وهذه هو الذي أشارت إليه الأخبار التي سمعناها تنقل عن المهدي حين يريد إرسال شخص حاكماً على منطقة في العالم ، قوله: عهدك في كفك .فإذا ورد عليك ما لا تفهمه أو تعرف القضاء فيه ،فانظر في كفك واعمل بما فيها.

وهذا يعني أنه(ع) يكتب لكل شخص يرسله (عهداً)(1) يحتوي على "التخطيط" الذي يجب عليه أن يسير عليه في فترة حكمه ، تماماً كما فعل جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، حين أرسل مالكاً الأشتر والياً على مصر ،وكتب له العهد المطول المشهور الموجود في نهج البلاغة .

ولكن يبدو أن هذا العهد ليس على شكل القواعد العامة ، كما كان عليه عهد مالك الأشتر ، بل يفترض أنهم قادرون على تطبيق اقواعد العامة ،مأخوذة من الفقه العادل في ثوبه الجديد .وإنما يعطي هذا العهد الوارد الضرورة حين يقع الحاكم في صعوبة من حيث تطبيق القواعد العامة على بعض المشاكل لعالمية .ولذا نجده يقول :" فإذا ورد عليك ما لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه – يعني طبقاً للقواعد العامة – فانظر إلى كفك – يعني إلى العهد الذي تحمله فيها – واعمل ما فيها ".

ويقترن هذا المستوى الفكري المعمق بمستوى نفسي معمق يكون الفرد الحاكم محتاجاً إليه ، حين يذهب إلى منطقته أول مرة ، وتكون الدولة مؤسسة لأول مرة . أنه يتحمل مسؤوليات ضخمة ، قد يعجز عن مجرد تصوره، فكيف وهو سيوضع في وسط معمعتها .وهو مؤهل في تربيته السابقة التي عرفنا جذورها وفروعها مفصل، من الناحيتين الإيمانية والفكرية .إلا أنه يحتاج إلى جانب ثالث هو الجانب النفسي ليكون " أجرأ من ليث وأمضى من سنان" وليواجه العالم بمعنويات عالية وقوة بالغة مناسبة مع المستوى المطلوب للدولة العالمية.

ومن هنا نجد المهدي(ع) – كما في الروايات – يمسح على بطونهم وظهورهم فلا يشكل عليهم حكم ولا يتعايون في قضاء .فإن الفكرة وحل المشكلة قد يعتاص على الإنسان مع وجود الإرتباك والتردد في نفسه فيصبح  في حالة شرود وانحطاط . وأما مع ارتفاع المعنويات وقوة الإرادة ، فلا معنى لحصول ذلك .وأدنى ما يعمله المهدي (ع) في هذا الصدد هو أن يعانقهم هذه المعانقة عند الوداع .

صفحة (505)
ـــــــــــــــــ

(1) قالت اللغة : العد هو الذي يكتبه ولي الأمر للولاة إيذاناً بتوليهم ،مع الأمر بلزوم الشريعة وإقامة النصفة .

انظر: أقرب الموارد.

 

ولعله يتخذ خطوات أخرى بهذا الصدد ، سكتت عنها الأخبار باعتبارها تتحدث بلغة عصر صدورها ، طبقاً لقانون "كلم الناس على قدر عقولهم".

وبهذا الأسلوب وعن هذا الطريق ، سوف يتوزع حكام المهدي أقاليم العالم . وتستتب الدولة العالمية ، حتى " لا تبقى أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلا ألله وحده لا شريك له ،وإن محمداً رسول الله . وهو قوله تعالى : وله أسلم من  في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه ترجعون ".


صفحة (506)