ونحن تارة نحاول أن نتناول ذلك  من زاوية القواعد العامة التي عرفناها ،اعني من حيث الإرتباط بالتخطيط الإلهي العام لهداية البشرية ،وأخرى من حيث الإعتماد على الأخبار الواردة بهذا الصد ، مما يمكن جعله منطلقاً إلى معرفة خصائص المستوى الثقافي والإيماني للناس ، فيما بعد الظهور.

وأما إذا نظرنا من زاوية التخطيط الإلهي العام . فمن مكرر القول أن نؤكد على ان النتيجة الأولى التي تحدث باستتباب الحكم للمهدي (ع) في العالم ، هو تطبيق ما سميناه بـ (الأطروحة العادلة الكاملة) من الناحية القانونية وأن النتيجة الكبرى والنهائية التي تحدث نتيجة للخط التربوي الطويل الذي يتخذه الإمام المهدي (ع) في دولته، هو الهدف الإلهي نفسه من خلق البشرية ، ذلك الهدف الذي أعرب عنه قوله تعالى:
" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" .(1) 

وهو وجود المجتمع العادل في أفراده و(المعصوم) في رأيه العام ...بل المجتمع المعصوم في أفراده أيضاً .

في نهاية المطاف وسيأتي البرهان الكامل عليه في الكتاب الاتي من هذه الموسوعة .

وأما إذا نظرنا من زاوية ألاخبار الواردة في هذا الصدد ، فنجد أمثلة متفرقة تعطينا صوراً كافية عن السلوك الصالح والمستوى القافي والإيماني ، الذي يصله الأفراد بعد استتباب دولة المهدي (ع).

فمن ناحية الأخوة في الهدف المشترك ، والتصافي بين أفراد المجتمع ، نسمع الأخبار التالية :

فمن ذلك :ماأخرجه السيوطي في الحاوي(2) عن نعيم بن حماد وأبو نعيم من طريق مكحول عن علي قال: يا رسول الله ، امنا آل محمد المهدي أم من غيرنا؟ فقال: لا بل منا ، يختم الله به الدين كما فتح بن،وبنا يؤلف الله قلوبهم بعد عداوة الفتنة  إخواناً في دينهم .أقول : وهذا حديث مشهور أوردته الكثير من مصادر الفريقين.

وأخرج مسلم(3) عن ابي هريرة في حديث عن النبي (ص) أنه قال : لتذهبن الشحناء والتباغض.


صفحة (534)
ـــــــــــــــــ

(1) الذاريات: 56.  (2) ج2 ص129.

(3) ج1 ص94.

 

وأخرج النعماني(1) بسنده عن عميرة بنت نفيل ، قالت:

سمعت الحسن (الحسين) بن علي (ع) يقول : لا يكون الأمر الذي تنظرون، حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويتفل بعضكم في وجوه بعض فيشهد بعضكم على بعض بالكفر ويلعن بعضكم بعضاً .فقلت له : ما في ذلك الزمان من خير!  فقال الحسين (ع) : الخير كله في ذلك الزمان ، يقوم قائمنا ويدفع ذلك كله.

وأخرج الجلسي(2) في البحار ، بإسناده عن بريد العجلي ، قال: قيل لأبي جعفر (ع) :

إن أصحابنا في الكوفة جماعة كثيرة ، فلو أمرتهم أطاعوك واتبعوك فقال: يجيء أحدهم إلى كيس أخيه فيأخذ منه حاجته فقال : لا. فقال:هم بدمائهم أبخل! ....ثم قال :إن الناس في هدنة ، نناكحهم ونوارثهم ونقيم عليهم الحدود ونؤدي اماناتهم ، حتى إذا قام القائم جاءت المزايلة ،ويأتي الرجل إلى كيس أخيه فيأخذ حاجته ولا يمنعه.

أقول : المزايلة هي الفارقة والمباينة بين أهل الحق وأهل الباطل والكيس المرادبه محل حفظ النقود.

وهذه الصورة كافية لأن نستشف من خلالها حياة الأخوة التي يبذرها الإمام القائد في مجتمعه العادل ، لو أخذنا بنظر الإعتبار أنه أخبار قيلت طبقاً لفهم المجتمع الذي صدرت فيه.

فحسبنا أن نتصور الأخوة التي استطاع رسول الله (ص) أن يبذرها في صحابته. تلك الأخوة الخالصة المبنية على العقيدة والهدف المشترك ، لكي نتصور أن الإمام المهدي (ع) يقيم مجتمعه على نفس المستوى الذي أقام النبي (ص) مجتمعه عليه ، طبقاً لما سمعناه عن رسول الله (ص) في الخبر- وبنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخواناً كما أصبحوا بعد عداوة الشرك إخواناً في دينهم.

 

صفحة (535)
ـــــــــــــــــ

(1) ص109

(2) ج13 ص195-196

 

ولا يخفانا لطف المقايسة في هذا الخبر بين عصر الجاهلية ومااستتبعه من (عداوة الشرك) وعصر الغيبة وما يستتبعه من (عداوة الفتنة) إلى جانب المقايسة بين عصر النبي كرافع لعداوة الشرك ، وعصر المهدي (ع) كمزيل لعداوة الفتنة ، وما حدث ويحدث في هذين العصرين من أخوة ووفاق.

كما أن حسبنا أن تصور مستوى الأخوة العظيم المقترن بالمفهوم الصحيح وهو أن لأخيك في الإيمان حقاً في مالك متى احتاج إليه ، يصبح أي فرد مسروراً إذا امتدت يد أخيه المحتاج إلى كيسه أو محفظته ليأخذ مقدار حاجته ، تلك الأخوة التي يمكن بها فتح العالم  وتأسيس دولة العدل العالمية. ولئن كانت هذه الأخوة في أول عهد الظهور محصورة بين الخاصة الممحصين ، فستكون بعد قليل هي الصفة الشائعة ، المسلمة الموجودة في كل مسلم ، نتيجة لتربية المهدي (ع) وجهوده.

وأما من ناحية المستوى الثقافي للأمة ، فتعطينا الصور التالية :

أخرج الصدوق في إكمال الدين(1) بسنده عن أبي جعفر(ع) قال:

إذا قام قائمنا(ع) وضع يده على رؤوس العباد ، فجمع بها عقولهم ،وكملت بها أحلامهم .وفي رواية الكافي(2) : وضع الله  يده ... الخ.

وأخرج النعماني(3) بسنده عن حبة العوني : قال: قال أمير المؤمنين (ع) :

كأني أنظرإلى شيعتنا بمسجد الكوفة قد ضربوا الفساطيط يعلمون الناس القرآن ،كما أنزل.

وفي خبر آخر عن أبي عبدالله (ع) أنه قال :

كأني بشيعة علي في ايديهم المثاني ، يعلمون الناس  المثال المستأنف .

وفي حديث آخر(4) عن حمران بن أعين عن أبي جعفر (ع) :

أنه تحدث عن المهدي (ع) فقال فيما قال: وتؤتون الحكمة في زمانه ، حتى ان المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله وسنة رسول الله (ص) .


صفحة (536)
ـــــــــــــــــ

(1) انظركمال الدين المخطوط.

(2) انظر: منتخب الأثر ص483

(3) ص171 وكذلك الخبر الذي بعده

(4) ص126