|
||
|
منها : توفر الأطعمة والثمار لدى الناس ، مع رخص قيمتها السوقية ، بل توفرها مجاناً للكثير من الناس. ومنها: توفير العمل المنتج للعديد من الأيدي العاملة ،وبالتالي إشباع الملايين من العوائل التي كانت فقيرة ومضطهدة في عهد ما قبل الظهور. ومنها : توفير الفرص الكبيرة لإزجاء الحاجات الحياتية مجاناً ، وبدون عوض. وبذلك نستطيع أن تصور حصول النتيجة المهمة الكبرى المطلوبة ،وهي توفير السعادة والرفاه في ربوع المجتمع البشري. الجهة الرابعة: في السياسة العمرانية في دولة المهدي (ع). ونحن نرى نتائج السياسة واضحة فيما سمعنا من الأخبار ، فبيوت الكوفة سوف تتصل بكربلاء والحيرة، ويكون الجميع بلدة واحدة ،وهي من السعة بحيث لو ركب شخص بغلة سفواء _ أي سريعة السير _ من صبح يوم الجمعة قاصداً المسجد الذي تقام فيه صلاة الجمعة ظهراً لأجل حضور هذه الصلاة ، لم يدركها، وإذا كان هذا الشخص قد توجه من أحد أطراف هذه المدينة ، فالمسجد على أي حال ، ليس في طرفها الآخر، بل في وسطها ،ومن هنا نعرف أن هذه المسافة التي يمشيها هذه الرجل ببغلته السريعة ، ليست إلا قسماً من البلدة ، ولا يمثل أكثرها فضلاً عن جميعها. وهذا أيضاً من التنبؤات الطريفة في الأخبار ، فإن سعة المدن بهذا المقدار ، لم تكن معروفة بأي حال في الزمن القديم ، بل لعل مجرد تصورها كان فوق الخيال ،وأما الآن ، فهو يعتبر أمراً طبيعياً ، خاصة في العواصم الأخرى كيف والكوفة ستصبح عاصمة للعالم كله، تحت راية الدولة المهدوية فمن الطبيعي لها ان تتسع بهذا المقدار. ولعلنا نستطيع أن نفهم من هذا : مقدار تركيز الدولة واهتمامها بالعمران في سائر البلدان ، وليس في العاصمة فقط ، فلئن كانت العاصمة بالتحديد الذي سمعناه ، يزيد طولها على الثمانين كيلومتراً ، فليكن غيرها مقارباً لذلك أو بمقدار نصفه مثلاً ...حسب ظروف كل بلدة وموقعها الجغرافي وأهميتها الإجتماعية .
صفحة (553) وستنال المساجد اهتماماً خاصاً من قبل الإمام المهدي (ع) ، باعتبارها مراكز إسلامية رئيسية. فالمسجد الحرام الذي فيه الكعبة المشرفة في مكة المكرمة سوف يشطب على كل توسيعاته ،ويهدمها ويرد المسجد إلى اساسه الذي كان عليه في صدر الإسلام ،إحتراماً لهذا الأساس الذي كان في زمن رسول الله(ص) .وستترتب على هذا التغيير بعض النتائج التي قد نشير إليها في خاتمة هذا الفصل. ويحول المهدي (ع) مقام إبراهيم أساساً، تعني المكان الذي عليه إبراهيم الخليل(ع) حين بنى الكعبة المشرفة. وبطبيعة الحال يقف الباني إلى جنب الجدار الذي يبنيه ، ولا معنى أن يقف بعيداً عنه بعدة أمتار. ومعه الموضع الطبيعي لمقام إبراهيم هو جوار الكعبة المشرفة ،كما تقتضيه طبائع الأشياء. وهو أيضاً يهدم في الكوفة ، أربعة مساجد من دون تجديد ، على ماهو ظاهر الأخبار ، باعتبارها لم تبن على التقوى ، الذي هو الشرط الأساسي لمشروعية بناء المسجد في الإسلام .فإذا بنى على غير التقوى وجب هدمه لا محالة ،ولم تكن قبل ظهور المهدي(ع) قوة مؤمنة قادرة على ذلك ،ومن ثم وجب على دولة المهدي المبادرة إلى إزالة آثار الإنحراف والعدوان. وأما المسجد الذي يأمر المهدي (ع) ببنائه في ظهر الكوفة ، أي خلفها من ناحية النجف ، فهو الذي له ألف باب .وقد دل على وجوده عدد من الأخبار .وهذا الرقم وإن لم يكن مقصوداً بنفسه .إلا أنه يدل على كثرة كبيرة جداً من الأبواب ، تلك الكثرة المستلزمة لسعة ضخمة في المسجد. فإننا لو فرضنا هذا لمسجد مربعاً ،وكان في كل ضلع منه مئتان وخمسون باب،وكان بين كل باب وباب عشرة أمتار على الأقل ،لأن طول الضلع الفي متر وخمسمئة متر، وهذا معناه أن سعة المسجد لا تقل عن ست ملايين وربع من الأمتار المربعة .وهو مسجد لم يسبق له مثيل قبل عهد الظهور يبنى لكي يناسب الوضع الإسلامي في الدولة العالمية.
صفحة (554) وإنما تنبثق الحاجة إلى ذلك ، باعتبار صلاة الجمعة التي يقيمها الإمام (ع) في كل أسبوع . والتي يجب شرعاً ان يحضرها الأعم الأغلب من الذكور من سكان العاصمة ،وما حواليها من الضواحي .إلى جانب كل من يرغب بالحضور للتشرف بالصلاة من خلف الإمام المهدي (ع) .وثم سوف يكون التجمع كبيراً جداً بحيث يمكن أن يجمعهم جامع الكوفة الكبير الذي يخطب فيه لأول مرة ، كما سمعنا .فاقتضت المصلحة إيجاد مثل هذا المسجد الضخم ليسد هذه الحاجة الإسلامية الملحة. ومن هنا ذكرت الأخبار ، أن الإمام المهدي (ع) في اول جمعة من وروده إلى العراق يخطب خطبته الأولى هناك ،وهي التي سبق أن تعرضنا لها قال الخبر" فإذا كانت االجمعة الثانية ، قال الناس :يا ابن رسول الله ، الصلاة خلفك تضاهي الصلاة خلف رسول الله (ص) والمسجد لا يسعنا ، فيقول: أنا مرتاد لكم . فيخرج إلى الغري فيخط مسجداً له ألف باب ، يسع الناس(1). والمسجد الذي لا يسع المصلين ، هو جامع الكوفة الكبير الذي كان أمير المؤمنين (ع) يصلي فيه .والغري هو النجف الأشرف الواقع جنوب الكوفة .وقوله : مرتاد لكم ، أي طالب ومترقب لإجابة طلبكم. ومن هنا نعرف أن هذا المسجد يكون من اولى منجزاته العمرانية في العالم . وهو يهتم في كل مسجد أن يطبق عليه الحكم الإسلامي الصحيح ، حتى لو كان الحكم استحباباً غير إلزامي، حيث ينبغي أن يتربى المجتمع تدريجياً على الإلتزام بالواجبات والمستحبات معاً .ليبلغ في نهاية المطاف درجة العصمة المطلوبة ، فهو (ع) يهدم كل مسجد عالي البناء ،ويقتصر منه على المقدار الراجح في الشريعة العادلة .قال الخبر: " ولم يبق على وجه الأرض له شرف إلا هدمها وجعلها جماء." ومن جملة الأعمال العمرانية للمهدي (ع) في دولته- كما في الخبر – أنه يوسع الطرق الأعظم .والمراد به الطريق الذي بين بلدتين وليس في الخبر إشارة إلى طريق معين ،وإنما المراد أنه يقوم بتوسيع الطرقات المهمة التي تصل بين المدن عموماً.
(1)
انظر
غيبة الشيخ ص281ةإعلام الورى ص430 |
|