|
||
|
الإعتراض الثاني: معارضة رواية خطبة البيان ، بما دل من الروايات على ان تعيين الحكام يتم في الكوفة نفسها ... كالرواية التي نقلنا قسماً منها عن المجلسي في البحار. فإنه يذكر دخول المهدي إلى العرق أولاً ،ومنازلته للسفياني واستتباب الأمر هناك ... ثم يذكر تحديه للروم – وهو صورة من صور الفتح العالمي – ويقول: ثم يرجع إلى الكوفة ، فيبعث الثلاثمائة عشر والبضعة رجلاً إلى الآفاق كلها .. الحديث . وهذه الرواية تفيدنا أيضاً من زاوية أن الحكام الذين يرسلهم المهدي هم اؤلئك الخاصة الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلاً ،وليسوا أشخاصاً آخرين ،كما دلت عليه خطبة البيان . النقطة الثالثة : إن رواية خطبة البيان تحتوي على خطأين في الترقيم . الخطأ الأول: أنه يقول : ويختار الأكابر من السادات الأعمال العارفين لإقامة الدعائم ،منهم اثني عشر رجلاً ... ويعد عشرة فقط .وهم المسؤولون عن أقاليم المشرق من العالم . الخطأ الثاني : أنه يقول : ثم يختار اثني عشر رجلاً ، ثم يعد ثمانية فقط !! وهم المسؤولون عن جانب الشمال من العالم .
صفحة (492)
وهذا خطأ واقع لا مناص منه ،إلا أنه خطأ في الرواية والنقل ، حيث اسقط الرواة الأشخاص الآخرين سهواً. وأما الخطبة في الواقع فهي – على تقدير صحتها- ليست ناقصة بطبيعة الحال. النقطة الرابعة : إن تقسيم المناطق على الحكام قابل للمناقشة على عدة جهات: الجهة الأولى : التكرار في المناطق خلال الرواية اما بنفس اللفظ أو بلفظ آخر . فالحبشة تكررت مرتين بهذا اللفظ ، ومرتين بلفظ النوبة. مع العلم ان الحبشة والنوبة اسمان لبلاد واحدة في افريقيا ، وتكررت (الروم) مرتين .وتكرر (المغرب) مرتين، تارة بلفظ (جابلقا) وأخرى بلفظ (جابرقا) وهي أكبر مدن المغرب(1) أو جهة المغرب في بعض اللغات. الجهة الثانية : أنه بينما نريد أن التعيين يتم في مناطق العراق وإيران وشبه الجزيرة بكثرة ...نرى إلى جانب ذلك أن مناطق شاسعة ليس لها إلا القليل من الأشخاص كإفريقيا ،وجهات الجنوب كأستراليا وأمريكا الجنوبية. الجهة الثالثة: أن عدداً من المناطق المذكورة في الرواية غير معروفة على الإطلاق وغير موجودة في المصادر والأطلس. نعم ، يمكن في بعضها فهم المناطق من زاوية اللغة القديمة المعاصرة لزمن صدور النص .فقوله(أقاليم الأدنى) يراد بها الأقاليم الشرقية القريبة من الشرق الأوسط كأفغانستان وباكستان والجمهوريات الأسيوية الجنوبية من الأتحاد السوفيتي. ويراد بوسايط النوبة ، مايصطلح عليه باللغة الحديثة بوسط افريقيا.ويراد ببلاد الروم ، أوروبا على العموم. ويراد بديار بكر ومشارق الروم ، آسيا الصغرى وشرق اوروبا ،وهي التي تحت الحكم الشيوعي في العصرالحاضر .والجين بالجيم الفارسية هو الضين باللغة الحديثة .ويراد بنواحي الظلمات امريكا بأقسامها الشمالية والوسطى والجنوبية باعتبارها واقعة وراء بحر الظلمات وهو المحيط الأطلسي باللغة الحديثة . هذا ، ولكن يبقى بعد ذلك عدد من المناطق غير المعروفة ، كما لا يخفى .
(1) قال في مراصد الإطلاع : هي مدينة بأقصى المغرب :ج1 ص304
الجهة الثالث من هذا الفصل: في تقديم فهم عام لهذه الروايات ، قبل الوصول إلى التفاصيل الآتية : تقسيم خطبة البيان العالم إلى تقسمين: التقسيم الأول: وهو الأشمل والأوسع ،وهو تقسيم العالم كله إلى أربع مناطق: شمال وجنوب وشرق وغرب .... يعين لكل منطقة (لجنة) مكونة من اثني عشر رجلاً من الأتقياء الأبرار الصالحين . وأما تطبيق هذه المناطق على العالم ، فلا تنطق به الرواية ،ومن الصعب تطبيقه إلى حد ما ... غير أن افضل ما نفهمه بهذا الصدد هو أم هذا التطبيق موكول إلى نظر القائد المهدي طبقاً لما يرى من المصلحة. التقسيم الثاني : تقسيم العالم إلى مناطق اصغر من ذلك .وقد يكون الحكام المعنين فيها أقل من درجات الإيمان من اؤلئك ...بدليل على أن الرواية دلت على مدح اؤلئك دون هؤلاء. كما أن مقتضى هذين التقسيمين هو أن يكون الحاكم للمنطقة (الصغيرة) تابع في مسؤولياته إلى الحاكم للمنطقة (الكبيرة). وهذ ا التقسيم الثاني هو المشار إليه في الروايات الأخرى ، مع شيء من الإختلاف ، فإن خطبة البيان تنص على تعيين (لجنة) في كل إقليم .بخلاف الروايات الأخرى فإنها تنص على أنه (إذا قام القائم بعث في اقليم الأرض ، في كل إقليم رجل" . على انه من الممكن صدق كلا الروايتين ، فإن الحاكم الرئيسي أكثر من ذلك بطبيعة الحال. وبذلك يصبح أصحاب الإمام المهدي القائم وقد أحاطوا بما بين الخافقين .ليس من شيء إلا هو مطيع لهم . "ولا تبقى أرض إلا نودي فيها بشهادة ،أن لا إله إلاألله وحده لا شريك له .وان محمداً رسول الله " وطبقت فيها ألأطروحة العادلة الكاملة . وسيتم تعيين حاكم مكة المكرمة بمجرد الخروج منه الأول ،وإذا كان المهدي سيسيطر على البلاد هناك قبل دخوله العراق ، فسيتم تعيين الجماعة التي تحكم نجد والحجاز ،وأما باقي الحكام فسيتم تعيين الجماعة التي تحكم نجد والحجاز .وأما باقي الحكام سيتم تعيينهم بالكوفة ،كما رجحنا تبعاً لوجود الحاجة إلى التعيين .ومعه فمن الممكن القول سيكون تدريجياً ، تبعاً لسيطرة المهدي(ع) بالتدريج على العالم .
صفحة (494)
وقد رجحنا فيما سبق أن تقسيم العالم سيكون إلى مئة وخمسون إقليماً عل أقل تقدير، وستكون الحاجة ملحة عندئذ إلى استعمال الثلاثمئة والثلاثة عشر كلهم في الحكم مع إضافات أخرى من ذوي الإخلاص الأدنى من ذلك .ومن المعلوم ان المنطقة كانت أصغر كان مباشرة الحكم وتطبيق العدل فيها أسهل . وليس ما يخالف ذلك في الروايات إلا خطبة البيان، فإنها قسمت العالم – بالتقسيم الثاني – إلى خمسة وثلاثين إقليماً ، بعضها شاسع جداً حتى أنها اعتبرت إفريقيا كلها جزءاً من إقليم ، مضافاً إلى جزاير الأندلس. يتراوح عدد أفراد (اللجنة) الحاكمة لكل إقليم – في الخطبة – بين خمسة إلى ثمانية ويكون مجموعهم مئة وسبعة وتسعين ...فإذا أضفنا إليهم الثمانية والأربعين الحاكمين طبقاً للتقسيم الأول كان المجموع مئتين وخمسة وأربعين الحاكمين طبقاً للتقسيم الأول كان المجموع مئتين وخمسة وأربعين .وهو ينقص عن عدد الخاصة بثمانية وستين فرداً ، فلماذا حصل هذا الفرق؟! . وقد يخطر في الذهن : أننا عرفنا أن هؤلاء هم غير اولئك الخاصة ، فمن الطبيعي أن يختلف رقم هؤلاء عن اولئك. وجوابه : أننا عرفنا أيضاً أن هذا التفريق هو إحدى نقاط الضعف في خطبة البيان . إذ ليس من المنطقي أن يعرض القائد المهدي (ع) عن تعيين اؤلئك الخاصة في أعلى مناصب الدولة العالمية، ويعين أشخاصاً آخرين أدنى منهم .إذ أدنى ما يلزم من ذلك: الإخلال بالعدل االكامل المطلوب منه ،مضافاً إلى دلالة الروايات على ذلك ، كما سمعنا. إذن فلو بقينا نحن والنسخة الثانية لخطبة البيان، لأستننفدنا منها ، أن هؤلاء الذين ذكرتهم ، هم بعض اؤلئك الخاصة .ومعه يكون السؤال عن مصير البقية الذين لم تذكرهم الخطبة ، متوجهاً.!.. وعلى أي حال ، فإذا تم توزيع الحكام على كل أقاليم الأرض ، كانت الدولة العالمية المهدوية قد استتبت لأول مرة . أقول : والإقليم في العرف قسم من الأرض يختص باسم يتميز به عن غيره ، فمصر إقليم والشام إقليم واليمن إقليم ، معرّب ،وقيل عربي ، مأخوذ من قلامة الظفر ، لأنه قطعة من الأرض ،وقال الجواليقي: ليس بعربي محض جمعه : أقاليم(1) . هذا بحسب اللغة ،وأما في الدولة العالمية فالمراد بالإقليم كل منطقة محددة، ذات حكم داخلي مستقل عن غيره ، سواء كانت بمقدار الإقليم بالمعنى اللغوي أو أكثر .
(1) انظرأقرب الموارد ج2 ص1035
|
|