|
||
|
صفحة (559)
الأطروحة الأولى: أن كمية ضخمة من المال ،كما سمعنا تبقى من دون أن يتوقع لها منفذ معين .ومن هنا يكون من المنطقي أن ترصد للمحتاجين أفراداً ومجتمعات ، على طول الخط . يأخذ منها المحتاج – اياً كان – بدون مقابل وبدون شروط ،وبدون تحديد كمية معينة ، مادام المقدار معقولاً ومنطقياً. غير أن الأخبار دلت بوضوح على عدم إقدام الناس للحصول على شيء من هذا المال ، لعدم وجود المحتاج بأي شكل من أشكاله في الدولة المهدوية العادلة، حتى أن هذا الفرد الذي يأخذ المال ثم يندم عليه ، سيكون دافعه للأخذ هو الطمع وليس الحاجة ،ومن هنا أمكنه التفكير بإرجاعه بدون حرج. الأطروحة الثانية: أن دولة المهدي (ع) بعد ان تستتب أساليبها وبرامجها في إغناء الناس وإسعادهم ، حتى لا يبقى فقيرعلى الإطلاق ولا مشتاق على المال أصل، عندئذ تتعلق المصلحة ببيان ذلك وإيضاحه أمام البشر أجمعين والتاريخ وذلك بالقيام بتخطيط معين مؤقت ،وهو أن تعد الأموال الفائضة ويعلن في الناس إعلاناً عاماً، بأن من يريد أن يحصل على المال ، فإنه يستطيع بمقدار ما يشاء ، وحين لا يقبل الناس على أخذ المال ، غير واحد فقط، يثبت بالضرورة أن جميع الأفراد قد أصبحوا أغنياء ومرفهين إلى حد انقطعت أطماعهم وتحققت كل آمالهم. فإذا استطعنا أن نتصور أن هذا التخطيط المعين في كثير من بلدان العالم ، يبدأ به المهدي (ع) في العاصمة المركزية ،ويطبقه الحكام الموزعون على الأرض كل في إقليمه ...وإذا كانت الإستجابة من الناس هي نفسها أو مقاربة في كل البلدان، حتى التي مانت معتادة على الجشع الرأسمالي ...حينئذ نستطيع أن ندرك كيف ولماذا أصبحت هذه التجربة هي المزية الرئيسية للإمام المهدي (ع) لم يستطع أحد قبله على الإطلاق أن يؤديها أو أن يفكر فيها فضلاً عن أن ينجح في أدائها ... مهما كانت دعاوي العقائد المنحرفة السابقة على الظهور ، ذات ضجيج وعجيج. ومن هنا نصت جملة من الأخبار على هذه المزية بالتعيين ،ولم تصف المهدي (ع) إلا بها .كالذي أخرجه مسلم: يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده .وما أخرجه البخاري :وحتى يعرضه عليه: لا أرب لي به إلى غير ذلك من الأخبار ، وقد سمعناها.
صفحة (560)
الناحية الثالثة: إن بعض الأخبار السابقة يذكر كثرة المال ولا يشير إلى المهدي(ع) بالتعيين ، فكيف نستطيع أن نفهم المقصود به ذلك؟ ولهذا السؤال أسلوبان في الجواب ، أحدهما عام لكل الأخبار الواردة حول المهدي (ع) مع أنها لم تذكر اسمه. وقد طبقنا جانباً من هذا الأسلوب في التاريخ السابق(1)، وقلنا أن كل التنبؤات بحوادث المستقبل مربوطة بظهور المهدي (ع) وتصلح أن تكون (علامات) له ، ما لم يثبت بدليل خاص تأخرها عن الظهور وكونها من أشراط الساعة بشكل مباشر،وستأتي تفاصيل البرهان على ذلك في الكتاب الخاص بالسنّة والمهدي من هذه الموسوعة بتوفيقه تعالى. وهناك من القرائن ما هو خاص بمورد كلامنا، تدلنا على أن كثرة المال لا تكون إلا في دولة المهدي العالمية العادلة ، نذكر منها قرينتين: القرينة الأولى: أنه بعد أن ثبت بالضرورة والوجدان،عدم توفر المال بكثرة على الشكل الموصوف في الروايات، في أي عصر من عصور البشرية إلى العصر الحاضر،إذ، فهو سيتوفر في المستقبل .ولا يخلو عصر توفره من احد احتمالات ثلاث : الأول: توفر المال قبل الظهور ، أي في الفترة المتخللة بين العصر الحاضر والظهور. الثاني : توفر المال في دولة المهدي (ع) نفسها. الثالث : توفر المال بعد دولة المهدي (ع) أي في الفترة المتخللة بين نهاية الدولة ،ونهاية البشرية. وأما الإحتمال الأول: فهو غير وارد على الإطلاق .لما عرفناه مفصلاً من بقاء الظلم والفساد إلى لحظة الظهور. ومن غير المحتمل لعصر الفتن والإنحراف أن يؤثر تأثيراً إيجابياً في كثرة المال بهذا الشكل .وهذه الأنظمة العالمية المعاصرة أمامنا لم تنتج هذه الكثرة وغير قابلة لأن تنتجها في المستقبل ،وكذلك كل نظام لا يتكفل النظام العادل ، بل يمثل خط الإنحراف العام.
(1) تاريخ الغيبة الكبرى ص 523 وما بعدها.
|
|