|
||
|
وأما ألإحتمال الثاني: وهو تلقيب المهدي الإسلامي بالمسيح بصفته المنقذ المنتظر، فهو أمر معقول وصحيح غير أنه متروك إسلامياً ،باعتبار ما سوف يقع عندئذ من الخلط بين المهدي وعيسى بن مريم. ولكنه على كل تقدير لا يدل على وحدة هذين القائدين ،وإن الذي بشرت به الأناجيل والأخبار بمجيئه ليس إلا المهدي نفسه، دون عيسى بن مريم (ع)، لأن الأناجيل والأخبار لو كانا قد اقتصرا على لقب المسيح لكان هذا الحمل محتملاً،غير أن الأمر ليس كذلك ،فإن الأناجيل بشرت بعودة يسوع على أي حال :وأما الأخبار فقد سمعنا تسميته بصراحة ، بعيسى بن مريم (ع) ، وليس مجرد كونه مسيحياً ليحتمل انطباقه على المهدي .بل هي – في الأغلب – سمته ولم تلقبه بالمسيح. ومعه، فاحتمال وحدة المسيح و المهدي ،وانهما مفهومان عن شخص واحد ،غير وارد في الإطلاق .بل هما شخصان يظهران معاً ويبذلان جهوداً مشتركة في إنقاذ العالم وتطبيق العدل الكامل، ويتكفل كلاهما قيادة ومهمة واحدة ،وإن كانت القيادة العليا مسندة إلى المهدي (ع) كما سنسمع. وبعد استنتاج هذه النتيجة .يمكننا أن نمشي في الجهات الآتية، من الحديث بسهولة. الجهة الثالثة: في المضمون العام لهذه الأخبار. إذا لاحظنا مجموع هذه الأخبار ،واعتبرناها جميعاً قابلة للإثبات التاريخي ، حصلنا على تسلسل الفكرة بالشكل التالي: إن الدجال حين يبلغ قمة مجده وإغرائه وسيطرته على العالم ، ينزل المسيح من السماء واضعاً كفيه على أجنحة ملكين ،فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ، يبدو للرائي أنه خرج من الحمام لوقته ،لأنه إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدرت منه جمرات كاللؤلؤ على وجهه .وإن كان المفهوم من الخبر ان هذا خيال للرائي ولي سهو برطوبة حقيقية. وتكون الوظيفة الرئيسية الأولى للمسيح هي قتل الدجال والقضاء عليه، ويكون الدجال يومئذ في دمشق فيلحقه المسيح فيدركه بباب لدد فيقتله.
صفحة (600)
وأما المهدي (ع) فهو الشخص الرئيسي من هؤلاء المؤمنين الذين يواجههم المسيح .وحين تحين الصلاة بعد وصولهم إليه أو وصوله إليهم ، يدعوه ألإمام المهدي (ع) احتراماً له ، أن يكون هو الإمام في صلاة الجماعة، فيأبى ذلك قائلاً :لا، إن بعضكم على بعض أمراء ،تكرمة الله لهذه الأمة يعني أن الأمة الإسلامية لا بد – في الحكم الإلهي – أن يحكمها شخص منها ،وحيث أن المسيح عيسى بن مريم ليس منها ،باعتباره نبياً لدين سابق ، إذاً فلا ينبغي أن يحكم المسلمين أو أن يأمهم في الصلاة .وبعد هذا الإعتذار ، يتقدم المهدي إماماً للصلاة ،وبعد هذا الإعتذار ، يتقدم المهدي إماماً للصلاة ويصلي المسيح خلفه مأموماً . وسيحين خلال هذه المدة ،الوقت المناسب لمنازلة الكافرين والمنحرفين ، متمثلين بيأجوج ومأجوج ، وبالرغم من أن هذه القيادة العالمية إنما هي بيد الإمام المهدي (ع) غير ان قيادة الحرب ستكون بيد المسيح (ع) ، ومن هنا نسب القضاء على يأجوج وماجوج إليه، كما نسب القضاء قتل الدجال إليه أيضاً ،مع أن هناك من الأخبار ما يدل على أن المهدي (ع) هو الذي يقتل الدجال(1) وكلا النسبتين صادقة ،باعتبار وحدة العمل والهدف. وهذا التسلسل الفكري ،يمكننا دمجه بفهمنا العام السابق للحوادث ، وربطه بالتخطيط العام اللاحق له ،فينتج لدينا النتيجة التالية: إن الدجال ليس شخصاً معيناً ،كما قلنا ،وإنما هو كناية عن الحضارة المادية في قمتها وأوج عزها وإغرائها. ومن الواضح أن مثل هذه الحضارة لا يمكن القضاؤ عليها بقتل شخص معين ،وإنما تحتاج إلى عمل فكري وعسكري عالمي للقضاء عليها ،وتحويل الوضع إلى الحكم العادل الصحيح. وهذا العمل موكول أساساً إلى المهدي (ع) بصفته القائد الأعلى ليوم العدل الموعود.
(1) انظر
منتخب الأثر ص480 عن إكمال الدينوغيره. ومن هنا ذكرت الأخبار بأنه يقتل الدجال .هذا لا ينافي أن شخصاً من أصحابه وتحت إمرته يشارك في هذه المهمة مشاركة رئيسية ، بحيث تصحح نسبة القتل إليه أيضاً، كما تصحح كونه مسيحياً مصلحاً للعالم. والمستفاد عموماً من الأخبار :أن نزول عيسى (ع) ، يكون بعد ظهور المهدي ولكن قبل استتباب دولته ،يعني خلال محاربته للكافرين والمنحرفين وممارسته للفتح العالمي . وهناك(1) من الاخبار ما بدل على انه يبايعه في المسجد الحرام مع اصحابه الخاصة الاوائل غير انه غير قابل للإثبات التاريخي. وهذا هو المراد من كون المهدي في وسط الامة وعيسى في آخرها ،لو صح الخبر ،لأنه ينزل بعد ظهور المهدي ،ويبقى بعد وفاته ، فأصبح كأنه بعد المهدي في الزمان ، فيصدق عليه مجازاً ، أنه في آخر الأمة. والمسيح يواجه بعد نزوله يأجوج ومأجوج ، قد خرجوا من الردم ،وقد عرفنا أنهما يمثلان الحضارة المادية ذات الفرعين الأساسين في البشرية ، ويكون مسؤولاً خلال الفتح العالمي ،عن محاربتهما والقضاء عليهما، وقد سبق أن تحدثنا عن ذلك مفصلاً. وهنا قد يبدو أن الخبر الدال على ذلك، دال أيضاً على تأخر خروج ياجوج وماجوج من الردم ،على نزول عيسى ثم على ظهور المهدي ، وهذا مخالف لفهمنا السابق ،لأن الحضارة المادية بكلا فرعيها إنما تكون قبل الظهور. إلا أن دلالة الخبر على ذلك غير صحيحة ،لأنه دال على أن عيسى بعد أن يجتمع بالمؤمنين الصالحين ، يخبره الله تعالى بإخراج ياجوج ومأجوج "فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى :إني قد أخرجت عباداً لي ،لا يدان أحد بقتالهم". إن هذا التوقيت توقيت للإخبار لا للخروج من الردم .وليس في الخبر الذي يتلقاه هذا النبي أنهم قد خرجوا لفورهم. وهذا الإخبار لا يتضمن معناه المطابقي اللفظي بطبيعة الحال ،وإنما يتضمن الأمر بالمبادرة إلى قتالهم بعد أن التأم جمع المؤمنين مكوناً من المهدي والمسيح (ع) وأصحابهما، وقد أزفت ساعة الصفر للفتح العالمي، واقتضى التخطيط الإلهي.
(1)انظر
الزام الناصب ص307 |
|