الوجه الثاني : إن الهدف من تأييد الجيش النبوي مذكوراً في الآية وهو قوله تعالى :

" ليقطع طرفاً من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين". فمهما وجد هذا الهدف بإخلاص وجد التأييد .وكيف إذاعرفنا أن الهدف المهدوي ليس محدوداً بل واسعاً بسعة الأرض كلها ،فإن التأييد يكون من هذه الناحية أولى بطبيعة الحال.

المستوى الثالث: تعاضد التكوين والتشريع في إنتاج العدل لنتائجه النهائية.

فإن المستفاد من عدد النصوص من الكتاب الكريم والسنة الشريفة ، أن تطبيق العدل الإلهي أينما وجد، والمجتمع المؤمن أينما تحقق ، فإن الطبيعة تكون مساعدة له بمشيئة خالقها الحكيم – لإنتاج النتائج الحسنة والوصول إلى الرفاه الإجتماعي. وهذا أمر صحيح برهانياً ، وسيأتي ما يلقي عليه الضوء الكافي في الكتاب الآتي، من هذه الموسوعة.

كقوله تعالى – نقلاً عن النبي (ع) -:

"ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ،  يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم"(1)

وقوله نقلاً عن نوح النبي (ع):

"فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمدكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً "(2)

فإن إرسال السماء مدراراً وشق الأنهار وزيادة البنين ونحوها ، أمور تكوينية ليس للإنسان فيها يد، وخاصة في عصر نوح(ع) ،ومع ذلك فقد قرنت مع الإستغفار والتوبة ،ومع إصلاح النفس والإخلاص بشكل عام .وهذا صادق بالنسبة إلى المجتمع المحدود ، فكيف إذا أصبح المجتمع كله صالحاً مؤمناً.

فهذه مستويات ثلاثة من التأييد الإلهي ، لا حاجة الآن إلى الزيادة عليها.

الناحية الثانية : في تطبق ذلك على الدولة المهدوية ،وما عرفناه من أشكال التأييد التي تعتبر كنتائج لإحدى هذه المستويات .


صفحة (565)
ـــــــــــــــــ

(1) 11/ 52

(2) 71/ 10 _ 12

 

ومن الواضح أن الصفات المعتبرة لإستحقاق التأييد في المستويات الثلاثة كلها موجودة في اصحاب الإمام المهدي (ع) خاصة وفي الدولة العالمية العادلة ، ككل، فمن الطبيعي أن يكونوا مشمولين لكل هذه الأشكال الثلاثة .

واما من حيث النتائج التي تعرضها علينا الأخبار السابقة ، فتتجلى في صور مختلفة:

الصورة الأولى : سهولة استخراج المعادن بشكل خارج عن الحسبان ، سواء فهمناها من زاوية إعجازية أو من زاوية طبيعية ، وقد تحدثنا عن ذلك.

الصورة الثانية : اتساع الزراعة والأراضي المزروعة بشكل عظيم لم يسبق له مثيل.

" لا تدخر الأرض من بذرها شيئاً إلا أخرجته ،ولا السماء من قطرها شيئاً إلا صبته".

الصورة الثالثة : ارتفاع الدخل الفردي بشكل لا مثيل له ، إلى حد  ينغلق الطمع بالمال الزائد تمام، كما صرحت به الروايات .

الصورة الرابعة: أنه (ع) : "تطوى له الأرض" وهو تعبير عن سرعة الوصول  إلى المكان البعيد، أما بشكل إعجازي أو بشكل طبيعي ،كما سنتحدث عنه غير بعيد.

الصورة الخامسة : شمول الأخوة لكل الناس وعموم الصفاء بينهم جميعاً ، الأمر الذي لم يحدث في أي نظام  آخر ، كما نصت عليه أخبار الفريقين.

الصورة السادسة: إن الأمن والصفاء لا يشمل البشر فقط ، بل يشمل الحيوانات أيضاً: البهائم والسباع "واصطلحت السباع والبهائم" فيما بينها .وهي لا تضر الإنسان أيضاً "لا يهيجها سبع ولا تخافه".

وهذا الصلح منصوص عليه في كتب العهدين أيضاً، ومقرون هناك بوجود المجتمع الصالح العادل .كما سوف يأتي في جزءآت من هذه الموسوعة ، قد أعطى هناك معنى يشمل الأفاعي وسائر الحشرات أيضاً.

وهذا الصلح أحد المظاهر الواضحة للتأييد الإلهي للمجتمع المهدوي .حتى إن الوحوش تصبح ملهمة بقدرة الله عز وجل ، على أن تتجنب كلما يضرب البشر من قتلهم أو قتل مواشيهم أو إفساد مزروعاتهم وغير ذلك .بل  لعلها تشاركهم فيما يشعرون من سعادة ورفاه وأخوة "يرضى عنه ساكن السماء" وهو الطير.

 

صفحة (566)

 

وهذا المطلب لا يمكن إثباته من ناحية العلم التجريبي الحديث ،ولا يكون قابلاً للتصديق من قبل أي فرد ممن وثق بهذا العلم واطمئن إليه ، ولكن حسبنا تجربة المستقبل ،وحدوث يوم الظهور نفسه ،فبيننا وبين المفكرين المحدثين ،وجود المجتمع العالمي العادل:

" فانتظروا إني معكم من المنتظرين "(1)

فإن تجربة وجود هذا الصلح لا يمكن تحققها بدون تحقق ذلك المجتمع ،فإنه الشرط الأساسي له .ولا يعقل أن يتحقق الشيء قبل توفر سببه .فإن حدث ذلك المجتمع ،ولم يحدث الصلح بين السباع والبهام كان كلام المنكرين صادقاً ، ولكنهم لا يمكنهم إثبات ذلك في العصر الحاضر، بأي حال من الأحوال.

فهذا هو مهم الكلام في هذا الفصل. بقي علينا الدخول في الخاتمتين اللتين تعرضان إلى أنواع أخرى من المنجزات لا تمت إلى الجانب المالي والإقتصادي بصلة.

الخاتمة الأولى:

في المنجزات القضائية والعبادية والفقهية ونحوها في دولة المهدي (ع) :

ونتكلم عن ذلك في عدة جهات:

الجهة الأولى : في سرد الأخبار الدالة على هذه المنجزات:

أخرج في البحار(2) عن أبي عبيدة عن أبي عبدالله (ع) ، قال:

إذا قام قائم آل محمد حكم بحكم داود وسليمان ، لا يسأل الناس بينة ، وأخرجه ، في  الوسائل(3) بلفظ مقارب .

وأخرج النعماني(4) عن إبان بن تغلب قال: كنت مع جعفر بن محمد (ع) في مسجد مكة وهو آخذ بيدي ، فقال:

يا أبان، سيأتي الله بثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً في مسجدكم هذا ...


صفحة (567)
ـــــــــــــــــ

(1) 7/71 وانظر: 10-20.  (2) ج13 ص 183 .

(3) ج3 ص435.            (4) ص 169.