الصورة الثانية: إن هذه المرأة القاتلة تنفرد بوضع الباروكة،من دون كل النساء .

ولعل هذا أبعد الإحتمالات وأشدها فساداً، إذ يكفي في نفيه أنه بذلك تدل على نفسها وتجعل نفسها عرضة لإحتمال كونها القاتلة للإمام المهدي أو أكثر من الإحتمال. وهذه ورطة تكون هذه المرأة في غنى عنها مع إهمال استعمال الباروكة .بل لعل فرص القتل عندئذ ستكون أكثر لو كانت شريرة قاصدة على كل حال.

وإذا بطلت كل المحتملات ،كان افتراض وجود اللحية لهذه اللحية افتراض باطل، أو أنه يفتقر إلى الإثبات على أقل تقدير.

النقطة الرابعة: يدل الخبر على ان الإمام الحسين بن علي هو الذي يقوم بتجهيز الإمام المهدي ودفنه بعد موته.

وهذا افتراض يقوم على اسس تقليدية ثلاثة .

الأساس الأول: القول بالرجعة عموماً بمعنى رجوع الأئمة المعصومين السابقين مرة أخرى إلى الدنيا ليمارسوا الحكم من جديد بعد المهدي.

وهذا ما سوف نناقشه في الباب الآتي وسنرى أنه مما لا يمكن إثباته إثباتاً كافياً بالرغم من اندفاع البعض في تصحيحه والإلتزام به.

الأساس الثاني: هو تطبيق من تطبيقات  الرجعة ،وهو الإلتزام بأن الذي يرجع ويمارس الحكم بعد المهدي (ع) هو الإمام الحسين (ع) بالخصوص وهذا أبعد عن إمكان الإثبات التاريخي من الأساس السابق ،ولعلنا نلم بذلك في الباب الآتي.

الأساس الثالث : أن الإمام المعصوم لا يقوم بتجهيزه بعد موته إلا الإمام المعصوم .

وهي فكرة تقليدية مرتكزة في بعض الأذهان إلى اليوم ، بالرغم من أنه لم يقم عليها دليل كاف .

وحيث أن الإمام المهدي(ع) هو آخر الأئمة المعصومين الأثني عشر، في الفهم الإمامي ، إذاً فسوف لن يوجد أمام معصوم آخر يقوم بتجهيزه ما لم نقل بالرجعة ،وأن إماماً من الأئمة السابقين يعود إلى الدنيا بهذه المهمة ومن هنا قد يجعل هذا الأساس الثالث دليلاً على الرجعة نفسها.

 

صفحة (621)
 

إلا أن الصحيح أن الأساس الأول هو الإلتزام بالرجعة على وجه الإجمال أقوى الأسس الثلاثة دليلاً ، فمن غير المحتمل أن يصلح الأساسان الآخران كدليل عليه .لكننا سنرى في أدلة الرجعة تشويشاً واضطراباً وغرابة ، تسقطها عن كفاية الإثبات التاريخي.

ولو أننا سلمنا بالأساس الثالث، فلا ضرورة إلى القول بالرجعة ، لامكان تطبيق هذه القاعدة على البديل الآخر للرجعة، وهو أن يمارس الحكم بعد المهدي (ع) أولياء صالحون غير الأئمة المعصومين السابقين ، كما سنوضحه في الباب التالي.

فمع شيء من التوسع في فهم هذا الأساس الثالث ، يكون خليفة المهدي (ع) تطبيقاً من تطبيقات هذا الأساس، لأنه معصوم بمعنى من المعاني ، على ما سنعرف ، ولأنه خير أهل الأرض بعد المهدي (ع).

فلو فرضنا قيام الدليل الكافي على هذا الأساس الثالث ، فهو لا يأبى عن هذه الصورة بكل تأكيد ، ولشرح ذلك والتوسع فيه مجال آخر.

الجهة الخامسة : - من هذا الباب - : في أمور أخرى أشارت إليها الأخبار السابقة.

الأمر الأول : أن المهدي (ع) إذا مات صلى عليه المسلمون.

وهذا أمر طبيعي بصفته إمام المسلمين ورئيسهم الأعلى، وهم يشكلون يومئذ الأكثرية الساحقة في العالم.

والذي يصلي عليه – عادة ـ هو خليفته ، أياً كان ،أعني سواء صح القول بالرجعة أو لم يصح ، فإنه – بعد المهدي  - رئيس المسلمين وخير أهل الأرض.

ويبدو أن المسيح عيسى بن مريم (ع) ، لن يقوم بهذه الصلاة ، لنفس السبب الذي رفض في أول نزوله تولي إمامة الجماعة ، كما انحسرت عنه خلافة المهدي بالرغم من بقائه بعده .وهو السبب الذي أشار إليه الخبر السابق ، تكرمة الله هذه الأمة.

الأمرالثاني: قال الخبر الأخير : فإذا تمت السبعون أتى الحجة الموت. يراد بهذه السبعين أن الحجة القائم المهدي(ع) يبقى في الحكم سبعين عاماً ، ولابد أن هذا منطلق من الخبر الذي سمعناه في فصل سابق من أنه يبقى سبع سنين ، كل سنة كعشر سنين من سنيكم هذه ، إذاً، فهو يبقى سبعين سنة .وقد سبق أن فهمنا هذا الخبر وأمثاله بشكل لا نصل معه إلى هذه النتيجة ، فليراجع.

الأمر الثالث : نص أكثر من خبر واحد ، أنه لا خير في الحياة بعد المهدي أو لا خير، في العيش بعده.

 

صفحة (622)

 

وهو امر صحيح كما سنذكر ،وقد اختصت به المصادر العامة دون الإمامية ،ولكن قد يبدو للذهن منافاته مع إحدى فكرتين:

الفكرة الأولى : القول بالرجعة . فإن وجود الأئمة المعصومين (ع) بعد المهدي (ع) يعني انحفاظ التطبيق على مستواه الرفيع من دون أي خلة أو نقص ، فيكون الخير في العيش بعد المهدي موجوداً.

ولعله لهذا لم يتبين الفكر الإمامي التقليدي مثل هذه العبارة. وخاصة وهو يؤمن أن الأئمة المعصومين من نور واحد ولهم قابليات متماثلة وآراء مشتركة لا يختلف أولهم عن آخرهم . فإذا وجد الحسين (ع) بعد المهدي (ع) امكن ان ياخذ بزمام القيادة الإسلامية ، تماماً كالمهدي.

ولا يحول دون ذلك سوى احتمال واحد من احتمالين ذكرناها في التاريخ السابق(1) وهو أن يكون المهدي أفضل ممن سبقه من الأئمة (ع) أو من أكثرهم على الأقل ،وقد سمعنا هناك الأخبار الدالة على ذلك والمبررات الكافية له ، إذ يكون الفرق بين القيادتين كافياً على صدق هذه العبارة : لا خير في الحياة بعده.

الفكرة الثانية: القول بوجود المجتمع المعصوم . فإن وجوده يعني وجود الخير كله بعد المهدي لا أنه خير في الحياة بعده.

والصحيح صدق هذه العبارة حتى مع القول بوجود هذه المجتمع .إذ سيأتي في الباب التالي أن القيادة التي ستخلف المهدي هي قيادة الأولياء الصالحين وليس الأئمة المعصومين ،كما أن المجتمع المعصوم سوف لن يوجد بسرعة وبسهولة  ، بل سيتأخر كثيراً  بعد وفاة الإمام المهدي .

فإذا التفتنا إلى ذلك استطعنا أن نعرف أن هناك فترة من الزمن هي التي تلي وفاة الإمام المهدي (ع) يشعر فيها المجتمع العالمي بكل وضوح الفرق بين القيادتين ،وهو فرق كبير مهما أرادت القيادة الجديدة أن تبذل من الجهود ومهما استطاعت أن تنتج من النتائج .

فإن المجتمع سيرى الفرق الكبير بين القيادة المهدوية التي عاصرها وسعد تحت لوائها وشاهد مميزاتها، وبين القيادة الجديدة كل ما في الأمر أن هذه القيادة ستسطع بالتدريج البطيء وتحت القواعد المهدوية العامة لتربية البشرية ، الوصول بالبشري إلى المجتمع المعصوم .

فهذا الجيل المعاصر لقيادة الإمام المهدي ، سيقول عند وفاته بكل تأكيد : أنه لا خير في حياة بعده .


صفحة (623)
ـــــــــــــــــ  
 

(1) ص512