|
||
|
السؤال الأول : ان المخلصين عموماً ، والخاصة منهم على الخصوص ، سوف يشاركون بطبيعة الحال في الفتح العالمي .وسوف ينقصون نتيجة للحرب التي يخوضونها نقصاً كبيراً ، فكيف يفترض مشاركتهم بكامل عدتهم في الحكم ؟. إلا أن في الخبرات التي عرفناها إلى حد الآن ما يصلح جواباً واضحاً عن هذا السؤال .وخاصة إذا التفتنا إلى امرين من خصائص الفتح العالمي : الأمر الأول: الضمانات المتوفرة للجيش المهدوي ،مما لا يمكن توفره لأي جيش آخر .كالنصر بالرعب ومعونة الملائكة والحرب العالمية السابقة على الظهور ، لو كانت قد وجدت .وأن أفضل هذه الضمانات في صيانة الجيش المهدوي هو خبرة الإمام القائد نفسه ،وحسن تخطيطه لغزو العالم ، كما سبق أن حملنا عنه فكرة مفصلة . الأمر الثاني: أننا عرفنا بعدة أدلة أن أكثر العالم سوف يدخل تحت الحكم المهدوي من دون قتال تقريباً ، الأمر الذي يوفر للقائد (ع) كثيراً من الأسلحة والنفوس . غير أن هذا كله لا ينفي وجود القتال فيهم على نطاق ضيق ، غير ان المظنون أن القتل ، لو حصل ، فإنما يحصل على المخلصين من الدرجة الثانية لا المخلصين من الدرجة الأولى أعني الخاصة الثلاثمئة والثلاثة عشر . لأن هؤلاء الخاصة ، يكونون قواداً ،والقائد في الحرب القديمة يعيش خلف خط النار ، ليتوفر له المراقبة وإصدار التعليمات باستمرار ،وبالتالي المحافظة على نفسه من أجل انتصار الجيش نفسه. إذاً ، فالحرب الحديثة تعطي فرصاً واسعةً لصيانة القائد ، فكيف بالتخطيط العسكري الذي يكون أكثر حكمة وعمقاً من هذه الحرب. ومعه ، يكون افتراض وجود الخاصة بكامل عدتهم بعد الحرب ، كما هو ظاهر الروايات ، أمراً ميسوراً ،وأما المخلصين من الدرجة الثانية ،فهم من الكثرة بحيث لا يؤثر فيهم القتل القليل نسبياً.
صفحة (496)
السؤال الثاني : قالت إحدى الروايات التي سمعناها : يخرج مع القائم (ع) من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً ، خمسة عشر من قوم موسى (ع) الذين كانوا "يهدون بالحق وبه يعدلون" .وسبعة من أهل الكهف ويوشع بن نون وسلمان وأبو دجانة الأنصاري والمقداد ومالك الأشتر ، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً . وظاهر هذه الرواية رجوع جماعة من الأموات المؤمنين مما قبل الإسلام وبعده إلى الحياة ، ليكونوا من أعوان المهدي (ع) .غير أن هذا المضمون يواجه عدة اعتراضات: الإعتراض الأول: أن هذه الرواية غير كافية لإثبات هذه الفكرة ،فإنها – باعتبار غرابتها – تحتاج إلى إثبات قوي ، ولا يكفي فيها لخبر الواحد. الإعتراض الثاني : أن هذه الفكرة مخالفة لقانون المعجزات ، لأن رجوع الميت إلى الحياة معجزة ،والمعجزة لا تقع إلا عند انحصار انتصار الحق بها وعدم وجود البديل الطبيعي لها .ومن الواضح توفر البديل الطبيعي لدى المهدي (ع) في اصحابه ،فإن المخلصين من الدرجة الأولى بل وكثير من أفراد الدرجة الثانية ، يماثلون – بكل تأكيد – الأعم الأغلب ممن ذكرتهم هذه الرواية ،كيف وقد تم تمحيصهم الكامل على الأطروحة العادلة الكاملة ،وكانوا نتيجة جهود البشرية في اكثر من ألف عام .على حين أن المؤمنين السابقين على الإسلام لم يعاصروا هذه الأطروحة ،والمؤمنين المعاصرين للإسلام لم يتم تمحيصهم بالشكل الكامل ، لوضوح أنهم وجدوا قبل استكمال ظروف التمحيص والإمتحان. الاعتراض الثالث : أننا لو غضضنا النظر عن الاعتراضين السابقين ، كان اللازم رجوع أموات كثيرين إلى الحياة ليسوا بأقل ممن ذكرتهم الرواية . كالجيش الذي قاتل مع (طالوت) وقالوا : " كم من فئة قليلة ٍغَلَبَتْ فِئة ً كثيرةً بإذن الله ِ "(1). وكبعض الحواريين لعيسى بن مريم (ع) ،وكعدد من أنبياء بني اسرائيل وغيرهم كداوود وسليمان وشعيب ويحيى وغيرهم . ومثل أنصار النبي (ص) الذين قتلوا بين يديه في بدر وأحد وغيرهما ، وبعض صحابته أيضاً غير من ذكرتهم الرواية ، وعدد من علماء المسلمين على مر الأجيال.
وإذا صرنا إلى مثل هذا التفكير ، لم يكن من
اللازم وجود أي شخص من المخلصين الأحياء ، بل يمكن الإكتفاء بالأموات ،ومعه
يبقى تأخير ظهور الإمام المهدي (ع) وطول غبيته
بلا سبب ، فتكون ظلماً للبشر، لأنه يعني بقؤهم ضمن المشاكل والظلم مع إمكان دفعه
عنهم بكل سهولة.
صفحة (497) (1) البقرة : 2/ 249
ومع تنزيه الله تعالى شأنه عن كل أشكال الظلم ، يتعين القول بعدم صحة المضمون الظاهر لهذه الرواية ، في حدود فهمنا المعاصر. ومعه ، فلا بد من حملها على بعض أشكال الرمز ،وان المراد التنبيه على ان المخلصين المتوفرين للمهدي (ع) ليسوا بأقل رتبة في الإيمان والإخلاص والعلم والعمل ممن عددتهم في الرواية .وهذا أمر صحيح كما عرفنا. السؤال الثالث: إن المخلصين الممحصين من الدرجة الأولى ، فضلاً عن الدرجات المتأخرة ، لم يفرض فيهم أنهم مارسوا إدارة الدولة أو قضاء في منطقة خلال عصر ما قبل الظهور، كما لا يفرض فيهم أنهم درسوا هذه الأمور من الناحية النظرية ، بحيث يستطيعون تطبيقها في أي وقت شاؤوا . بل قد يكون الأمر بالعكس ، كما يظهر من بعض الحقائق التي عرفناه، فإن التمحيص ينتج اكتساب درجة عليا من الإيمان وقوة الإرادة نتيجة لردود الفعل الصحيحة تجاه ظروف الظلم والطغيان ، ولا ينتج التمحيص القدرة على القضاء ، والمران على أساليب الحكم. إذاً فمن زاوية كونهم ممحصين ، لا يعني كونهم قادرين على مثل ذلك. مضافاً إلى ما عرفناه في التاريخ السابق(1) من لزوم التزامهم بالتقية خلال عصر التمحيص السابق على الظهور ، بالمعنى الذي فسرناه هناك(2) قد يلزم منه البعد عن مباشرة أساليب الحكم والقضاء والإنكماش عن الدولة الظالمة ككل .فإنه لو شارك فيها كان فاشلاً في التمحيص الإلهي ،وبالتالي لم يكن من المخلصين الذين لهم شرف الإلتحاق بالإمام المهدي (ع) بعد ظهوره. ينتج من ذلك أن المخلصين ، بأي درجات لم يمارسوا حكماً ولا قضاء في عهد ما قبل الظهور، فكيف يستطيعون ممارسته في العالم تحت القيادة المهدوية .وخاصة أن المطلوب ليس هو القيادة الإعتيادية ، بل القيادة العادلة المعمقة ، ذات التربية المركزة والمستمرة لكل البشرية .فكيف يتم لهم ذلك ؟. والجواب على ذلك :أن هناك دليلاً عاماً يوجب الإلتزام بكون اصحاب المهدي في أعلى درجات المعرفة والإطلاع.
صفحة (498) (1) انظر تاريخ الغيبة الكبرى ص416 (2) المصدر ص 417 وما بعدها .
|
|