|
||
|
فإنها خاطبت الله مباشرة فورد الجواب مباشراً أيضاً ، بحسب ظاهر العبارة . المورد الثاني : إن أم موسى تلقت الوحي أيضاً .قال الله تعالى : "إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى "(1). وقال عز وجل : " أوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ..."(2) المورد الثالث : الحواريون : وهو خاصة أصحاب النبي عيسى (ع) . قال الله تعالى : "وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي .قالوا آمنا ،واشهد بأنا مسلمون "(3) ولم يكن الحواريون أنبياء أو رسلاً في حياة المسيح (ع) ، باعتراف المسيحيين أنفسهم . المورد الرابع: النحل: فإنها تلقت الوحي بالتعليم بما يخص مصالحها وما يقيم لها حياتها .قال الله تعالى :
"وأوحى
ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل
الثمرات ، فاسلكي سبل ربك ذللاً"(4). النقطة الثانية : إن نوع الوحي يختلف في هذه الموارد الأربعة .فهو في النحل ليس أكثر من الأسلوب الفطري لحياة النحلة نفسها ...كل ما في الأمر أنه بالنسبة إلى خالق الكون ، ليس اسلوباً (أعمى) بل هو مدبر بحكمة واتقان. وأما أم موسى ، فلا نستطيع أن نقول أكثر من أنها قد (خطر) في بالها وقد فكرت بأن تضع ابنها في صندوق وتلقيه في النيل .فهي لم تشعر أنها فكرة ذاتية لها ليست (مستوردة) من أعلى . غير أن القرآن الكريم يخبرنا أنها إنما فكرت بذلك نتيجة للتسديد الإلهي.
صفحة (475) (1) طه : 20/ 38. (2) القصص : 28/7. (3) 5/ 111. (4) 16/69.
وأما بالنسبة إلى مريم والحواريين ، فظاهر القرآن الكريم ، ثبوت الوحي (لفظاً ومعنى) بالنسبة إليهم .مع احتمال أن يراد به (الإلهام) أيضاً ، وهو إلقاء المعنى في الذهن من دون لفظ ..فإنه من معاني الوحي لغة أيضاً. وعلى أي حال ، فتشبيه الإمام المهدي (ع) بهؤلاء ، في الرواية لا يستدعي أكثر من ثبوت أقل المراتب له (ع) ،بمعنى أنه لا تثبت الزيادة إلا بدليل آخر. النقطة الثالثة : لا شك أن المهدي (ع) من أعاظم الأولياء ، يكفينا أنه اختاره الله لتنفيذ غرضه الكبير من خلق البشر، وإنجاز العدل الكامل على وجه الأرض أفضل بكثير من مريم والحواريين وأم موسى فضلاً عن النحل . النقطة الرابعة: إن كل صفة (كمالية) ثبت وجودها في الأقل شأناً، فهي ثابتة لا محالة في نظائره (باعتبارالمساواة) وفي الأفضل (باعتبارالأولوية) خذ مثلاً أن (الكاسب) إذا استطاع أن يشتري داراً ، فأحر (بالتاجر) أن يشتري مثلها أو أفضل منها ،أو إذا استطاع المتخرج من إحدى الكليات تأليف كتاب نافع ، فالحامل لشهادة الدكتوراه أولى بالقدرة على ذلك . النقطة الخامسة : أنه يثبت من ذلك : أن أي مرتبة ثبتت في إحدى هذه الموارد ففي الإمكان ثبوتها للمهدي (ع) بالأولوية .نعم ،(وقوع) ذلك لا يدل عليه التشبيه – كما قلنا – إلا بأقل مراتبه ...ولكنه ليس هو المرتبة الضئيلة الثابتة للنحل على أي حال. النقطة السادسة : إننا جعلنا هذه الرواية مؤيدة لقاعدة الإلهام بالنسبة إلى المهدي ، ولكنها لا تصلح وحدها دليلاً. أولاً: إنها لا تدل إلا على وقوع أقل مراتب (الوحي) للمهدي (ع) .وهو – على كل حال – أقل من قاعدة الإلهام: إذا أراد الإمام أن يعلم أعلمه الله تعالى ذلك . ثانياً : إنها مرفوعة ، بمعنى أنها مجهولة الراوي ، فلا تصلح للإثبات التاريخي . ولكنها على أي حال تحتوي على نقطة قوة هي باختصاصها المهدي ، بخلاف الروايات الأخرى فإنها عامة لكل إمام معصوم . فتثبت الخصيصة الثانية للمهدي بالعموم ، لابالتنصيص .وإن كان العموم كافياً على كل حال.
صفحة (476)
الخصيصة
الثالثة : تكامل القيادة في شخصه (ع) بدرجات أعلى من (مجرد) العصمة ....وإطلاعه
على قوانين المجتمع والتاريخ البشري، بشكل لا يمكن لأحد غيره الإطلاع عليها . والقائد المعصوم عموماً ، قابل للقيادة العالمية ، إلا أن المهدي ببقائه الطويل ومعاصرته لمئات الأجيال البشرية ، طبقاً للفهم الإمامي ، تتكامل فيه صفة القيادة ،ويكون في إمكانه الوصول إلى الأهداف المنوطة به والموكولة إليه ، بشكل أسرع وأسها وأعمق . القسم الثالث: الضمانات المنبثقة من صفات أصحابه عليه وعليهم السلام . ونشير هنا إلى ما سبق أن عرفناه مفصلاً من شجاعتهم ولإخلاصهم للعقيدة والهدف ولإمامهم القائد (ع)، فإن كل ذلك يشكل نقطة قوة وضمانات لإنتصار المهدي (ع) ... ونود هنا أن نشير إلى أمر آخر ، سبق أن أشرنا إليه ،وهو علمهم وفقاهتهم وحسن تدبيرهم لأمور المجتمع... وقد سمعنا وصفهم في الروايات بأنهم ، النجباء والفقهاء ، وهم الحكام وهم القضاة (2). وسيأتي في الفصل الآتي التعرض إلى طريقة حصولهم على مثل هذا العلم الواسع المدبر للعالم، وأما هنا، فأود أن أبين وجه الحاجة إلى مثل هذا العدد الكبير من الفقهاء والحكام ، بحيث لو كانوا يمثلون بعض هذا العدد أو بعض هذه الثقافة ، لما أمكن نجاح الدولة المهدوية العالمية ، ومن هنا كان اتصافهم بهذه الصفات وهذا العدد من أهم ضمانات نجاح التطبيق العالمي. ومن هنا – أيضاً ـ اقتضى التخطيط السابق على الظهور إيجادهم لإنجاح هذه التجربة ، لمشاركتهم – أولاً – بصفتهم قادة عسكريين في الفتح العالمي ومشاركتهم – ثانياً- بصفتهم رؤساء وحكاماً لمناطق العالم وأقاليمه في الدولة العالمية .
صفحة (477) (1) انظر ص514 وما بعدها ،وانظر ص517 أيضاً. (2) انظر الملاحم والفتن ص171.
|
|