|
||
|
وذلك : لليقين الذي نملكه بأن دولة المهدي سوف تطبق العدل الكامل ، إلى جانب تلك الأخبار الضخمة التي تزيد على التواتر بكثير والمروية من قبل الفريقين ، بل الموجودة في التوراة والإنجيل أيضاً ، كما سوف يأتي في الجزء الخاص بهما من هذه الموسوعة ، الدالة كلها على وجود السعادة والرفاه في أجلى صورها في دولة المهدي ،ووجود الإنجازات الضخمة فيها. ومن المعلوم أن مثل هذا العدل وهذه السعادة ، لا يمكن أن تتم بدون الخبرة الواسعة والثقافة العميقة لكل فرد ممن يشارك في تكوين الدولة وإدارتها فضلاًعن الرؤساء والقضاة .إذا فالخبرة المعمقة موجودة لديهم. كل ما في الأمر ، أننا ينبغي أن نحمل فكرة كافية عن أسلوب حصولهم على هذه الثقافة ،وفي هذا الصدد تواجهنا عدة أطروحات: الأطروحة الأولى: أنهم يأخذون كلما يحتاجونه من علوم عن طريق المعجزة ، لا عن طريق التعليم الطبيعي.... اما دفعة واحدة ، وإما بالتدريج حسب حاجاتهم في كل وقت . ويمكن أن يستدل على هذه الأطروحة بوجهين : الوجه الأول: إن هذا هو ظاهر الأخبار السابقة نفسها ،وهي بمجموعها قابلة للإثبات التاريخي . حيث نسمعه يقول في أحد الأخبار : " وهم النجباء والفقهاء ...الذين يمسح بطونهم وظهورهم فلا يشكل عليهم حكم ...وفي الخبر الآخر: فيمسح بين أكتافهم ، وعلى صدورهم ، فلا يتعايون في قضاء" فإن المسح بمجرده ليس تعليماً ،وإنما هو "سبب ظاهري" لإيجاد المعجزة التي تعطي التعليم . وكذلك قوله في الخبر الآخر: "عهدك في كفك ، فإذا ورد عليك ما لا تفهمه ، ولا تعرف القضاء فيه ، فانظر إلى كفك واعمل بما فيها " ..... دال على السبب الإعجازي إذا كان المراد ان مجرد النظر إلى الكف كاف في ذلك. وصحة هذا الوجه منوطة بقانون المعجزات ،من حيث أن دقة الحكم وليس التصرف من قبل هؤلاء ، هل هو مما يتوقف عليه نجاح دولة المهدي أولا، فمتى أصبح الأمر منحصراً بالمعجزة كان وقوعها لازماً كيفما كان شكلها ،ومتى لم يكن الأمر منحصراً بها لم تقم المعجزة البتة .وسيأتي أن المعجزة ليست سبباً منحصراً ، باعتبار وجود الأطروحات الطيعية الأخرى البديلة لتلقي العلم من قبل هؤلاء الحكام .
صفحة (499) الوجه الثاني: أننا قلنا في هذا التاريخ ، والتاريخ الذي قبله(1)، أن الرئاسة العامة في المجتمع تتوقف على ان يكون الرئيس له من قبل الله هذه الصفة الإعجازية ، وهي : أنه متى أراد أن يعلم أعلمه الله تعالى ذلك .وقد طبقناها على الإمام المهدي نفسه بنجاح ، وردت في ذلك عدة روايات . فقد يقال: إننا نطبقها على أصحاب الإمام أيضاً ، فإن كلا منهم قد أصبح في منطقته رئيساً ، لا بد له من حسن التصرف وتطبيق العدل الكامل في إقليمه . ومعه يكون مندرجاً تحت هذه القاعدة ، وبها لا يعسر عليه حكم ولا قضاء ، لأن جميعه سوف يكون بإلهام إلهي مباشر.
ومن هنا
قد يقال :إن المهدي (ع) إنما يمسح بطونهم وظهورهم مقدمة لوجود هذا الإلهام
فيهم .فإنهم بحسب وضعهم البشري الإعتيادي فاقدين لهذه الصفة ،ما لم يقم المهدي
بعمل
معين
لإعطائها لهم وهو المسح . الوجه الأول: أن هذه القاعدة خاصة بالرئيس الأعلى الذي ليس فوقه رئيس ، وليس له موجه بشري ولا حاكم أعلى منه ،كالإمام المهدي نفسه فإنه يحتاج إذا اشكلت عليه الأمور إلى الإلهام . أما لو كان للرئيس رئيس فوقه ، يوجهه ويدبر أمره .فإنه لا يحتاج إلى الإلهام ،وإنما يمكنه أن يستفيد من توجيهات رئيسه وقائده .ويجب على القائد الأعلى أن يمد ولاته باستمرار بالتوجيه والإرشاد . حتى لا ينقطعوا عن حسن الرأي وعدالة التصرف ، فتفشل قيادتهم .ومع إمكان هذا التوجيه ، يكون افتراض وجود الإلهام أمراً مستأنفاً. الوجه الثاني : أن أصل الدليل على ذلك خاص باالقائد العالمي المعصوم وغير شامل لمثل هؤلاء الحكام ، وذلك لوجهين نذكر أحدهما: وهو أن وجه الحاجة إلى ذلك كان خاصاً بالقيادة العالمية ،من حيث أن القدرة على استيعاب الوقائع والأحكام العادلة التي تقتضيها في كل العالم ، أمر خارج عن طوق القدرة البشرية لأي فرد مهما كان عبقرياً ،ومن هنا كان من الضروري إسعاف القائد العالمي بالإلهام من أجل تغطية هذه الحاجة الأساسية.
وهذه الحاجة خاصة بالشخص الذي تم تعيينه من قبل التشريع الإلهي ، لقيادة العالم ، باعتبار أن ما قلناه من ضرورة تساوق قابليات الشخص مع مقدار سعة مسؤولياته الموكولة إليه في التشريع. فإذا كانت قابلياته قاصرة بدون الإلهام ،كان وجود الإلهام ضرورياً. وأما الشخص الذي تكون مسؤولياته محدودة ، ذات منطقة صغيرة نسبياً بحيث يمكن تغطية تلك الحاجة بأساليب اعتيادية ، فلا يكون مشمولاً لهذا الدليل. وبمثل هذه المناقشات تصبح ألأطروحة الأولى مما لا دليل عليه . نعم ، لا مانع من وجود مضمون هذه الأطروحة ، فيما إذا وقع أحد أصحاب الإمام المهدي في صعوبة فكرية بالغة واعتاصت عليه مشكلة اجتماعية يتوقف تطبيق العدل الكامل على تذليلها ، وتعذرعليه الإتصال بإمامه. فسوف يكون الإلهام هو المنقذ الوحيد في هذا الموقف حفاظاً على العدل الكامل .فيكون الإلتزام بصحة هذه الأطروحة ممكناً. غير ان هذا نادر الوجود ، لوضوح إمكان الإتصال بالمهدي في أي منطقة من مناطق العالم . الأطروحة الثانية : إن أصحاب المهدي يتلقون علومهم في العصر السابق على الظهور أو قد يمارسون بعض أشكال الحكم والقضاء أيضاً. وذلك انطلاقاً من عدة وجوه: الوجه الأول: إن ظاهر نفس الروايات هو ذلك ، بمعنى لأنهم ناجزين علماً وعملاً قبل الظهور ،وإنما يتسنى لهم ممارسة الحكم والقضاء في الدولة العالمية انطلاقاً من هذه الخبرات ، مضافاً إلى التعليمات المهدوية الجديدة. فإننا نسمع الرواية تقول: " هذه العدة التي يخرج فيها القائم (ع) ،وهو النجباء والفقهاء وهم الحكام وهم القضاة " .فتفهم منها : أنهم متصفون بهذه الصفات من حين خروجهم مع القائم ومبايعتهم له ،وهذا لا يكون إلا إذا كانوا قد عرفوا كذلك قبل الظهور. وأما قوله :"الذين يمسح على بطونهم وظهورهم فلا يشكل عليهم حكم " فهو إشارة إلى التعليمات المهدوية الجديدة ، كما سوف نشير.
|
|