|
||
|
لأن هذا التسليم هو الذي يمكن المهدي (ع) من تربية الأمة والبشرية تربية كاملة ومستمرة ،ووضع الأسس التربوية التي يتبعها الحكام العالميون الذين يمارسون الحكم بعده، بعد وضوح أنه هو الشخص الوحيد المسدد من قبل الحكيم المطلق تعالى ، في معرفة الحقائق والمصالح والأحكام . والأخبار التي رويناها في الجهة الأولى من هذا الفصل ، حين تتعرض إلى صور التمحيص ، يمكننا فهمها على أساس هذه المستويات الثلاثة. فأخبار قضاء الإمام المهدي (ع) بأساليب الأنبياء السابقين ، تتعرض إلى التمحيص ، على الأساس الثالث ، لوجوب التسليم بالقضاء الذي يتخذه المهدي (ع) على كل تقدير. وكذلك هؤلاء الخاصة الذين يجفلون عنه إجفال النعم – لو تم الخبر- فإنهم نجحوا في التمحيص بالمستويين : الأول والثاني ، وفشلوا في المستوى الثالث . وقد عرفنا تفصيله. أما امتحان أصحاب طالوت، وتطبيقها على اصحاب الإمام المهدي (ع) . فإن القسم الأول منهم إن كانوا نجحوا بالمستوى الأول فإنهم فشلوا في المستوى الثاني والثالث، فإنه كان اللازم الإلتزام بكلام قائدهم بدون مناقشة للوصول إلى الخير والسعادة .بل إنهم لم ينجحوا حتى في المستوى الأول ، لأنهم قدموا مصالحهم الحياتية على تطبيق التشريع العادل. وأما القسم الثالث: من أصحابه فقد نجحوا نجاحاً كاملاً في كل المستويات ، فأصبحوا من الخاصة المؤمنين ، الذين نصرالله تعالى بهم دعوته العامة. وكذلك سيمر أصحاب الإمام (ع) بالتمحيص ،وستتعدد مستويات النجاح بالنسبة إليهم ،مع فرق مهم بينهم وبين أصحاب طالوت في فهم المستوى الثاني للتمحيص ،فإن اصحاب الإمام يتحملون مسؤولية تطبيق العدل المطلق ،واصحاب طالوت يتحملون مسؤولية تطبيق مرحلة من العدل تناسب المستوى الذي عاصروه من تطور البشرية.
صفحة (529) ولن يكون الإمتحان الذي يمر به أصحاب الإمام تماماً كذلك الإمتحان. بكل حوادثه ،وإنما تشير الرواية إلى وجود تمحيصات لهم، لم تشرإلى هويتها وإنما مثلت لها تمثيلاً ،وقد شرحتها الروايات الأخرى بوضوح. وأما قوله في الحديث الآخر :إذا خرج القائم ، خرج من هذا الأمر من كان يرى بأنه من أهله ،ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر ... فهو بالرغم من كونه خبراً مرسلاً لا يصلح للإثبات ، غير اننا لو لاحظناه على ضوء مجموع الفهم الذي أعطيناه لتمحيص الأمة ، يصبح فهمه أمراً طبيعياً وسهلاً ، بل يمكن الوثوق بصحة الحديث ، على ضوء هذه القرائن العامة. فإن ذلك يعتبر من النتائج الرئيسية للتمحيصات السارية المفعول في تخطيط ما بعد الظهور، فبينما يكون جماعة من المتدينين بالحق ، نجدهم يخرجون من عقيدتهم وينحرفون احرافاً شنيعاً ... بينما نرى قوماً آخرين ربما يكونون أكثر عدداً وأكبر عدة ، يكون واقعهم قائماً على الإلحاد والمادية أو التسيب واللامبالاة ، (شبه عبدة الشمس والقمر) يؤمنون بالمهدي (ع) ويحسن إيمانهم نتيجة لوضوح الحجة التي يعلنها (ع)، وجمال العدل والسعادة التي تعم دولته العالمية. وإذا كان الماديون ،وهم أبعد الناس في تسلسل الفكر الإعتقادي لدى البشر عن الإسلام، يصبحون مسارعين إلى الإيمان ، فكيف بالآخرين من ذوي الأديان السماوية وغيرهم، ممن هم أقرب في تسلسل الفكر الإعتقادي إلى الإسلام ، نتيجة لإعتقادهم بالخالق الحكيم وإنكارهم للمادية المطلقة -. سنذكر في الباب التالي من هذا الكتاب ، الفرص الكبرى التي تنفتح لأهل الكتاب من اليهود والنصارى للدخول في دين الله أفواجاً. وأود في هذا الصدد ، أن يفرق القارىء ، بين سيطرة الإمام المهدي (ع) على العالم وبين دخول الناس في عقيدته. فإن هذه التمحيصات إنما تؤثر في زيادة الإيمان ونقصه ، بعد استتباب الدولة العالمية ،ولا ربط لها بتأسيس هذه الدولة .
صفحة (530) |
|