|
||
|
فإنه بصفته نبياً لملة أخرى غير دين الإسلام ، يكون من الوهن في الحكمة الإلهية أم يكون حاكماً للمجتمع المسلم بما فيه من أولياء وصالحين ،وكأنه يظهر عندئذ عجز الأمة الإسلامية عن إيجاد قائد كبير منها . بل إن الحكمة والتفضيل الإلهيين اقتضى أن يكون الحاكم الأعلى للدولة الإسلامية مسلماً بالأصل لا يمت إلى اي دين آخر بصلة، مضافاً إلى صفاته الأخرى . الناحية الخامسة: دلت الروايات على ان بقاء المسيح في الأرض بعد نزوله أربعون سنة، ولعل المراد به مجرد فكرة الكثرة ، بشكل يناسب أن تكون أكثر أو أقل بمقدار ما. وحيث يكون من الراجح ، كما سوف نشير أن الإمام المهدي (ع) لن يبقى في الحياة بعد ظهوره ، إلا حوالي العشر سنوات ،إذا ً فسوف يبقى المسيح بعد المهدي(ع) حوالي ثلاثين عاماً ، وهي فترة ليست بالقصيرة بالنسبة إلى النظام المهدوي الجديد .ويؤيد ذلك قوله في رواية أخرى ،وعيسى في آخرها .فإنه لا يكون في آخرها إلا إذا كان متأخراً في البقاء في الحياة بعد الإمام المهدي (ع). ومهما يكن من شكل الرئاسة العليا لدولة العدل العالمية بعد الإمام المهدي (ع) – وهذا ما سنذكره في الباب الآتي- ،فإن المسيح (ع) لن يتولى الرئاسة على أي حال ، بل سيكون له قسط من العمل والتوجيه ،أو يستمر بنفس صفته التي كان عليها بين يدي شخص الإمام المهدي (ع). نعرف ذلك من القاعدة التي سمعناها : ان بعضكم على بعض أمراء .ومن الواضح أن الأولياء الموجودين بعد المهدي (ع) كلهم مسلمون بالأصل غير المسيح ، لأنه نبي لدين سابق .فيكون هؤلاء الأولياء أولى منه بتولي الرئاسة. وإذ تنتهي حياته ويحين أجله ، تسكت الروايات عن كيفية موته وسببه.والمفروض أنه يموت كما يموت غيره من البشر ، فهو الآن يصعد بروحه وحدها إلى السماء بعد أن كان قد صُعد فيما سبق بروحه وجسمه معاً.
صفحة (606) إن قانون: "كل نفس ذائقة الموت" يعين عليه الموت مهما طال عمره فإنه قانون عام لا يستثنى منه نبي ولا ولي. وحيث لم يكن ارتفاعه الأول موتاً حقيقياً أو كامل، كان اللازم بمقتضى هذا القانون ،أن يموت الموت الحقيقي الموعود ،ولو بعد مئات أو آلاف من عمره الطويل. فهذا هو الحديث عن بعض النواحي المهمة من خصائص المسيح (ع) . الجهة الخامسة : في بعض خصائص اهل الكتاب وعقيدتهم يومئذ. ونتكلم عن ذلك في عدة نواحي: الناحية الأولى : دلت بعض الروايات ، بما فيها بعض ما سبق :على أن المهدي (ع) يستخرج التوراة والإنجيل ،وكل الكتب والصحف المنزلة على الأنبياء من غار في أنطاكية ، فيحتج بها على اليهود والنصارى، فيدخلون في الإسلام. إلا أن هذا التعيين للمكان لا يخلو من بعض نقاط الضغف: النقطة الأولى: عدم كفاية هذه الروايات لإثبات هذا الأمر تاريخياً ،فإنها روايات قليلة نسبياً وضعيفة السند. النقطة الثانية: إننا اشرنا خلال فهمنا لهذه الأخبار ، أن المهدي (ع) يستخرج كل كتاب من المكان المذخور فيه ... وذلك بعد ضم أمرين إعجازيين : الأمر الأول : انحفاظ هذا الكتب من التلف خلال آلاف الأعوام . الأمر الثاني: إطلاع الإمام المهدي على مكانها ، وهي موزعة في بقاع العالم . وإنما حدثت هذه المعجزة باعتبار هداية الناس بهذه الكتب بعد الظهور ، فاصبحت مطابقة لقانون المعجزات . على أنه يمكن حمل الأمرين على الشكل الطبيعي أيضاً. وأما اجتماع هذه الكتب كلها من غار أنطاكية وفهو مما لا مبرر له لا إعجازي ولا طبيعي ،كما هو واضح ، فيكون باطلاً. الناحية الثانية : كيف يثبت للناس أن هذه الكتب الحقيقية ، وكيف يثبت أن هذه هو عيسى بن مريم (ع) نفسه وأن هذه هي الكتب الواقعية؟ مع أن الناس غير مشاهدين وغير معاصرين له ولا لها .وخاصة أن هناك في اليد نسخ من التوراة والإنجيل ستكون مختلفة عن تلك النسخ الأصلية . وجواب ذلك :أن هذا الإثبات يتم بعد إقامة الحجة الكاملة من قبل المهدي (ع) على مهدويته وصدقه .بحيث يكون كل ما يخبربه مسلم الصحة عند الناس . فيعرفهم على المسيح وعلى التوراة والإنجيل. مضافاً إلى ما قد يضيفه المسيح نفسه من حجج وبينات ، فيثبت بها نفسه وصدقه ، إلى جنب عدالة القضية ككل.
صفحة (607) وبهذا نعرف أن قضية نزول المسيح او استخراج الكتب لا يكون بمجرد حجة كافية ،لوضوح أن نزول عيسى من السماء لن يشاهده إلا القليل وربما لا يشاهده أحد. فيحتاج هو على الأرض إلى إثبات لشخصيته. وكذلك الكتب فإن مجرد وجودها هناك لايعني صدقها ومطابقتها للواقع . ما لم يقترن كل ذلك بالحجة الكافية لإثباته. نعم، بعد ان يثبت كل ذلك بالحجة، وقد سبق أيضاً للناس التبشير بحصول ذلك في عصر المهدي(ع) في الأخبار التي سمعناها ، يكون ذلك بطبيعة الحال ، دعماً لصدقه وعدالة قضيته. الناحية الثالثة: أنه دلت بعض الأخبار على أن الإمام المهدي (ع) أنه قال: لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم(1) . كما يؤيد أيضاً بقوله تعالى: "إنا أنزلنا التوراة فيها هدىً ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً .ومن لم يحكم بما انزل الله فأؤلئك هم الكافرون .وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأؤلئك هم الظالمون "(2)
(2) 5 / 44 _ 48
|
|