والمهدي (ع) سيطبق عند ظهوره الإسلام الواقعي كما جاء به النبي (ص) سواء وافق الأحكام المعروفة للمذاهب أو خالفها . وسيأتي بقوانين إسلامية جديدة لتنظيم العالم . ليجعله كله على عتبة الرقي والتكامل .

ولذا صرح عدد من علماء العامة ومفكريهم في مناسبات مختلفة . بعد انطباق أحكام المهدي مع شيء من المذاهب الأربعة . ولا غيرها .

 قال ابن العربي في الفتوحات المكية (1) في كلامه عن المهدي : به يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقى إلا الدين الخالص .أعداؤه مقلدة العلماء أهل الإجتهاد لما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهبت إليه أئمتهم ....

 وقال السيوطي : (2) عن الحكم الذي سيمارسه عيسى بن مريم (ع) - وهو العضد الأيمن للمهدي (ع) ، كما سنعرف -، في دولة الحق ، قال: وإذا قلتم أنه يحكم بشرع نبينا ، فكيف طريق حكمه به المذهب من المذاهب الأربعة المقررة ، أو باجتهاد منه ؟! .

هذا السؤال أعجب من سائله !!!!! وأشد عجباً منه قوله  فيه : بمذهب من المذاهب الأربعة !!!! .فهل خطر ببال السائل : أن المذاهب في الملة الشريفة منحصرة قي أربعة ، والمجتهدون من الأمة لا يحصون كثرة ...فلأي شيء خصص السائل المذاهب الأربعة .

ثم  كيف يظن بنبي أنه يقلد مذهباً من المذاهب ، والعلماء يقولون : إن المجتهد لا يقلد مجتهداً ، فإذا كان المجتهد من آحاد الأمة لا يقلد ، فكيف يظن بالنبي أنه يقلد .

إلى غير ذلك من الكلمات التي لا حاجة إلى استقصائها .

وأما موقف الإمامية من ذلك ، فواضح .فإنهم يعتبرون المهدي (ع) ، مصدراً من مصادر التشريع الإسلامي ، بصفته الإمام الثاني عشر من ائمتهم (ع) . فمن غير المحتمل لديهم رجوعه في التشريع أو غيره إلى أحد علمائهم أو إلى أكثر بل هو يستقيل ببيان التشريع الإسلامي ، ويكون واجب الطاعة في غيبته .

وأما إذا أردنا بالمذهب ، ما يعود إلى  المقومات الرئيسية كالإعتقاد بالعدل والإمامة وعدمه ...

 

صفحة (69)
ــــــــــــــــــ

(1) ج3 ص327.  (2) انظر الحاوي للفتاوي، للسيوطي ج2 ص280.

 

فالملاحظ بالنسبة إلى المهدي (ع) سكوت الأخبار الواردة في مصادر العامة والجماعة عن مذهبه ، سكوتاً تاماً، في حدود اطلاعنا . فلو أردنا الجواب على مثل هذا السؤال وهو : ان المهدي من أهل السنة ، يؤمن بأصولهم الإعتقادية ، أو بالأهم  منها على الأقل ... كان ذلك متعذراً عن طريق الأخبار .

ومن هنا سكتت كلمات محققيهم عن التعرض لذلك .. واكتفوا بالقول بأنه يطبق الدين الحقيقي ، من دون اي إشارة إلى أنه ممن يوافقهم في المذهب أولاً .

نعم ، من يرى منهم بأن المهدي (ع) يعمل بفقه أحد المذاهب الأربعة يرى – بطبيعة الحال - أنه ملتزم عقائدياً بما يعتقدونه ، غير أن محققيهم اعترضوا على هذا القول واستنكروه ، كما سمعنا .

إذاً، فلم يتم الإثبات التاريخي الكافي لذلك .

نعم ، تبقى هناك فكرتان :

إحداهما أشمل من الأخرى ، لا بد من عرضهما  في هذا الصدد:

الفكرة الأولى : فيما تقتضيه القواعد العامة ، من تعين مذهبه على وجه الإجمال .

من المسلم به بين المسلمين كون أحد المذاهب الموجودة بين مذاهبهم حقاً . وأن المذاهب الأخرى باطلة غير مطابقة للعقائد الإسلامية الصحيحة .وسبق أن قلنا أن اصحاب الإمام المهدي (ع) الممحصين في عصر الغيبة ، إنما يكونون من ذلك المذهب أياً كان – دون غيرهم . ليتم تمحيصهم عل الحق وإخلاصهم له، لا على غيره، كما هو واضح .

ومعه فلا بد من الإلتزام بأن مذهب المهدي (ع) هو ذلك المذهب الحق الذي يختار له الله تعالى عليه اصحابه. ولا يحتمل أن يكون مخالفاً لهم في المذهب لانه يلزم منه أن لا يكون أحدهما على الحق وهو باطل بالضرورة.

واما تعيين هذا المذهب الحق وتسميته من دون المذاهب الأخرى ... فهذا راجع إلى وجدان كل مسلم ، وما قام الدليل عنده من صحة أي مذهب من المذاهب . ستكون الفكرة الأولى لدى الفرد المسلم أن يقول : إن المذهب الحق هم مذهبي ، والدليل على صحته قائم عندي، إذا فالمهدي يكون عليه ، هكذا يقول أهل كل مذهب ...، يبقى مذهب المهدي – بعد ذلك – مجملاً .
 

صفحة (70)