ويلحق به جسم اسطواني ضخم للدق فيه، وهو قد يعمل من الصخر وقد يعمل من الخشب. واستعمال مثل هذه الآلة في العصر المهدوي القائم على العمق الحضاري والعمق المدني معاً ، كما سبق أن برهنا،امر غير محتمل. كما أن وجوده على السطح في مثل هذه البيوت القديمة التي كان يوجد فيها، أمر غير محتمل لثقله وقوة الضرب فيه ، مما يوجب انهدام السطح، وإنما كان يستعمل عادة على الأرض. وقد يخطر في الذهن: أنه في الإمكان حمل (الجاون) على بعض الآلات المتطورة كما حملنا السيف على كل آلة للقتال. وهذا أمر محتمل ، إلا أن جو الخبر ينافيه ويدل على نفيه كما هو واضح، بخلاف مثل قولنا : إن المهدي يظهر بالسيف ، فإن معناه أنه يظهر حاملاً للسلاح ، وليس في تلك الأخبار ما يدل على نفي هذا المعنى. النقطة الثالثة : يدل الخبر على أن المرأة التي تقتله ذات لحية كلحية الرجل وهذا المعنى له عدة محتملات كلها فاسدة ، فيكون أصل المعنى فاسداً.
صفحة (619) الإحتمال الأول: أن يكون لهذه المرأة شعر غير قليل في مكان اللحية حرصت على تنميته وإظهاره. وهذا ما قد يحدث لبعض النساء وإن كان نادراً .غير أن اللحية عندئذ لا تكون كلحية الرجل ، بل لا تكون لحية إلا مجازاً ، لأن المناطق الخالية من الشعر كثيرة جداً، فهي أشبه بلحية الرجل الأحص او الأكوس، لا بلحية الرجل الطبيعي، مع أن ظاهر الخبر أنها كلحية الرجل الطبيعي. الإحتمال الثاني : أن يكون لهذه المرأة لحية كلحية الرجل تماماً ،وهذا مقطوع العدم لأنه لم يحدث في التاريخ لأي أمرأة ،مما يدل على أن الجنس الناعم مناف مع وجود مثل هذه اللحية خلقياً. ويجيب الفكر التقليدي على ذلك :أنه ما من عام إلا وقد خص ،وقدرة الله تعالى شاملة لمثل ذلك.ومن ثم توجد هذه المرأة بلحيتها لتكون هي القاتلة للإمام المهدي بعد ظهوره. والجواب على ذلك :أنه بعد التجاوز عما قلناه من عدم قابلية الخبر للإثبات بالرغم من ان الفكر التقليدي قائم على قبوله وقبول أمثاله تعبداً . إن هذه المرأة لو وجدت في عصر الظهور وعاشت بين الناس وأظهرت لحيتها ،والتفت الناس إلى هذه الظاهرة النادرة ، وكان مفكروهم وعلماؤهم قد قرأوا في الكتب أن مثل هذه المرأة تقتل المهدي ..إذاً فسوف تتعين هذه المرأة لقتل المهدي قبل أن تقوم به بسنين ،وسوف يقع على ذلك كلام كثير ومناقشات وسوف يسأل المهدي (ع) نفسه عنها .وسوف يكون للدولة تجاهها موقف معين لا نستطيع الآن أن نعرف كنهه ، ليس هو غض النظر عنها وإهمالها بالمرة على أي حال ، فقد لا تكون النتيجة تماماً كما يتوقع الفكر التقليدي أن يكون. الإحتمال الثالث : أن تكون هذه المرأة طبيعية الخلق كباقي النساء ،ولكنها تضع لحية على نحو الإستعارة ،على شكل باروكة تضعها على وجهها تشبهاً بالرجل ،وهذا ألإحتمال له صورتان : الصورة الأولى : أن يفترض أنه يوجد للنساء إتجاه عام لوضع اللحى المستعارة على الذقون ،وتكون المرأة القاتلة واحدة من هؤلاء النساء. إلا أن وجود مثل هذا الإتجاه في دولة العدل العالمية ومن غير المحتمل أن يوجد، بعد أن انتهت قصة (تشبه النساء بالرجال) بالظهور نفسه ، وتم القضاء على جذورها بسيف المهدي .وقد كان إحدى الصفات المنحرفة لمجتمع الظلم والفساد السابق على الظهور، فكيف يحتمل وجودها مع وجود النظام العادل.
|
|