|
||
|
والأحلام جمع حلم بكسر فسكون، وهو الأناة والرشد والعقل. قال تعالى: " أم تأمرهم أحلامهم بهذا"(1). أي عقولهم .وقد يقابل به الجهل والسفاهة .قال زهير: وأن سفاه الشيخ لا حلم بعده. وقوله : وضع يده على رؤوسهم ، قال المجلسي في مرآة العقول(2) : الضمير في قوله (يده) ، إما راجع إلى الله أو إلى القائم (ع) .وعلى التقديرين : كناية عن الرحمة والشفقة أو القدرة والإستيلاء .وعلى الأخير يحتمل الحقيقة. أقول ليس المراد به شيء من ذلك ...وإنما المراد الكناية عن تربية القائم (ع) للأمة الإسلامية .وإنما عبر بالرؤوس باعتبار كونها وعاء العقل والفكر باعتقاد الناس. ووضع اليد عليها كناية عن السيطرة عليها بالإقناع والتربية، لا يختلف الحال في ذلك سواء كان الفاعل المربي هو الله تعالى أو المهدي (ع) ،فإن شريعة المهدي (ع) هي شريعة الله تعالى ، وتربيته هي تربية الله عز وعلا ، فكلاهما المربي في حقيقة الأمر. ومن هنا تنتج التربية نتيجتها الطبيعية المطلوبة ،وهي اجتماع العقول ،وتكامل الأحلام .والمراد من اجتماع العقول ، الجانب العلمي أو الثقافي من حياة الإنسان والمراد من اجتماعها تسالمها على مفهوم عقائدي واحد وعلى اطروحة تشريعية واحدة ، بحيث يكون من الصعب أن نتصور وقوع الخلاف بين شخصين مندمجين في الإيديولوجية العامة لدولة المهدي العالمية .وخاصى إذا اصبحت الأمة والبشرية بدرجة من الكمال بحيث يصبح الرأي فيها (معصوماً) ويكون تحصل الإجتماع والإتفاق على الأمور سهلاً إلى حد كبير. والمراد من تكامل الأحلام : ارتفاع مستوى الأناة والرشد ،وهو الجانب العاطفي والنفسي للإنسان. ذلك الجانب الذي يمثل بأول درجاته مستوى العداة الفردية في الإسلام ،ويمثل في درجاته العليا (مستوى العصمة) التي سوف يصل إليها المجتمع بعد فترة من الزمن.
(1) الطور : 32 (2) انظرهامش منتخب الأثر ص 483 نقلاً عن مرآة العقول .
وهذه النتيجة بجانبها العلمي والعاطفي، هي التي تمثل الوعي العالي الذي يوجده المهدي (ع) في دولته ومجتمعه .وذلك الوعي الذي قلنا أنه لا يمكن أن يدرك الفرد كنهه إلا المفكر المعاصر لعهد الظهور ،وإنما ندركه الآن بعناوينه العامة ليس غير. ومن هنا يتضح أن وضع اليد على رؤوس العباد ، لا يراد به المعنى الحقيقي ، ولا الرحمة ولا الإستيلاء بمعنى الملك والسلطة ، فإن كل ذلك بمجرده لا ينتج تكامل الأحلام ولا اجتماع العقول ،كما هو واضح .وإنما الذي ينتج ذلك هو التربية والإعلاء للعقول والأفكار والعواطف. والمراد بالقرآن كما أنزل ، ذلك الذي يعلمه أصحاب المهدي للناس ، كما نطق به الخبر ...المراد به المعاني الواقعية للقرآن ، بعد وضوح عدم اختلاف القرآن عن عهد رسول الله (ص) لفظياً. ومن الطبيعي أن يعرض القرآن يومئذ كما انزل ، لما سمعناه في الأخبار العديدة : بان المهدي يأتي بالإسلام جديداً ، كما جاء به رسول الله (ص). فكانت وظيفة النبي (ص) هو التنزيل، ووظيفة المهدي (ع) هي التأويل أي التطبيق .وإن اهم فقرات التطبيق وخططه تفهيم الناس المقاصد الواقعية للقرآن الكريم ،وتثقيفهم الثقافة العالية عن هذا الطريق ...عن طريق الإمام المهدي (ع) وعن طريق أصحابه ثانياً. والمثاني التي هي بيد أصحاب المهدي (ع) – كما نطق الخبر- هي الواردة في قوله تعالى :" ولقد اتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم " ،وقد فسرت في اللغة بأيات القرآن الكريم ،وهو لا يكاد يكون صحيحاً ، فإن الآيات لا تنحصر بسبعة ، إلا أن يرادبها سورة الحمد خاصة ، وهو تفسير وردت به بعض الأخبار إلا أنها لن تثبت ، وهو – أيضاً – خلاف ظاهر الآية الكريمة . والأوفق بالقواعد اللغوية والإسلامية معاً ، هو هذا الإحتمال الذي نعرضه كأطروحة محتملة في تفسيرها ،فإن المثاني في اللغة هو ما بعد الأول من الأشياء .ومعه يكون الأول هو القرآن الكريم الذي عطفته الآية على المثاني ،وتكون المثاني مستويات سبعة متأخرة في الرتبة عن القرآن الكريم من قواعد الإسلام العامة، والأنسب عندئذ ، هو أن يكون كل واحد من هذه الأمور السبعة يلي القرآن مباشرة في الأهمية ، بحيث يعتبر كل واحد منها ثاني القرآن ، ليكون الجمع بالمثاني أقرب وأوضح.
صفحة (538) وإما أن هذه القواعد بالتعيين ما هي ، فيمكننا ان نعرف قليلاً منها :كالسنة والعقل والسيرة العقلانية... والمظنون أن عدداً منها غير معروف أساساً.....فإن المثاني إنما أوتيت إلى النبي (ص) "ولقد أتيناك". ومن المظنون أن بعضها بلغة النبي (ص) إلى الناس .وبعضه بقي مذخوراً إلى اليوم الموعود. وسواء عرفناها أو لم نعرفه، فاليوم الموعود. هو وقت إلعلانها جميعاً ، فأصحاب الإمام المهدي (ع) سيصبحون ، باعتبار تعاليمه وهداه ، عارفين بكل المثاني السبع، يطبقون متطلباتها ويفهمون الناس موجباتها وآثارها في حدود ماتقتضيه مصالح التكامل البشري يومئذ. والخبر الذي يعرب عن ذلك ، لا يدل على أن أصحاب الإمام (ع) يعلمون الناس المثاني نفسها – وإنما قال: بأيديهم المثال المستأنف .فهم يأخذون المثاني بنظر الإعتبار ،من أجل إشاعة الثقافة العليا بين الناس. والمثال المستأنف وهو هذه الثقافة ،وهي الإيديولوجية الكبرى التي يبشر بها المهدي في دولته ، نعرف ذلك من خبر آخر أخرجه النعماني بسنده عن جعفر بن محمد (ع) أنه قال : كيف أنتم لو ضرب اصحاب القائم الفساطيط في مسجد كوفان ، ثم يخرج إليهم المثال المستأنف . وإنما سميت هذه الثقافة بالمثال المستأنف باعتبار أمرين: أحدهما: كونها مثالية (أعلى من الواقع المعاصر بكل مستوياته) بالنسبة إلى عصر صدور هذه الأخبار، بالنسبة إلى عصر ما قبل الظهور عموماً. ثانيهما : باعتبار كونها جديدة على الأذهان غير معهودة لدى أغلب الناس بل جميعهم في عصر ما قبل الظهور . فباعتبار الأمر الأول كانت (مثالاً) وباعتبار الأمر الثاني كانت أمراً مستأنفاً. المثال المستأنف يخرجه المهدي (ع) إلى العالم بشكل رئيسي ، فيتلقاه أصحابه عنه بشكل كامل ودقيق ، فيعطونه إلى العالم ويبلغونه إلى البشر توصلاً إلى الهدف الإلهي الرئيسي في إيجاد المجتمع الكامل ذو العبادة الإلهية الكاملة.... طبقاً لقوله تعالى :وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. هذا وقد اشتملت بعض هذه الأخبار على التصريح بأن شيعة على (ع) هم الذين يقومون بهذه المهمة الكبرى. وهو دال بوضوح على ان اصحاب المهدي (ع) على مثل هذا المذهب ،وقد سبق أن بسطنا الكلام في ذلك عند الحديث عن المذهب للمهدي (ع) .والمهم الآن أنهم أصحاب الإمام المهدي (ع) نفسه.
صفحة (539) والحديث الأخير الذي سمعناه يتحدث عن المرأة ، وعن المستوى الثقافي العالي الذي تبلغه في عصر الظهور، تلك المرأة عانت من المجتمع المنحرف ظروفاً من الجهل والكبت والظلم ،أما في الدولة العالمية فهي تنطق بالحكمة ،وهي : المفاهيم المهدوية العليا ،وتقضي بكتاب الله وسنة رسوله ،وتقوم بقيادة جانب مهم من المجتمع على احسن وجه، وإذا كانت كذلك ، فما أحسن تعاملها مع زوجها وما أفضل تربيتها لأولادها. وهي في قيادتها تطبق عملها على آداب اللياقة الإسلامية ،وهو الحجاب والجانب الأخلاقي في العلاقة بين الجنسين ، كما يقتضيه العدل الكامل .ذلك الجانب الذي قلنا في بعض بحوثنا أنه لا يمنع من أي عمل أو تجارة أو قيادة .
|
|