|
||
|
المقدمة الأولى : أنه ثبت في الفقه الإسلامي ، أن رئيس الدولة لا بد أن يكون جامعاً لشرائط خاصة وحاصلاً على مؤهلات معينة ، لكي يكون أهلاً لتولي هذا المنصب الكبير،وكذلك لابد أن يكون القاضي جامعاً لشرائط معينة لكي يكون نافذ الحكم في نظر الإسلام ، وقابلاً لحل مشاكل المرافعات بين الناس. وأهم هذه الشرائط المشتركة بين الحاكم والقاضي معاً : العدالة والفقاهة .ويراد بالعدالة درجة كبيرة من الإخلاص والإستعداد للتضحية ، تكف صاحبها عن العصيان وعن التمرد عن تعاليم الله ،ويراد بالفقاهة الإطلاع عل احكام الشرع الإسلامي إطلاعاً واسعاً ،يسمى بالإجتهاد في لغة الفقه لما قبل الظهور. المقدمة الثانية : إن القدرة الفردية ،مهما كانت كبيرة وعميقة ،فهي قاصرة عن أن تباشر الحكم في العالم كله بمفردها بحيث يكون لها مباشرة البت في كل الوقائع الجزئية من شؤون الأفراد والمجتمع .لأنها تعد بالملايين في الساعة الواحدة ،فضلاً عن اليوم الواحد، فالأكثر منه :وقد سبق أن قربنا ذلك . نعم، يمكن للمعجزة أن تذلل ذلك ، فتعطي للفرد طاقة غير محدودة ،إلا أن مثل هذه المعجزة لا يمكن افتراضها في حق الإمام المهدي لكونها مخالفة لقانون المعجزات ،وذلك :لأجل وجود البديل الواضح لها ،وهو مباشرة الحكم العالمي عن طرق الأفراد الكثيرين المتمثلين بأصحابه الممحصين ،وإذا كان للمعجزة بديل طبيعي لم يكن لها مجال للتحقق والوقوع. المقدمة الثالثة : إن المناطق التي يحتوي عليها العالم المسكون كثيرة يكفينا من ذلك أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الآن يزيد عددهم على المئة بأكثر من عشرة .وهناك مناطق او دول غير مشاركة في هذه الهيئة العالمية ، ككل المستعمرات وأغلب جزر المحيطات والمناطق القطبية. هذا مضافاً إلى أن بعض الدول شاسعة المساحة جداً ، كالصين والإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وكندا واستراليا وغيرها .فلو حصلت المصلحة في تقسيم هذه الدول إلى عدة أقاليم في الدولة العالمية ، حصلنا على عدد متزايد من الدول مع ضمها إلى ما سبق . بحيث يمكن أن تصل أقاليم الدولة العالمية إلى مئتين. المقدمة الرابعة : أنه ليست الحاجة مقتصرة في كل منطقة على خصوص شخص الرئيس الذي يحكمها ، بل تحتاج المنطقة أو الأقليم إلى جهاز إداري وقضائي كامل يكون كل الأشخاص الرئيسيين فيه متصفين بالأهلية التي عرفناها ...بما فيهم الرئيس والوزراء والمدراء العامين والقضاة ،وكل من كان بمنزلتهم وأهميتهم في الدولة.
صفحة (478) يتضح من هذه المقدمات وجه الحاجة إلى هذا العدد : الثلاثمائة والثلاثة عشر من القادة والفقهاء والحكام والقضاة .إن لم نقل أنه رقم يقل عن الحاجة بقليل أو بكثير فإننا لو سرنا على حسابنا السابق ، فاعتبرنا لكل إقليم من الأقاليم المائتين عشرة أشخاص مؤهلين بالدرجة العالية ،كانت الحاجة مقتضية لوجود ألفي شخص من هذا القبيل. غير أننا ينبغي أن نلفت إلى ان الصفات العليا لا ينبغي أن نتوخاها في كل إقليم إلا لشخصين هما الرئيس الأعلى والقاضي الأعلى ،وأما الباقون فيمكن اتصفاهم بنفس الصفات بدرجة أقل ،فإذا لم تبلغ أقليم الدولة العالمية إلى مئتين بل اقتصرت على مئة وخمسين مثلاً .فتكون الحاجة مقتضية لوجود ثلاثمائة من ذوي المؤهلات العالية ، لا أكثر. ويبقى من هؤلاء الخاصة ثلاثة عشر، ربما يتولون مهام الحكم المركزي في العالم إلى جنب الإمام المهدي نفسه .وقد نصت الروايات التي سنسمعها في الفصل لقادم على وجود اثني عشر نقيباً من هؤلاء مع الإمام نفسه .والعدد الذي استنتجناه تقريبي على كل حال. هذا ، وستتم تغطية الحاجة في أشخاص الوزراء والمدراء وباقي القضاة وغيرهم، من الأفراد المتصفين الدرجة الثانية من درجات الإخلاص التي عرفناها .فإنها مساوقة مع وجود العدالة والفقاهة ببعض مراتبها أبضاً ، بالمقدار الذي يؤهل المتصفين بها إلى تولي هذه المناصب. وعلى أي حال، فإذا استطعنا أن نعتبر كل صفة من صفات الإمام المهدي ضماناً مستقلاً للتطبيق العادل الذي نتحدث عنه ...لوضوح أنه لو تخلف أي واحد منها كان موجباً لفشل التجربة العالمية أو تضررها على أقل قدير ، فاعتبرنا عددهم ضماناً مستقلاً ،وعدالتهم المتمثلة بإخلاصهم للعقيدة والقائد ضماناً ثانياً ،وفقاهتهم ضماناً ثالثاً .وأضفناها إلى الضمانات السابقة زادت الضمانات المتوفرة للمهدي للبدء بالتطبيق العادل على عشرة. ولسنا بحاجة – بعد هذا – إلى القول : بأن مجموع هذه الضمانات لا يمكن أن يتوفر لغير الإمام المهدي ،مهما كانت حركته قوية أو دولته واسعة ، أو قانونه عميقاً ،وسواء كان أساسه مصلحياً أو عقائدياً على مر التاريخ.
صفحة (479) المستوى الثاني : في ضمانات دوام التطبيق واستراره ، بعد إنجازه واستتبابه لأول مرة ....سواء في حياة الإمام المهدي او بعده . وهي – أيضاً ـ عدة ضمانات ، ندركها الآن بوضوح: الضمان الأول: إتضاح صحة التجربة المهدوية العالمية أمام الناس أجمعين، أو أمام الرأي العام العالمي بالتعبير المعاصر... ومدى السعادة والرفاه الذي يعيشه المجتمع نتيجة لهذه التجربة وهذا التطبيق. وهذا الوضوح يجعل الناس تلقائياً مؤيدين لبقاء واستمرار نظام المهدي أطول مدة ممكنة ،ومدافعين عن ذلك بما يملكون من رأي وسلاح. وينبغي هنا أن نلفت إلى أنه عند اتضاح صحة التجربة المهدوية ، تخرج (الأطروحة العادلة الكاملة) التي يطبقها عن كونها مجرد أطروحة .فإن الأطروحة ما تكون محتملة الصحة ...وسيكون ذاك التطبيق العالمي الكامل لها مثبتاً لجدارتها وصحتها وحسن نتائجها بالحس والعيان . الضمان الثاني: اتضاح مدى الإنسجام الذي حصل بين أفراد المجتمع ، والأخوة التي سادتهم ،والطمأنينة والسلام المسيطرة على ربوعهم ... ربوع البشرية كلها. وهذا الوضوح له نفس الأثر النفسي السابق بطبيعة الحال .وسنعرف تفاصيلها في فصل آت من هذا الباب يتعلق بإنجازات المهدي في دولته على الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي . الضمان الثالث : تربية أجيال الأمة ... والأمة يومئذ تمثل البشرية كلها ....تربية صالحة ،وتكميل إيمانها وإخلاصها ، عن طريق التربية المركزة المستمرة ، تكميلاً يجعلها لا ترضى عن إطاعة حكم الله وتنفيذ عدله الكامل ، بديلا. ومعناه – على وجه التعيين – أنه ستتمسك بحرارة نظامها المهدوي الجديد بصفته ممثلاً لعدل الله وشريعته . الضمان الرابع : تربية جماعة من خاصة الناس وعظمائهم إيماناً وإخلاصاً وثقافة ، تربيتهم عن طريق التثقيف العميق والمستمر والنجاح في التمحيصات القوية المختلفة ، التي سوف نشير إلى بعضها ...تربيتهم لكي يكونوا أولياء صالحين لتولي مهام الرئاسة العالمية بعد المهدي ......أو تولي رئاسة المناطق المختلفة بعد رؤسائها المختلفين ، فيما إذا ماتوا أو انعزلوا أو نقلوا.
صفحة (480) وواضح أن إيجاد هذا الضمان ضروري لإستمرار نظام الحكم المهدوي ، وإلا فسيكون نظامه منوطاً بشخصه، ولا يكون قابلاً للبقاء بعده ... إذا لم يكن هناك من يباشر السير فيه إلى نتائجه المطلوبة . والفرق – بطبيعة الحال – موجود بين نتائج حكم المهدي ونتائج حكم خلفائه، للفرق الشاسع بينه وبينهم ،من حيث درجة تكامل القيادة لديه ولديهم .وهذا ما سنتعرض له في الباب الأخير من هذا التاريخ إلا أن أصل النظام يبقى موجوداً ومستمراً بإعتبار الدفع الثوري الفكري والإجتماعي والتشريعي الذي يوجده المهدي بين البشر، ذلك الدفع الذي تقوم الدولة بعد المهدي بانتهاجه ، وتربية البشر تربية مركزة على أساسه. فهذه هي الضمانات المهمة التي ندركها لإستمرار التطبيق العالمي ...مع أخذ بعض الضمانات التي ذكرناها لإبتداء التطبيق بنظر الإعتبار هنا أيضاً فإنها تكون مؤثرة في كلا الحقلين ، كما لايخفى على القارىء اللبيب .
صفحة (481) |
|