|
||
|
ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها ولأخرجت الأرض نباتها ولذهبت الشحناء من قلوب العباد ، واصطلحت السباع والبهائم ، حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلا على النبات وعلى رأسها زينتها، لا يهيجها سبع ولا تخافه. فهذه نخبة من الأحاديث الكثيرة الواردة في هذا الصدد . وكثرة الأخبار بهذا الصدد تنتج لنا أمرين: الأمر الأول: اتضاح مدى اهتمام قادة الإسلام : النبي (ص) فمن بعده، إيضاح خصائص دولة المهدي وما يقوم به من أعمال ،وما ينتجه من خيرات .كيف لا ؟ وهو يمثل القمة لجهودهم والثمرة الطيبة لأعمالهم والنتيجة الكبرى للتخطيط الإلهي الطويل . الأمر الثاني : إننا نستطيع بهذا السرد أن نؤدي حساب كل حادثة من الحوادث المنقولة بشكل أكثر وأدق، ونوفر لها المثبتات بشكل اكثر. لوضوح أن الروايات كلما زادت على الحادثة الواحدة ، كانت آكد وأوضح في الذهن وأقوى ثبوتاً من الناحية التاريخية. والآن ، لابد أن نأخذ كل رواية من الروايات العامة المنقولة من هذه الأخبار لنرى مقدار ثبوتها وموافقتها للقواعد العامة والقرائن المثبتة ، وذلك ضمن الجهات الآتية . الجهة الثانية : المسلك الشخصي للإمام المهدي بصفته رئيساً للدولة العالمية العادلة. وهو ما صرحت به بعض هذه الأخبار، من أن لباسه الخشن الغليظ وطعامه الشعير الجشب ، وفي الخبر إيراد القسم على ذلك.
(1)
ج13 ص182 وهذا هو المسلك الصحيح لرئيس الدولة الإسلامية العادلة على طول الخط .فإنه قد أخذ الله تعالى على كل إمام عادل يتولى الحكم الفعلي في المجتمع أن يعيش في طعامه ولباسه على شكل أو أسلوب اقل أفراد شعبه. والحكمة من ذلك ، أوضح من أن تخفى، وهو أن لا يدعوه المنصب الكبير والمال الوفير إلى تناسي الفقراء من أبناء شعبه ومحكوميه. وهذا المسلك هو الذي طبقه رسول الله (ص) على نفسه حين تولى رئاسة الدولة الإسلامية بعد فتح مكة، واتخذه الخلفاء الأوائل الذين حكموا بعده إلى عصر خلافة أمير المؤمنين علي بن ابي طالب. وكذلك سوف يكون الإمام المهدي (ع) حين يمارس الحكم العالمي العادل ، لأنه سيكون من الواجب عليه أن يكون في عيشه مماثلاً لأقل فرد جائع ومسكين في العالم كله. وسيكون أيضاً على هذا المسلك ، اصحابه الخاصة الذين يوزعهم حكاماً على الأرض ، لأن الفرد منهم سيكون رئيساً عادلاً لمنطقة من الأرض ، فيجب عليه أن يكون في حياته مماثلاً لأقل فرد في منطقته. وقد سبق أن سمعنا في أخبار بيعة الإمام في المسجد الحرام لأول مرة، أنه (ع) يشترط على هؤلاء الخاصة شروطاً، يعود عدد منها إلى الحفاظ والتقيد من الناحية الشخصية،والعدد الآخر إلى العدل في المسلك ألإجتماعي. ففيما يعود إلى الناحية الشخصية يشترط عليهم أن " لا يتمنطقوا بالذهب ولايلبسوا الخز ولا يلبسو الحرير ولا يلبسوا النعال الصرارة ...ويلبسون الخشن من الثياب ويوسدون التراب على الخدود ويأكلون الشعير ويرضون بالقليل " الخ الخبر(1) وحيث لا يكون ذلك واجباً على كل المسلمين نعرف أن الإمام المهدي (ع) إنما يشترط ذلك عليهم باعتبارهم سيصبحون بعد فترة غير طويلة ريثما فتح العالم واستتباب الدولة العادلة، حكاما على اقاليم ألارض أو مشاركين في الحكومة المركزية معه. وهذا المضمون ، من الواضح في القواعد الإسلامية العامة بحيث لا يحتاج إلى خبر خاص يعرب عنه. وأما الخبر الوارد بهذا الصدد، والذي سمعناه يقول : فوالله ما لباسه إلا الغليظ، وما. طعامه إلا الشعير الجشب... فهو بالرغم من مطابقته لهذه القواعد العامة يوجه سؤالين لابد من عرضهما مع محاولة الجواب عنهما.
(1) انظرالملاحم والفتن ص122
السؤال الأول: أن ما تقتضيه القواعد العامة هو أن يعيش الرئيس في حياته الخاصة كأقل فرد من محكوميه. وبعد أن نعرف طبقاً للروايات المستفيضة عموم الرفاه وكثرة المال في دولة المهدي العالمية ، نعرف نتيجة لذلك أن الواجب عليه سيتغير، لأن أقل الأفراد في العالم سيعيش مرفهاً عالي الدخل . فيكون للإمام المهدي (ع) ان يتوسع في حياته الخاصة إلى حد كبير ،وكذلك اصحابه الخاصون تماماً. وجواب ذلك من عدة وجوه ، نذكر منها إثنتين: الوجه الأول: أن الرواية لم تدل على بقاء هذا المسلك للمهدي(ع) ، طيلة أيام حكمه ، بل يكفي في صدقها كونه على ذلك فترة من الزمن في أول حكمه .لأن العدل إنما يؤثر تدريجاً في نشر الرفاه في الأرض والسعادة بين ابناء البشر اجمعين، وما لم يعم الرفاه كل العالم بشكل حقيقي كامل ، يبقى الفرد البائس موجوداً في بعض زويا العالم بطبيعة الحال ،وما دام هذا الفرد موجوداً ، يبقى المسلك المشار إليه في الرواية واجباً على الإمام المهدي (ع). الوجه الثاني: إننا نتحمل – على أقل تقدير- أن تدريجية تأثير العدل فينشر الرفاه في العالم بكامله ، سوف تستمر طيلة حياة المهدي شخصياً وإنما سيتحقق هذا الهدف الكبير بعده طبقاً لنظامه الذي يسنه هو (ع) للحكام العالميين الذين يخلفونه. ومن الصحيح ان الأعم الأغلب من مناطق العالم ستكون مرفهة .ومن هنا يكتسب العالم كله سمة الرفاه والسعادة ، في حياة المهدي . غير أنه من الممكن وجود الفرد البائس في مناطق نائية أو متخلفة حضارياً من العالم الأمر الذي يحتم عليه بقاؤه على هذا المسلك طيلة حياته ،وإنما تستطيع الدولة العالمية العادلة اجتثاث ذلك ، على أيدي خلفائه. السؤال الثاني: أن الرواية تقول : ما تستعجلون بخروج القائم ، فوالله ما لباسه إلا الغليظ وما طعامه إلا الشعير الخشب.
|
|