الفصل السادس

أسلوب الإمام المهدي (ع) في تربية الأمة

تمهيد :

ينبغي في هذا  الفصل أن نأخذ بنظر الإعتبار نقطتين رئيسيتين:
النقطة الأولى: إن بحثنا عن اسلوب الإمام (ع) ، في تربية الأمة ، سوف يكون بحثاً إجمالياً بعد تعذر الإطلاع على التفصيل .لأن ذلك يقتضي الإطلاع الكامل على عمق الوعي الذي ينشره الإمام (ع) في ربوع البشرية ، ليمكننا أن نرى أصح الطرق وأسهل الأساليب التي يتخذها (ع) في هذا الصدد ، فيبقى تفصيل ذلك مؤجلاُ إلى عصر الظهور.

ومن هنا سوف نفتصر بالضرورة ، على ما تدركه أذهاننا من عناوين عامة ، واساليب مفهومة ،مطابقة للقواعد العامة المبرهنة الصحة في الإسلام.

النقطة الثانية : إن هذا البحث ، بالرغم من إجماله ، سوف لن يعدم المصادر للإطلاع على بعض الخصائص من هذه الناحية ، تلك المصادر التي اتبعناها في كل هذا التاريخ ، وهي القواعد العامة في الإسلام والأخبار الواردة بالخصوص ، مما يمكن أن يلقي ضوءاً على محل الكلام . وسنرى هنا أن في هذين المصدرين غناء وعطاء سخياً.

وسنتحدث في هذا الفصل عن جهتين: إجداهما :في الأساليب العامة المتخذة لتربية الأمة في عهد الظهور. والأخرى: في نتائج هذه التربية ، أو ما يمكن أن يصل إليه المستوى الثقافي والإيماني للأمة الإسلامية، نتيجة للتربية المهدوية.

 

صفحة (531)
 

الجهة الأولى : في الأساليب العامة المتخذة لتربية الأمة في عصر الظهور.

ويكون في الإمكان أن ندرك تلك الأساليب لو استطعنا أن نحمل فكرة واضحة عن دواعي الإنحراف وموجباته، في المجتمع المنحرف فيما قبل الظهور.

وتتلخص تلك الدواعي – بشكل عام - فيما يلي:

أولاً: التثقيف المنحرف الموجه من قبل الدولة للأجيال الصاعدة ، في المدارس والمعاهد ووسائل الإعلام بشكل عام.

ثانياً : الضغط  الموجه من قبل  الدولة لإطاعة وتطبيق القوانين الوضعية المخالفة للعدل الإسلامي.

ثالثاً : الحاجة المالية عموماً والتنافس المال خاصة ، الذي يدعو الفرد إلى ارتكاب كل الأساليب في الحصول على المال ، سواء في الصناعة أو التجارة او خدمة الدولة أو غيرها.

رابعاً : التنافس الإجتماعي في توسيع السكن وتجميل الثياب وتحسين وجبات الطعام ،والحصول على الآلات الحديثة الموفرة للراحة والرافعة من شأن صاحبها نتيجة لهذا التنافس.

خامساً : الإغراء الجنسي ، على مختلف مستوياته وأشكاله.

وتتداخل هذه الأسباب وتتشعب ، فيشعر الفرد المعاصر، بكل وضوح ،بأن السير في اتجاهها هو الأصلح له، والذي يوفر له قسطاً من الراحة والهناء .ومن هنا يندفع تلقائياً إلى التكيف طبقاً لمتطلباتها ،فيعطيها من جانبه المعنوي والخلقي ومن راحته وهنائة نفسه الشيء الكثير.

ومن هذا المنطلق يحدث التغيير، إذ يشعر الفرد بالراحة والهناء ، بدون وجود أسباب الإنحراف ليتوفر له فرصة الهداية والسير نحو العدل والحق.

ومن هنا نستطيع ان نتبين بوضوح الأسلوب الرئيسي الجديد لتربية الأمة ، ضمن النقاط التالية ،كل واحدة بإزاء أحد الدواعي السابقة .

النقطة الأولى : إن التثقيف الخاص والعام، يصبح موجهاً نحو طاعة الله وعبادته، في كل حقولها ومستوياتها، والخلق الرفيع ،وذلك عن طريق كل ألسنة المهدوية ...ابتداء بالتوجيهات العليا الصادرة من الإمام (ع) نفسه، وانتهاء بأجهزة الإعلام كالإذاعة والتلفزيون والصحف .وكذلك المناهج التربوية في المدارس والمعاهد العلمية في كل العالم.

 

صفحة (532)
 

النقطة الثانية:إن الضغط بدل أن يكون موجهاً نحو تطبيق القانون المنحرف، سيكون موجهاً ضده، وسيستأصل كل منحرف وفاشل في التمحيص الإلهي كما رأينا وسمعنا .وبذلك تنقطع الأرضية العامة لنمو الفساد انقطاعاً كاملاً ،ويطبق القانون العادل الكامل تطبيقاً كاملاً.

النقطة الثالثة : إن التنافس سوف يكون موجهاً ومركزاً نحو الخير والصلاح طبقاً للمفاهيم والقوانين العامة التي تصبح  سائدة في ذلك العصر.

النقطة الرابعة : إن الحاجة المالية ،وهي من أعظم اسس الجريمة في العالم اليوم ، سوف ترتفع تماماً بعد الذي سنسمعه في الفصل الآتي ،من توفير المهدي للمال وفرة كبيرة جداً يرتفع فيه الدخل لكل أحد ، ارتفاعاً كبيراً .وتتوفر فرصة العمل لكل الأفراد توفراً حقيقياً بشكل متساوي ، على ما سنسمع أيضاً.

النقطة الخامسة : إن الإغراء الجنسي المنحرف ، ينعدم بالمرة ، بعد تطبيق الأحكام الإسلامية في تنظيم العلاقة بين الجنيسن .إذ بعد بناء النفوس والأفكار بناء صالحاً عن طريق التثقيف العام والخاص ، سوف تتمثل هذه العلاقة على أرفع صورها وأعدل اشكالها.

ومع اجتماع هذه النقاط  ، سوف يصدر الفرد عن قناعة وإخلاص،  إلى ضرورة إقامته للخير والسلوك العادل ومواكبة الأطروحة العادلة الكاملة ، التي يدعو إليها المهدي (ع) ويطبقها.

وسيشعر الفرد بوضوح: أن السلوك الشرير على خلاف مصلحته الخاصة والعامة ، على طول الخط وفضلاً عن كونه خروجاً عن الخط العبادي لله عز وجل ، ومستوجباً للعقاب في الدنيا والآخرة.

فهذا موجزعن الظروف التي توفرها دولة الإمام المهدي (ع)  للصلاح والإيمان، وبالتالي: العدل ... بغض النظرعن تفاصيل المفاهيم التي يعلنها في المجتمع ...تلك المفاهيم والظروف التي تؤدي إلى النتائج الكبرى التي نحاول أن نحمل عنها صورة واضحة .في الجهة الآتية.

الجهة الثانية : في نتائج التربية الإسلامية في دولة المهدي (ع) وما يمكن لأن يصل إليه المستوى الثقافي والإيماني في المجتمع، بشكل عام.


صفحة (533)