|
||
|
العامل الثالث : ما يقوم به المهدي (ع ) شخصياً بعض خاصته – بتعليمه – من أفعال وأقوال وطريقة في قيادة الدولة وتدبير امور المجتمع ،مما يعجزعن مثله الآخرون ،وقد عجزت الدول السابقة كلها. نتيجة للخصائص العليا التي اتصف بها المهدي (ع) وخاصته، مما عرفناه ، وسنشير إليه غير بعيد. العامل الرابع : كثرة القتل الذي يقوم به المهدي (ع)، وأصحابه للمنحرفين لمدة ثمانية أشهر ، يقتل مرجاً ولا يستتيب أحداً .الأمر الذي يحدث الأثر النفسي الكبير. ولمدة طويلة كافية للتربية ، في التهيب والخشوع والتصاعر تجاه الحكم المهدوي. الأمر الذي يجعل عصيان قانون الدولة متعذراً ، ويفسح مجالاً عريضاً للدولة لإجراء قانونها وأنظمتها في كل المجالات. العامل الخامس: أن هناك بعض التصرفات صعبة التفسير ومجهولة السبب يقوم بها المهدي (ع) لأجل مصالح واقعية يعرفها ، ويمكن أن نجد منها بعض النماذج : فمن ذلك : ما أخرجه النعماني(1) عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : بينما الرجل على رأس القائم يأمر وينهى ،إذ أمر بضرب عنقه ، فلا يبقى بين الخافقين إلا خافه. وما أخرجه المجلسي في البحار(2) عن السيد علي بن عبد الحميد في كتاب (الغيبة) بإسناده رفعه إلى جابر عن أبي جعفر (ع) – في خبر عن القائم يقول فيه -: إنما سمي المهدي لأنه يهدي لأمر خفي . حتى أنه يبعث إلى رجل لا يعلم الناس له ذنب فيقتله ... الحديث . وأمثال هذه التصرفات ، وهي واقعية الصحة ، مجهولة لدى الناس ، تجعل الفرد ،كل فرد . يعيد النظر لجدية بالغة في قيامه بأي انحراف أو عصيان .
(1) ص126. (2) ص200 ج13.
فبهذه العوامل ونحوها ،تكتسب الدولة المهدوية هيبتها في صدور الناس على كل المستويات ، الأمر الذي يجعل عصيان قانونها صعباً جداً ،ومن ثم يكون أخذها بزمام المبادرة للتربية والتطبيق العادل سهلاً ميسراً. الضمان الخامس: ما عرفناه مفصلاً من إنتاج التخطيط الإلهي السابق على الظهور نتيجة مهمة ، وهي يأس الرأي العام العالمي من المبادىء والأطروحات المعلنة التي ادعت حل مشاكل البشرية قبل الظهور .والشوق إلى حل عادل شامل يخرج البشرية من وهدتها العميقة . وهذا الجو الفكري والنفسي ، يهيء للدعوة المهدوية والدولة المهدوية أفضل الفرص للتطبيق العادل الشامل. كما سبق أن علافنا مفصلاً ،فلا حاجة إلى التكرار. القسم الثاني : الضمانات المنبثقة من شخص الإمام المهدي (ع) ، باعتبار ما يملك من خصائص وصفات. الخصيصة الأولى : العصمة التي تمثل درجة عالية جد، وضرورية التأثير ... من الإخلاص والإيمان وتقديم مصالح الهدف الأعلى الإلهي على كل مصلحة .وبالتالي فهي تقتضي فعل كل ما هو مشروع ومطلوب في الشرع الإلهي ، وترك كل ما هو غير مشروع منه .ونعني بما هو مشروع وغير مشروع معناه الدقيق الشامل لمسؤوليات القيادة ، وليس لمسؤوليات الفرد الإعتيادي فقط. وقد عرفنا أن هذه الصفة مما قامت عليه الضرورة في المذهب الإمامي ،ووافق عليه جملة من الباحثين العامة كإبن عربي في الفتوحات ، ومن تابعه بعض من تأخر عنه. الخصيصة الثانية :أنه متى ما أراد أن يعلم شيئاً أعلمه الله تعالى إياه، كما نطقت بذلك الروايات ،وقد سبق أن بحثناه في تاريخ الغيبة الكبرى(1). وقلنا أن هذه الخصيصة تعتبر من أعظم شرائط القيادة العالمية التي تكون بدونها متعذرة تماماً ،فإن الله تعالى حيث أوكل إلى المهدي (ع) هذه القيادة العامة ،وعلمنا أنه يجب في اللطف الإلهي ان يعطي الله عز وجل كل فرد منصوب لمهمة القدرة على تنفيذ تلك المهمة، أو أن يختار الفرد القادر لو أمكن .وبالتالي لابد من التساوق بين قابليات الفرد ومهامه ، لايختلف في ذلك الأنبياء عن الأولياء.
(1) ص515 وما بعدها .
وحيث تتوقف القيادة العالمية على خبرة واسعة جداً يتعذر الحصول عليها بأي تنظيم بشري أو أي جهاز الكتروني، وخاصة إذا كان المطلوب هو تطبيق العدل المطلق وضمان استمراره .إذن فيتعين صدق تلك الروايات وصحة مضمونها ،ووجود هذه الصفة للمهدي (ع) ،وهي أنه متى ما أراد أن يعلم أعلمه الله تعالى . ومما يدعم ذلك بالنسبة إلى شخص المهدي (ع) ما أخرجه في البحار(1) عن السيد علي بن عبد الحميد في كتابه(الغيبة) بإسناده رفعه إلى أبي الجارو قال : قلت لأبي جعفر: جعلت فداك، أخبرني عن صاحب هذا الأمر، قال: يمسي أخوف الناس ويصبح من آمن الناس .يوحي إليه جعفر. قال: يا أبا الجارود أنه ليس وحي نبوة .ولكنه يوحي إليه كوحيه إلى مريم بنت عمران ،وإلى أم موسى وإلى النحل . يا ابا الجارود ، إن قائم آل محمد لأكرم عند الله من مريم بنت عمران وأم موسى و النحل. ويتم فهم هذه الرواية ضمن عدة نقاط: النقطة الأولى : إن الوحي غير خاص بالأنبياء بل قد يشمل غيرهم أيضاً .وقد نص القرآن على عدة موارد من ذلك: المورد الأول : إن مريم بنت عمران (ع) تلقت الوحي عن طريق الملائكة ،قال الله تعالى : "وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ...إلى أن يقول :إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين"(2) بل ظاهر إحدى الآيات أنها تلقت الوحي من الله تعالى مباشرة . "قالت : رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر.: كذلك الله يخلق ما يشاء "(3)
(1) ص200 ج13. (2) آل عمران : 3/ 42و45. (3) آلعمران : 3/ 47.
|
|