الفصل الخامس

تمحيص الإمام المهدي
لأصحابه خاصة وللأمة عامة

تمهيد :
يتخذ الإمام المهدي هذا
الأسلوب من التمحيص للحصول على فوائد عديدة ، نذكر بعضها مما يخطر على البال طبقاً للقواعد والروايات السابقة .

الفائدة الأولى: تعويد لأمة الإسلامية خاصة ، والبشرية عامة ، على شكل جديد من السلوك ، لم يكن معهوداً من قبل . وإن  التوقعات من الحاكم والفرد معاً أصبحت أعمق وأعقد.
الفائدة الثانية: إظهار نقاط الضعف التي لم يستطع التمحيص السابق على الظهور إظهارها ،ومن هنا قد يفشل في هذا التمحيص من سبق له النجاح في التمحيص السابق ، لأن هذا التمحيص سوف يبتني عل اسس أصعب وأعمق .
الفائدة الثالثة: تهيئة أسالبب عميقة يمكن لأصحاب المؤهلات العالية النجاح من خلالها والتكامل عن طريقها. الفائدة الرابعة : إنجاز أسلوب عام لتربية البشرية ككل ،بصفتها مطبقة للعدل الكامل من الآن فصاعدا .وقد سبق أن قلنا أن الدولة ستقوم بأعمال اختيارية يقصد بها تربية الأمة والبشرية عن طريق التمحيص .
وهذا هو أحد الفروق المهمة بين التمحيصين: السابق واللاحق. فإن التمحيص السابق على الظهور كان مسبباً عن أمر غير اختياري بالنسبة إلى الفرد الناجح فيه ، باعتباره ناشئاً من ظروف الظلم والفساد التي لا بد للفرد فيها وأما التمحيص اللاحق للظهور ، وفي المجتمع الخالي من الكافرين والمنحرفين ، فيتعين أن يكون التمحيص اختيارياً ، تقوم به الدولة أو الإمام
(ع) من أجل تربية الأمة أو البشرية .

صفحة (507)

الفائدة الخامسة : التخلص ممن قد يكون شارك في الدولة العالمية بحكم أو قضاء ، وليس في واقعه أهلاً لذلك . بالمعنى العميق . سنذكر فلسفته فيما بعد.

إلى غير ذلك من الفوائد ....

ومن حيث الفرق في الهدف بين التمحيصين ، نجد أن التمحيص السبق كان مستهدفاً لإيجاد جماعة محدودة من المخلصين ، ذوو عدد كاف لغزو العالم ، وأما الباقون فقد أوجب ذلك التمحيص تطرفهم إلى جانب الظلم والباطل.

وأما هذا التمحيص الجديد ، فهو يستهدف التخطيط العام الشامل له ، أعني تخطيط ما بعد الظهور ، من تربية البشرية حكاماً ومحكومين تربية مركزة ومستمرة نحو التكامل لإيجاد المجتمع العادل المطلق في كل أفراده ، وليس على مستوى الحكم فقط ، وهو "المجتمع المعصوم" الذي ألمحنا إليه في التاريخ السابق(1) .وسيأتي في الكتاب الآتي من الموسوعة تفاصيل مهمة عن خصائصه.

وعلى أي حال ، فينبغي أن ينفتح الحديث عن هذا التمحيص في عدة جهات :

الجهة الأولى : في سرد الأخبار الواردة في هذا الصدد .

ونحن هنا لا نتوخى استيعاب كل ما دل على ذلك ، بل نقتصر على المهم  منه ، فنروي ما كان متصفاً بوصفين:

الوصف الأول: كون الخبر مطابقاً مع القواعد المعروفة لنا ، فلو كان يمثل فهماً منحرفاً أو شاذاً لم نروه .لأن إمارات الوضع والإنتحال عليه واضحة.

الوصف الثاني: ما لم تكن فيه إثارة طائفية من الأخبار .فإن كان في الخبر إثارة من هذا القبيل حذفناه ،وإن أحدث نقصاً في التسلسل الفكري العام.

صفحة (508)
ـــــــــــــــــ

(1) تاريخ الغيبة الكبرى ص481.

 

والأخبار في ذلك عديدة شاملة لمختلف جهات التمحيص .

أخرج  النعماني(1) عن أبي عبد الله (ع) أنه قال:

لو قد قام القائم لأنكره الناس، لأنه يرجع إليهم شاباً موفقاً ، لا يثبت عليه إلا من أخذ الله ميثاقه ..وإن من أعظم البلية أن يخرج إليهم صاحبهم شاباً وهو يحسبونه شيخاً كبيراً.

وأخرج أيضاً(2) عن محمد بن مسلم ، قال : سمعنا أبا جعفر (ع) يقول:

لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم إلا يروه مما يقتل الناس .أما أنه لا يبدأ إلا بقريش . فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف . حتى يقول كثير من الناس : ليس هذا من آل محمد ،  لو كان من آل محمد لرحم.

وأخرج أيضاً (3) مرسلاً عن أبي عبد الله يقول:

إذا خرج  القائم ، خرج من هذا الأمر من كان يرى انه من أهله ، ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر .

وأخرج أيضاً(4) بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد  الله (ع) قال:

إن أصحاب طالوت ابتلوا بالنهر الذي قال الله تعالى :" سنبتليكم بنهر"(5) .وإن أصحاب القائم (ع) يبتلون بمثل ذلك.

وأخرج المجلسي في البحار(6) بإسناده عن أبي بصير عن ابي جعفر (ع) ، قال:

يقضي القائم بقضايا ينكرها بعض أصحابه ممن قد ضرب قدامه بالسيف ، وهو قضاء آدم (ع) ،فيقدمهم فيضرب أعناقهم .ثم يقضي الثانية ، فينكرها قوم آخرون  ممن قد ضرب قدامه بالسيف ،وهو قضاء داود (ع) ، فيقدمهم فيضرب اعناقهم ، ثم يقضي الليلة الثالثة ، فينكرها قوم


صفحة (509)
ـــــــــــــــــ

(1) الغيبة ص99.    (2) المصدر ص122.

(3) المصدر ص177. (4) المصدر ص170.

(5) البقرة : 2/ 249 .وهو نقل بالمعنى عن الآية .

(6) ج13 ص200.